وماذا عن «المؤتمر الإقليمي» ؟!

هاني حبيب
حجم الخط

وفقاً للمصادر الإعلامية الإسرائيلية التي تناولت ما يسمى باللقاء السري في العقبة الأردنية العام الماضي بحضور نتنياهو والرئيس السيسي والملك عبد الله، أن الأول عرض على المشاركين في الاجتماع الذي نظمه وزير الخارجية الأميركي في ذلك الوقت وشارك فيه جون كيري خمس نقاط أساسية، من بينها النقطة الثالثة: دعم ومشاركة فعالة للدول العربية في مبادرة سلام إقليمية، بما في ذلك مشاركة ممثلين كبار من  السعودية والإمارات العربية المتحدة ودول سنية أخرى في قمة علنية بحضور ومشاركة نتنياهو... هذه النقاط الخمس المشار إليها، طرحها نتنياهو في اجتماع لحزب الليكود وإثر عودته من اجتماعه في واشنطن مع ترامب، كما جاء على موقع «المصدر» قبل يومين!
كان ذلك قبل حوالي عام سابق، إثر جهد أميركي دؤوب من أجل عقد هذا الاجتماع السري لإقناع القيادتين، المصرية والأردنية بعقد مثل هذا الاجتماع، إلاّ أن هذا الاجتماع لم يتوصل إلى نتيجة، بررت بعض المصادر الإعلامية العربية أن نتنياهو أشار إلى أن هذه النقاط الخمس، التي يوافق عليها، لن تحظى برضا الجمهور الإسرائيلي، في حين أن وسائل الإعلام الإسرائيلية، نقلت عن نتنياهو قوله بأن هذا الاتفاق سيفجر الائتلاف الحكومي الهش، وهناك فرق واضح بين  «الجمهور الإسرائيلي» و»الائتلاف الحكومي»، إلاّ أن بعض المتابعين العرب، أحبوا أن يمنحوا نتنياهو صفة غير متوفرة لدى القيادات العربية: الحرص على رضا الجمهور، وهي عقدة طالما تم التعامل معها إزاء عملية مقارنة مع النظام السياسي الإسرائيلي والنظام السياسي العربي عموماً.. إلاّ أن هذا الأمر ليس هدف مقالتنا هذه على أية حال!!
وهنا، ينبغي بالنسبة لنا تسجيل بضعة ملاحظات، الأولى، تتعلق بمصطلح «الدول السنية» وهو مصطلح إسرائيلي بامتياز، لا تخفى أهدافه الواضحة، وللتذكير، أيضاً، فإن مصطلح عرب ـ عربي ـ قومية عربية، غاب تماماً عن وسائل الإعلام، بما فيها الإعلام العربي تقريباً لصالح مصطلحات مدروسة بإتقان، كالشرق الأوسط، والشرق الأوسط الجديد، والشرق الأوسط وشمال افريقيا، كلها تهدف إلى تغييب العروبة والعرب عن أنفسهم كي يتداولوا مصطلحات تهدف إلى تعميم المصطلحات الإسرائيلية والأميركية، «الدول السنية» بات الأكثر تداولاً في المؤسسة السياسية والمؤسسة الإعلامية على نطاق واسع.
إن الحديث عن مؤتمر إقليمي موسع ومعلن، ليس بالاقتراح الجديد، ذلك أن نتنياهو حدد أكثر من مرة موقفه من المبادرة العربية، عندما اشار إلى أنه يمكن التعامل مع هذه المبادرة جزئياً، شريطة أن يبدأ ذلك من نقطتها الأخيرة، والتي تتعلق بالاعتراف بالدولة العبرية، بينما المبادرة العربية، تجعل من هذا الاعتراف، إثر مفاوضات تؤدي إلى تسوية نهائية تتضمن قيام دولة فلسطينية بعد انسحاب إسرائيلي من الأراضي العربية المحتلة، بما فيها الجولان المحتل، إضافة بطبيعة الحال الى الانسحاب الكامل من الضفة الغربية بما فيها القدس.
منذ هذا الطرح، جرت في مياه نهر العلاقات الإسرائيلية ـ العربية مياه جارية عديدة، وبينما كانت وسائل الإعلام العبرية تنشر العديد من ملامح التطبيع العربي مع الدولة العبرية، ولا يتم الرد على هذه الملامح من قبل المتهمين العرب، تطور الأمر إلى درجة أن ذلك أصبح أمراً عادياً، ليس هناك اعتراف رسمي، لكن هناك تعاملا يصل إلى حد العلاقات الرسمية، على أكثر من صعيد، حتى أن وسائل الإعلام العربية تمر على مثل هذه الأمور، بشكل عادي وكأنه أمر مُسلّم به، ولا يحظى إلاّ بالقليل من التغطية الانتقادية!
العودة من جديد إلى «مؤتمر إقليمي» جاء متزامناً مع وصول ترامب إلى البيت الأبيض، غير أن الأمر يبدو غير متزامن، حسب ما أشار إليه دينيس روس، المبعوث الأميركي الأول لملف المفاوضات الفلسطينية ـ الإسرائيلية لولايات جورج بوش الأول وكلينتون، ومستشاراً لوزراء الخارجية، جيمس بيكر ومادلين اولبرايت ووارن كريستوفر، إشارة «روس» جاءت في مقال نشر، قبل أيام على صحيفة «يو اس نيوز اند وورلد ريبورت» يقوله فيه: إن حل الدولتين ما زال قائماً، رغم إشارة ترامب إلى أنه أحد الحلول، وهناك دلائل أشار إليها روس لتأكيد ذلك، ليس المجال الآن العودة إليها في هذا المقال، إلاّ ان الأهم، في سياق مقالتنا هذه، قوله إن ترامب فوجئ في المؤتمر الصحافي إثر اجتماعه مع نتنياهو، بحديث هذا الأخير عن مؤتمر إقليمي... إلاّ أن الفكرة أعجبت ترامب ارتباطاً «بالحرب على إيران» مع تأكيد روس على أن العرب في كل الأحوال، لن يقبلوا بأية تسوية في ظل الظروف الحالية من دون «منح» الفلسطينيين شيئاً ما، رغم ضعف الجانب الفلسطيني، وذلك لضمان صمت أو تأييد شعوب هذه البلدان للخطوات التي ستقوم بها، خاصة إزاء ما يمكن أن ينتج عن «المؤتمر الإقليمي»! [معهد واشنطن 16/2/2017].
هناك زخم غير مسبوق هذه الايام، حول سيناريوهات وخيارات تتعلق بالقضية الفلسطينية من كل صوب واتجاه، الفلسطينيون هم آخر من يتعامل معها، ربما تقصيراً ونفادا للخيارات... وربما للتأكيد على أن كل ذلك عبارة عن هراء ومضيعة للجهد، وان العنصر الأساسي لأي حل، هم الفلسطينيون الذين ما زالوا متمسكين بمواقفهم المعروفة للجميع!