أربع قصص عورتا

أربع قصص عورتا
حجم الخط

في ما يلي ترجمة عربية لهذه القصص الأربع بالعبرية، كتبها السيّد عبد اللطيف (حنونة) بن إبراهيم الستري/السراوي الدنفي، أبو رامي (١٩٠٣-١٩٩٥)، نجل آخر سامرية من سبط بنياميم، ونُشرت في الدورية السامرية أ. ب. - أخبار السامرة، العددان ١٢١٧-١٢١٨، ١٠ حزيران ٢٠١٦، ص. ٢٠-٢٤.

هذه الدورية التي تصدر مرّتين شهريًا في مدينة حولون جنوبي تل أبيب، فريدة من نوعها: إنّها تستعمل أربع لغات بأربعة خطوط أو أربع أبجديات: العبرية أو الآرامية السامرية بالخطّ العبري القديم، المعروف اليوم بالحروف السامرية؛ العبرية الحديثة بالخطّ المربّع/الأشوري، أي الخطّ العبري الحالي؛ العربية بالرسم العربي؛ الإنجليزية (أحيانًا لغات أخرى مثل الفرنسية والألمانية والإسبانية) بالخطّ اللاتيني.

بدأت هذه الدورية السامرية في الصدور منذ أواخر العام ١٩٦٩، وما زالت تصدر بانتظام، توزّع مجّانًا على كلّ بيت سامري في نابلس وحولون، قرابة الثمانمائة سامري، وهناك مشتركون فيها من الباحثين والمهتمّين في الدراسات السامرية، في شتّى بقاع العالم. هذه الدورية، ما زالت حيّة ترزق، لا بل وتتطوّر بفضل إخلاص ومثابرة الشقيقين بنياميم (الأمين) ويفت (حسني)، نجْلي المرحوم راضي (رتسون) صدقة (٢٢ شباط ١٩٢٢ــ٢٠ كانون الثاني ١٩٩٠).

قصص

”قصص كثيرة، ارتبطت بقدسية قبور الكهنة الكبار من نسل أهرون، في قرية عورتا الواقعة إلى الجنوب الشرقي من نابلس، وعُرفت في الماضي باسم عبورتا، ويدلّ اسمها إلى موقعها إلى ما وراء جبل جريزيم. أذكر منذ صباي، أسماء القبور لدى أهالي قرية عورتا، والقرى المجاورة الذين ورثوا من آبائنا تقليد تقديس القبور، إلى أن جاء أحفادهم ودنّسوا قدسية قبر الكاهن الأكبر فنحاس (خضر)، بن الكاهن الأكبر العُزير (إلعزار)، ابن أهرون الكاهن، شقيق سيدنا موسى عليه السلام.

حتّى اليوم يمكنكم سماع أساطير وحكايات من شيوخ القرية، الذين قد يكونون أحفاد آباء سامريين متأسلمين. إنّهم يقصّون عليكم عجائب عن مقبرة العُزَير أي إلعزار، والعجائب التي حدثت حول قبر المنصور، أي فنحاس بن إلعزار، والعجائب التي حدثت بجانب قبر المفضّل، أي ايتمر، شقيق إلعزار. كما وهنالك، شتّى القصص عن مغارة السبعين مُسنًّا، وقبر ناسخ الكتاب المقدّس، الكاهن الأكبر، أبيشع بن فنحاس بن إلعزار، رضي الله عنهم جميعًا، وجمعنا معهم في جنّة عدن في المستقبل.

من القصص الكثيرة، التي سمعتها في صباي، من كهنة ومسنّين، أربع أحفظها وأقصّها عليكم الآن، وأنا ابن ٨٧ عامًا تقريبا، إلا أنّ ذاكرتي، والحمد لله، لم تخنّي بالرغم من جيلي المتقدّم ، أقصّها كما سمعتها بالتمام والكمال. ليس السامريون وحدهم يقدّسون هذه القبور، بل كثيرون من اليهود والمسلمين أيضا. كلّ من يزورها يمتلأ خوفًا من الله، والكافر بها سيلقى عِقابه عاجلا.

