بقلم: أ. أشرف غريب
كثر مؤخراً الترويج للبرامج التدريبية على الواتساب، والفكرة والحق يقال مبتكرة، لكن من الاختراعات ما يكون أهدافه لاتصب في مرمى إدعائه، وبحكم دراستي في تحليل النظم وعملي في تطوير الأعمال وتخصصي في نظم التدريب فلا شك أن هذه طريقة ملتونية وإن شئت قل ملتوية في التدريب.
كنا نُحَارَب من سنوات، لأننا نقدم برامج تدريبية متخصصة في تطوير مهارات محددة خلال أيام، بين ثلاثة أيام إلى أسبوع، وكانت ورش العمل والتطبيقات العملية التي تمارس في الدورة التدريبية لاتقل عن 15 ساعة، ندرب فيها الحضور لاكتساب مهارات واضحة بخطة تدريب معدة مسبقا ومادة علمية كفؤة وفعالة لتحقيق تلك الأهداف، لكننا أصبحنا اليوم للأسف نخلط بين التحفيز والتدريب والتغريد والتدريس والتعليم ولا ريب أن هذا الخلط ليس في مجالات التعليم بل اختلط اليوم الحابل بالنابل حتى أصبحنا نَخْلِطُ في كل شيء.
لا يمكن لأحد أن يغير سلوكه من خلال الواتساب، جهل أن نقبل بهذا الحمق، أو حمق أن نقبل بهذا الجهل، حقيقة لا أحتاج للتفكير بأي الجملتين أفضل لأن الخلط أصبح سمة سائدة في مجتمعاتنا، فبعد أن سمعت عن أخصائية تغذية تسجل الحضور على مجموعات واتساب يدفعون بالشهر 200 ريال لمتابعة برامج الحمية، أدركت مدى جهلنا، أتوقع أن كل من شارك في مثل هذه البرامج.
وقال: إنه استفاد كذاب، تبقى القضية الأيسر فيمن شارك ولم يستفيد أو من أعجبته الفكرة ولم يشارك، والجميع لن يستفيد أبداً، لأن علاج السمنة، في الالتزام بنادي رياضي أو نشاط رياضي أو مدرب رياضي مع أخصائي تغذية يقوم بالعلاج من خلال مركز طبي وليس واتساب، وفي جميع الأحوال أنت بحاجة إلى استشارة طبيب لأن منظمة الصحة العالمية صنفت السمنة عام 1997م على أنها مرض.
نضحك كثيراً كيف استطاعت الدول المتقدمة أن تسبقنا بسنوات في مجالات التعليم والعمل والاقتصاد والصناعة والبحث العلمي، ولانزال نروج للتدريب من خلال تغريدات على الفيسبوك وتويتر، وأنا شخصياً لم أتعلم من الفيسبوك وتويتر شيئاً، ومن يتوقع أنه يطور من ثقافته بمتابعة فيسبوك وتويتر فأعتقد أن قراءة لمقال على مدونة محترمة يوفر لك كم معرفي وثقافي وعلمي أفضل بكثير، عذراً ليس أفضل بكثير لأنه لا مجال للمقارنة أصلاً.
اسأل نفسك هل يرتاد طلاب هارفرد الفيسبوك وتويتر لمتابعة التغريدات، أم هل يعتمدون على قراءة خلاصات في انفوجراف لكيف تدير وقتك؟ كيف تتجاوز الصعوبات في يومك؟ كيف تتخلص من مخاوفك؟ كيف تطور دماغك؟ الأمر أيسر من هذا الهراء الذي وصل إلى حضور دورة تدريبية بمائة دولار كيف تحفظ القران الكريم؟ أتحدى إن عملت دراسة على هذا الموضوع لن يحفظ القرآن من حضور مثل هذه الدورة أكثر من 2% وهم بالأساس سيحفظون القرآن الكريم دون حضور هذه الدورة لأنهم يمتلكون هدفاً شمروا من أجله، ربما هذه الساعات التي قضوها في الدورة في محطة التأخير في مسيرة حفظهم للقرآن الكريم.
