كان يا مكان، في قديم الزمان والأوان، قاضٍ اسمه، ريتشارد غولدستون، كان يُعتبر مفخرةً من مفاخر إسرائيل في العالم، فهو رئيس لجان تحقيق في جرائم الحروب في العالم، كان عضوا في مراكز القانون والحقوق، كان تاجا على جبين يهود العالم، لا يُلفظ اسمه إلا بعد، (القاضي اليهودي)!!
ظلَّ اسمه، القاضي اليهودي، إلى أن وقع في مصيدة ضميره الحي!! فقاد فريقاً أممياً للتحقيق في جرائم إسرائيل في عدوان الرصاص المصبوب على غزة، 2008-2009 أصدر خلاصة تقريره، بعد أن شاهد الحقائق، فأدان بخجل شديد جرائم إسرائيل، قال:
«إن ما فعلته إسرائيل في غزة، يصل إلى مرتبة جرائم حرب»!!
بعد هذه الخلاصة الخجولة جداً، أصبح، غولدستون مُطارَداً من إسرائيل، نزعوا عنه أولاً اسم القاضي اليهودي، أعادوه إلى موطن إقامته، وليس إلى عرقِه اليهودي، فصار اسمه بعد التقرير: (القاضي الجنوب إفريقي)!!
حاصروه، ثم عزلوه في وسط جاليته اليهودية، في جنوب إفريقيا، ومنعوه من حضور حفل تدشين حفيده في الكنيس، ثمَّ، أجبروه أن يسحب تقريره، ويعترف بخطئه، نفذَ كلَّ ما طلبوه منه، ولكنهم لم يغفروا له خطاياه في حق (الدولة الأسطورية) إسرائيل! فانزوى، ثم انطوى، ثم أصيبَ بمرضٍ نفسي، ولم يُعثر له على أثر حتى كتابة هذا المقال!!
كذلك فعلوا مع الكاتب الفرنسي المشهور، روجيه غارودي الذي فضح عمليات نسج الأساطير الصهيونية، وشكَّك في أرقام ضحايا الهولوكوست، فحاكموه في بلده، وحكموا عليه بالسجن في بلده فرنسا بتهمة التشكيك في المحرقة النازية عام 1998 مات، رجاء غارودي، ولم يعرف خبر موته سوى قليلين عام 2012.
أما عن الصحافية التسعينية، هيلين توماس التي عاصرتْ عهدَ عشرةِ رؤساء أميركيين، وكانت من أبرز الصحافيين في العالم، فقد أرغم اللوبي الصهيوني، الرئيسَ الأميركي السابق، أوباما على طردها، لأنها قالت في مقابلة صحافية: «على الإسرائيليين أن يعودوا إلى البلدان التي رحلوا عنها، ويتركوا فلسطين لأهلها».
إليكم نماذج أخرى لفنانين وصحافيين مُطاردين من الاحتلال الإسرائيلي:
رسام الكاريكاتير البريطاني، جيرالد سكارف، ارتكب هو الآخر جريمة في حق إسرائيل، حينما رسم في صحيفة صاندي تايمز 2013، صورة نتنياهو، يبني جدارا عنصريا، مستخدما الإسمنت الأحمرَ، بلون الدم الفلسطيني، أما حجارة جدار الفصل العنصري، فهي من أجسادهم، أجبر اللوبي الصهيوني مالك الصحيفة، روبرت مردوخ أن يعتذر، ويضع حدا لجرأة سكارف!
أما عن أشهر رسامي الكاريكاتير في العالم، الرسام الفرنسي في صحيفة لوموند، جين بلانتو، فهو منذ أكثر من عامين تحت الأنظار، يعاني من المطاردة، لأنه (أخطأ) فرسم كاريكاتيرا يُعبِّر بدقِّةٍ عن واقعنا؛ رسم جنديا صهيونيا يصوب بندقيته نحو الأطفال الفلسطينيين، يلتصق بالجندي الصهيوني أصوليٌ، حريدي، يهودي متزمت، يحثُّ الجنديَ على سرعة إطلاق النار، وهو يحمل في يده حقيبة مكتوبٌ عليها: مستوطنة جديدة!
أين هو الصحافي السويدي، دونالد بوستروم، الذي كتب مقالا يتهم فيه الجيش الإسرائيلي بسرقة أعضاء الشهداء الفلسطينيين وبيعها في أسواق تجارة الأعضاء العالمية؟ طاردوه إلى أن أدخلوه في حظيرتهم من جديد.
ما آخر أخبار وزيرة خارجية السويد، مارغوت وولستروم أيضا، بعد أن تجرأت وانتقدت الدولة المقدسة في العالم (إسرائيل)، نقدا عاديا، فقالت:
إن القهر والظلم الاحتلالي، دفع الفلسطينيين إلى اليأس والتطرف، وأن قتل الاحتلال للفلسطينيين غير قانوني، انتفضَ اللوبي الإسرائيلي، ورفض نتنياهو استقبالها، عندما زارت بلادنا 2016؟!
أخيرا،هل نجاحُ إسرائيل في إخفاء كلِّ هؤلاء يعودُ إلى سطوتها، وقوتها، ونفوذها؟
أم أنَّ نجاحها يعود إلى تأثيرها على منابر الإعلام في العالم؟
أم أنها تملك خطة للمتابعة، والرصد، عبر لوبياتها المنتشرة في كل دول العالم؟
أم أنَّ نجاحها في مطاردة منتقديها، يعودُ إلى ضعفِ خصومها، وشرذمتهم، وانقسامهم، وعدم وجود خطةٍ لديهم للمتابعة، ومواجهة تلك المُخطَّطاتِ؟