أ. حبّة العنب والنرجيلة/الشيشة

القصّة الأولى تعود لأيّام صباي، في عهد الأتراك في هذه البلاد. قصّ عليّ إبراهيم أنّ الحدث حدث في حوز (حوزة) الكاهن الأكبر فنحاس. اختفى القبر منذ خمس وعشرين سنة، لأنّ سكّان القرية أقاموا عليه مسجدًا، وأبقوا علامة صغيرة لمكان القبر. منذ مئات، وربّما آلاف السنين، وحتّى يومنا هذا، كان شاهد القبر كبيرًا على القبر، وساحة رحبة من حوله.

شجرة كرمة ضخمة، غطّت شاهد القبر، وأضْفت عليه جمالًا ورونقًا، كانت علامة فارقة للقبر. وصل إلى هناك، أحد الضبّاط الأتراك، ولا علم له البتّة بقدسية القبر. جلس باسترخاء على مقعد بدون ظهر بجانب القبر، وهو منتعل جزمته، وخدّامه لقّموا النرجيلة بالتبغ والجمر.

جلس الأمباشي التركي مسترخيًا على ذلك المقعد، ومتّع ناظريه بالمنظر الخلّاب لمرج البهاء، وجبل جريزيم إلى الغرب منه. كان ذلك في بداية موسم نضوج العنب، وآونتها اعتاد السامريون قضاء بعض الأيّام، ويوم السبت أيضًا، في حوزة قبر إلعزار، ينشدون ويصلّون ويستريحون لتناول الطعام الدسم. بالطبع كان آباؤنا يستغلّون زيارتهم لقبور الكهنة الآخرين من نسل أهرون، وفي مغارة السبعين شيخا. وهكذا تواجد بعض شيوخنا في مكان قبر فنحاس، فذهلوا وارتعبوا، عند رؤيتهم الأمباشي التركي، يدنّس قبر الكاهن الغيور لإله إسرائيل ، فنحاس بن إلعزار. كلّ من يدخل مكانًا مقدّسًا كهذا، عليه التصرّف بخشية وتواضع، إلا أنّ الضابط التركي، استلقى على المقعد منتعلًا جزمته، مصدرًا الأوامر لخادميه وللقرويين الذين أتوا لتقديم نذورهم لقبر فنحاس.

ּأكبر المجموعة سنًّا، تجرّأ ولفت انتباه الضابط التركي، حول تصرّفه غير اللائق في هذا المكان، وسأله بشكل خاصّ، كيف سمح له فؤاده بتدنيس مكان القبر بجزمته. استغرب الضابط التركي واغتاظ من سؤال الشيخ الفاضل السامري، دهش جدًّا من السؤال وأراد أن يعرف ما غلبة قدسية قبر المنصور، كما يدعوه قرويو المنطقة.

قصّ الشيخ للضابط عن الكاهن فنحاس قائلًا، إنّ قدسيته مستمرة إلى اليوم، ويُحظر على أيّ إنسان أن يمسّ بهذه القدسية، لئلا يلحقه أذى شديد. شكّ الضابط التركي بقول الشيخ السامري، ضحك وقال: إذا حدثت حقًّا مثل هذه العجائب الكثيرة في هذا المكان، فلماذا لا تحدث عجيبة أخرى؟ ها أنا أقطف حبّة عنب من الدالية التي تغطّي القبر، وأضرب بها وعاء النرجيلة الزجاجي؛ إذا كان هناك حقًّا أيّ سرّ عظيم دفين في هذا القبر المقدّس، فإنّ بذرة العنب ستكسر النرجيلة.