لماذا هذا الزخم التسويقي حتى للآيات والأحاديث والأدعية على وسائل التواصل الإجتماعي، حتى صارت محطة تعليم وتدريب كما يدعي البعض، كشف تقرير وسائل التواصل الاجتماعي في العالم العربي، (الصادر على هامش قمة رواد التواصل الاجتماعي العرب في دبي عام 2015) أن "فيسبوك" و"واتس آب" المنصتان الأكثر استخدامًا بين وسائل التواصل الاجتماعي في جميع دول العالم العربي، ثم يأتي بعدهما "إنستجرام"، و"تويتر".
وفقًا للتقرير، يقضي ثلث المستخدمين أقل من نحو 30 دقيقة في الجلسة الواحدة عند استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، في حين أن 5 % يقضون أكثر من 4 ساعات في كل جلسة، وينشط أكثر من نصف المستخدمين في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي في ساعات المساء.
حتى نعرف لماذا يستخدم الكثير من المسوقين هذه الوسائل للتسويق، فقد أثبتت الدراسات العلمية المعلنة في تقرير صادر عن وكالة وي آر سوشيال العالمية We are Social لعام 2016، أن الإمارات في المركز الخامس في قائمة أكثر 10 دول يقضي مستخدموها وقتًا أطول على مواقع التواصل الاجتماعي بمتوسط 3 ساعات يوميًا، بينما جاءت المملكة العربية السعودية في المركز السابع بمتوسط 2.9 ساعة يوميًا، حتى نعرف كيف أصبحت هذه الوسائل ملاذاً آمناً للتسويق لأي شيء ليس للتعليم والتدريب فحسب بل هي قناة مفتوحة للتسويق بكل أشكاله.
حضرت مقطع على اليوتيوب لمدرب تحفيزي، حتى أني أصبحت أخشى ذكر اسم التحفيز في محاضراتي لما شابَه من التشويه، لخص النجاح بأنه عملية "الأه"، لا أعرف كيف أكتبها لكن طريقته في القائها كانت مضحكة ومسلية وممتعة في وقت معاً، يروي المحاضر قصة تحفيزية لامرأة خُطف ابنها من الوادي إلى قمة جبل ولم تستطع الكتائب العسكرية من صعود الجبل لانقاذ الطفل لأن رماة الأعداء على قمة الجبل تسيطر بالنبال على السفوح فلا يستطيع أحد أن يصعد، إلا إمرأة شاهدوها نازلة من أعلى الجبل والطفل بيدها، سألوها كيف صعدتي الجبل الذي عجز عن اختراق تحصينه كل المقاتلين الأقوياء، فأجابت بثقة، لم تستطيعوا صعود الجبل لأن هذا الطفل ليس ولدكم، لكنه ولدي.
فجأة تتلاشى كل قوانين الفيزياء والكيمياء والأحياء لنؤمن بالخرافات والمعجزات وكأن أستاذنا القدير يبرمج الحضور على ضبط ساعات حياتهم لانتظار الصدفة لتحل المشكلة، أو ربما أن تأتي "الأه" على حد تعبيره، ولم يقل لنا حتى كيف استطاعت أن تصعد المرأة الجبل، لكن الله سبحانه وتعالى لما أخبرنا عن معجزة أصحاب الكهف، قدر أن هنالك معجزة إلهية تقف خلف الأحداث كلها، وحتى في قصة سيدنا يوسف أخبرنا كيف استطاعت الدولة أن تتجاوز السنوات العجاف، بادخارها في السنوات السمان، هكذا القصص القرانية تحفزنا وتخبرنا أن الله القادر على كل شيء يهبنا من النعم ما يشاء إن نحن عملنا واجتهدنا، وأن المعجزات حدثت للأنبياء للإيمان والتصديق ولا يفتري جاهلاً أنه دعى ربه لاكتساب مليون دولار ثم حين أفاق وجد المليون تحت اللحاف. هل تعلم أن 55 % من مستخدمين وسائل التواصل الإجتماعي في العالم العربي يستخدمونها للتواصل مع الآخرين بشكل أساسي، في حين يستخدمها 12% بغرض متابعة آخر الأخبار على المعلومات، ومشاهدة مقاطع الفيديو، ومشاركة الصور، بينما تأتي المحادثات "الشات" على رأس الأنشطة التي يقوم بها المستخدمون على وسائل التواصل الاجتماعي، يليها قراءة المنشورات والمدونات، أما التواصل مع العائلة والأصدقاء فيأتي بالمركز الثالث، يليه مشاركة الصور، ثم مناقشة الأحداث الجارية.