قال وفعل، قطف الحبّة وقذف النرجيلة بها، فانفلقت لقسمين متساويين، وانسكب ماؤها على شاهد القبر الذي على القبر. ذُهل الضابط ذهولًا كبيرًا، وولّى هاربا من المكان وهو يصرخ: مقدّس، مقدّس المنصور! من فضلك اغفر لي لأنّي خدشت قُدسيتك، واقبل منّي فدية. أمر الضابط بجمع فدية من المال لقبر فنحاس، لتصليح الشقوق في جدران حوز (حوزة) القبر.

ب) فنحاس الذي ظهر في الحُلم

القصّة الثانية متعلّقة أيضًا بقبر فنحاس، حادثة وقعت لشيخ من عائلة صدقة الصباحي، اسمه يوسف بن حبيب (حوفيف) بن يعقوب الصباحي، الذي كان السامريون يطلقون عليه احتراما، الكنية أبو جلال. ذات يوم رغب أبو جلال في أن يستعطف قبور الكهنة الكبار، بنحر خروف في حوز (حوزة) قبر الكاهن الأكبر، فنحاس بن إلعزر. سمعتُ هذه القصّة منه حول نَذر نذره، وحضر ليفي به بجانب قبر فنحاس، ومعه زوجته ملكه. انشغلت الزوجة بتحضير الطعام، وهو بنحر الخروف وشيّه. في زاوية الحوز (الحوزة)، كان بعض الحطب الذي جمعه القرويون من أجل السامريين، الذين كانوا يأتون لاستخدام الموقد هناك. استعمل أبو جلال بعض ذلك الحطب. عندما همّ بمغادرة المكان، وقع نظره على جذع شجرة سميك، ملقىً بجانب كومة الحطب. اشتهت (هفّت) نفسه ذلك الجذع، ذهب وأخذه معه إلى منزله في نابلس. في الطريق، حذّرته زوجته: لم تُحسن صنعًا في أخذك شيئًا تابعًا لقبر مقدّس.”أُسكتي يا امرأة، ماذا تعرفين أنتِ؟ غضب عليها، ماذا في أخذي جذعَ شجرة لتحضير وجبتنا كلينا؟“

في تلك الليلة، كما قصّ عليّ أبو جلال، قلِق ولم ينم، إلا أنّه في النهاية تعب وغفي، وها هو يرى في حُلمه كاهنًا طويل القامة جليلًا، لحيته طويلة بيضاء متدلية، مرتديًا أفودًا (معطف الكاهن) أخضر وعيناه تنفث رعبا. نظر إليه الكاهن وقال لأبي جلال المرتجف كورقة مبعثرة: ”ويل لك على ما أخذتَ من مكان قبري. كيف أخذت من هناك شيئًا ليس لك؟“. استفاق أبو جلال مضطربًا، وكلّ جسمه يتصبّب عرقًا باردا. قبل أن يبزغ الفجر، أسرج حماره وحمّله جذع الشجرة، وأعاده إلى محلّه، بجانب قبر فنحاس. بعد ذلك نام الليالي كطفل صغير.

جـ) الخروف الذي ظهر بأعْجوبة

الحكاية الثالثة، وقعت عند قبر إلعزار. سبق السامريون المسلمين بقرون كثيرة، في عادة خلع النعال من القدمين، عند دخول مكان مقدّس. ذات يوم، تواجد في المكان وجيه يهودي ومعه حاشية كبيرة من الأصدقاء والخدم. سأل السامريين الذين كانوا في المكان، عمّا يفعلونه عادة في المكان. أخبره السامريون أنّهم يؤمّون حوز (حوزة) القبر المقدّس مع عائلاتهم، يقيمون الصلوات، يطلبون بركة الكاهن إلعزار، يُشعلون الشموع، يَبسطون طلباتِهم من أجل التوفيق والفلاح في كل أعمالهم. وبين هذا وذاك، يقيمون وليمة كبيرة، ويتمتّعون بمذاق الخراف المشوية، التي نحرت في المكان.

من جهة أخرى، لا ينزع اليهود والمسيحيون نعالهم عند دخولهم أماكن عبادتهم، كنيس أو كنيسة، أو أيّ مكان مقدّس آخر. وهكذا تصرّف ذاك الوجيه اليهودي، الذي دخل مع حاشيته إلى حوز (حوزة) قبر الكاهن الأكبر إلعزار، منتعلين أحذيتهم. حذّره السامريون بألا يفعل ذلك، ففي الأمر تدنيس لقدسية المكان. لم يأبه الوجيه اليهودي لتحذيزات السامريين، ووقف بتكبّر بجانب شاهد القبر.

ضحك اليهودي المحترم وقال: إنّ ما ينقصني حقًّا الآن، خروف لتقريبه في هذا المكان. إذا كان الكاهن إلعزار، صاحبَ عجائب حقًّا، فليأتِ لي من لا شيء في هذه اللحظة بخروف للقربان. لم يُكمل كلامه، وإذا بقروي من عورتا، يدخل إلى مكان القبر، جارًّا كبشًا بقرنيه وهو يمأمىء، وأحضره إلى الوجيه اليهودي. أسرع اليهودي، فخرج من حوز (حوزة) القبر آمرًا جميع أفراد حاشيته أن يفعلوا مثله كي ينزعوا أحذيتهم عند مدخل بوابة حوز (حوزة) القبر.“

د. قطعة القماش التي تحوّلت إلى أفعى

هذه القصّة الرابعة حدثت في حوزة قبر إلعزار أيضا. امرأة من قرية عربية مجاورة، يبدو لي، من رُجيب أو من بيت فوريك، وصلت إلى حوزة القبر لتفيَ بنذرها. كانت هناك شجرة ضخمة جدًّا ظللت أغصانها شاهد القبر وما حوله. مشاغبون أحرقوا الشجرة قبل سنوات كثيرة.

كان القرويّون يعلّقون على فروع الشجرة نذورهم، مثل هدية نقدية ملفوفة في كيس قماشي، أو قِطع من الحرير الدمشقي. القائمون على حوزة القبر، كانوا يستخدمون النذور في ترميم المكان.

تلك القروية التي وصلت، وفت بنذرها، وقبل مغادرتها للمكان برفقة ابنها، أمعنت النظر في قطعة حرير دمشقي بلون يميل إلى الزرقة، كانت معلّقة على أحد الأغصان. التفتت المرأة يمينًا وشمالًا، لم تر أحدًا، فمدّت يدها وأنزلت قطعة القماش، ودسّتها بسرعة في صدرها (عُبّها).

عندما غادرت المكان أحسّت ثقلًا في صدرها وبشيء ما يتحرّك. دسّت يدها إلى صدرها لترى ما هناك، فذُعرت، عندما التفّت أصابعها حول ذنب أفعى كبير. قفلت عائدة بسرعة إلى حوزة القبر وأحسّت، أنّ لا شيءَ في صدرها، سوى قطعة القماش.

ظنّت أنها تحلم أحلام اليقظة، وعليه استعادت جأشها، وعادت ثانية من هناك وقطعة القماش في عبّها. عاد صدرها وثقُل، وتحوّلت قطعة القماش إلى أفعى. رجعت المرأة القروية إلى القبر فشعرت براحة في صدرها. الآن أدركت أنّها ارتكبت خطيئة كبيرة ، سرقة نذر من قبر العُزيْر، أسرعت وأعادت قطعة القماش إلى محلّها.

بعد ذلك، نذرت نذرًا آخر، أنّه في حال عودتها إلى البيت سالمةً، فإنّها ستجلب نذرًا مضاعفًا لقبر إلعزار، وهكذا فعلت.

صحيح، أنّني لم أقصَّ عليكم شيئًا عن عجائبَ، حصلت في قبر إيتمار، ولكن أنظروا موقع القبر. كلّ من يقف هناك في طرفه الجنوبي الشرقي، يرى من تلك الزاوية، أنّ قبر المفضّل متّجهٌ نحو جبل جريزيم الواقع قُبالتَه. هذه الحقيقة تساوي ألفَ قصّة.