سؤالي أين عملية التعليم والتدريب من هذه النسب؟ وسائل التواصل الإجتماعي هي وسائل للتواصل وليست قنوات تدريب وتعليم ياسادة يا كرام. في عام 2015 حققت إيرادات الأعمال التجارية الإلكتروني بالشرق الأوسط 39 مليار دولار، ومتوقع أن تحقق سوق التجارة الإلكترونية في الشرق الأوسط عام 2017 51 مليار دولار، وهذا لا يعني أن نقاطع الانترنت بل نستخدم وسائل التواصل الاجتماعي استخداما أمثل، فكم كتاب اشتريت أخي المثقف العربي من موقع امازون هذا العام؟ هذا نوع من مصار التعلم الحقيقية. نتثاقل من دفع دولار واحد للمشاركة في موقع www.mindtools.com الذي يقدم أفضل المقالات العلمية المحكمة، ثم نجد من اليسير جدا علينا دفع 70 دولار لحضور دورة تدريبية على واتساب.
علينا أن نحارب الجهل ونرفض التدليس ونقاوم كل عمليات الخداع التي نمارسها نحن أنفسنا على ذواتنا بغية الخروج من دوائر العمل والاجتهاد والانجاز لأنه بكل شفافية ذلك العمل والاجتهاد يحتاج منا إلى جهد ووقت وصبر وعمل ثم نهرب منه بمثل هذه الممارسات، تدريب على الواتساب حيث ما تريد وكيفما تشاء مقاطع صوتية لاكتساب مهارة في تغيير العادات، تستطيع مراجعتها وسماعها في أي وقت.
هذا الجهل بعينه علينا أن ندرك أن كل وسائل التواصل الإجتماعي إنما هي وسائل للتواصل والتذكير والمتابعة والتفاعل ومن الصعب أن تكون وسائل تدريب حقيقية والأولى أن نتدرب بحضور البرامج التدريبية المتاحة على منصات عالمية وعربية فيها خطة تدريب واضحة ومقاطع فيديو ومادة تدريبية وورش عمل وتمارين ومحاضر موجود بأرقام اتصاله وايميله للتواصل معه ولكننا لا نريد ان ننفق من أوقاتنا كل يوم ساعتين للتدريب نريدها سريعة وناخذ الشهادة وانتهى الأمر.
متاحة اليوم الكثير من منصات التعليم والتدريب العربية المجانية على شبكة الإنترنت ومنها: - موقع رواق - موقع إدارك - وقف أون لاين - أكاديمية التحرير - موقع تيد التعليمي - موقع نفهم - موقع فري فور اراب - منصة إدلال هذا غير ما هو متاح على اليوتيوب من قنوات متخصصة وكثيرة جدا للتعليم في مجالات متعددة ومتاحة ومجانية للجميع، لكنها جميعاً تحتاج للجهد والوقت والعمل.
من يحتاج لشهادات أعطيه منها ما يشاء وأنا المسؤول لأن اصدار الشهادات في مجتمعاتنا ليس لها أهلية، صدقوني لسنا بحاجة للشهادات على قدر حاجتنا للمعرفة والتعلم وهذا يتطلب الجهد والوقت والعمل، علينا إعادة النظر في جهلنا أولاً ثم العمل على تغيير واقعنا من حيث بدأنا ندمر بذواتنا وقتها سنكون قادرين على مواكبة التطور والتقدم باذن الله.