حلول قادمة في الأفق

images
حجم الخط

 

لا يمكن القول، رغم أن قبول الحل السياسي في سورية، بات يجد قبولاً متزايداً او متصاعداً، منذ وقت ليس بالقليل، ورغم أن أحد تعبيرات هذا الأمر، يجد تجلياته في اتفاقات وقف إطلاق النار التي تم التوصل إليها أكثر من مرة، وعلى أكثر من جبهة قتال داخلي، كذلك في مفاوضات جنيف التي تعددت، بين ممثلي النظام السوري ومعارضيه، لا يمكن القول بان الحرب قد حطت رحالها وان التوصل لاتفاق سياسي يضع حداً لفصولها الدموية قد بات وراء الباب.
لكن من الواضح رغم ان شلال الدم ما زال يسيل، ان مجرد جلوس الطرفين، بمن فيهما الجماعات المسلحة وجها لوجه، يعني اعتراف احدهما بوجود الآخر، وهذا ما يفتح الباب للحل السياسي، ذلك ان مصالح القوى المؤثرة، الإقليمية والدولية، هي في مثل هذا الحل، اصلا، حفاظاً على مصالحها التي لا يمكن ان تتطابق باي حال من الأحوال مع مصالح النظام او المعارضة، لكن مع ذلك لا بد من القول بان « وهم « الحل الميداني القائم على اساس نفي الآخر او سحقه تماماً، قد تبدد الى حدود بعيدة، فلا النظام السوري عاد قادراً على العودة الى الوراء، وكأن شيئاً لم يكن، كذلك المعارضة التي لم تستطع أن تسقط النظام بشكل صريح، لن يكون بمقدورها أن  تقوم ببناء نظام جديد تماما، لذا فان العاقل او الموضوعي لا بد ان يقول بان « حلا وسطا « يلوح في الأفق.
مثل هذا الحل إن لم يذهب برأس النظام، اي الرئيس بشار الأسد، فانه لا بد أن يقلص من صلاحياته، بما في ذلك إجباره على إجراء انتخابات جديدة، كذلك إجباره على العمل كرئيس وفق دستور ديمقراطي، أقله ان لا يتيح له البقاء في المنصب الى ما شاء الله، وهذا يحقق بعضاً من مطالب المعارضة، كذلك مجرد أن يسلم النظام من التفكك او السقوط، حتى لو كان ذلك دون رأسه، أو على الأقل إبقاءه الى حين بما يحفظ ماء الوجه يرضي حلفاء النظام، ويرضيه هو في نهاية الأمر.
المهم أن تبقى الدولة السورية موحدة، كذلك العراق، الذي ما زال غير مستقر، رغم مرور الأعوام الطويلة على إسقاط نظام صدام حسين، الذي قيل انه أساس او سبب الشرور كلها التي كان يعاني منها العراق، وكانت تجعل منه إحدى دول التوتر الإقليمي، والذي ما زال يحتاج الى إعادة إصلاح وترتيب داخلي، حتى يصبح دولة مواطنة، لا دولة طائفية !
المهم ان الطريق الى الحلول السياسية، لا تنفتح اعتباطا، إلا بعد فصول دموية، في الحقيقة شبعت منها المنطقة، التي تعتبر بحق اكثر مناطق عالم ما بعد الحرب الباردة توتراً وحروباً، وحيث إن الأطراف المتضادة، خاصة الإقليمية / الدولية وجدت ما يجمع بينها، في محاربة ما يسمى بالإرهاب، وبالتحديد داعش في كل من العراق وسورية، فقد تم تقليص المسافة بين الفرقاء، ولعل في مشاركة جماعات من المعارضة السورية لقوات النظام في ريف دمشق ضد داعش خير دليل على ما نذهب إليه .
ما هو إلا وقت إذن، وتضع الحرب ضد داعش في العراق أوزارها، كذلك فان غض نظر روسيا وحتى سورية عن دخول القوات التركية مدينة الباب، كذلك عدم إصرار الولايات المتحدة على رعاية الملف السوري، والاكتفاء بمراقبته عن بعد، والصمت عن رعاية روسيا / تركيا له، ما يعني بأن الحرب في العراق وسورية، لم تعد بالنسبة لأميركا وروسيا ولا بالنسبة لتركيا وايران ولا حتى السعودية معركة كسر عظم، او معركة غالب ومغلوب .
يبدو أن « عصر» الحروب الكونية، أو حتى الإقليمية بين الدول قد ولى، فحتى التدخل الأطلسي في كل من العراق وليبيا لم يواجه بتدخل عسكري روسي، فيما التدخل العسكري الروسي في سورية لم يواجه من الطرف الآخر بالمثل، وحتى التدخل السعودي العسكري في اليمن، لم يواجه بتدخل عسكري ايراني، وربما كان كل ذلك دليلا على تجنب الدول العظمى والدول الإقليمية مواجهة عسكرية مباشرة، خوفا من جر العالم الى حروب عالمية مدمرة.
لا شك بان الحسم العسكري في العراق هو المرجح، نظراً لأن الحرب فيه بين الدولة وداعش، فيما يرجح الحل السياسي في سورية، نظرا لأن الحرب فيها بين النظام والمعارضة، كذلك توجد الأصابع الأقليمية والدولية كلها .
وفي اليمن هناك حسم عسكري، نظراً لعدم وجود مواجهة عسكرية بين دول إقليمية، وفي ليبيا هناك حل داخلي / إقليمي لتمكين إعادة الدولة للسيطرة على البلاد .
باختصار الملفات الساخنة، في ليبيا، اليمن، العراق وسورية في طريقها للتبريد والحل، وربما لا يحتاج الأمر الى أكثر من بضعة أشهر، بحيث لا ينتهي العام الحالي 2017، إلا وتكون هذه الملفات قد دخلت منعطفاً جديداً، ربما يكون عنوانه إعادة البناء والإعمار، ترميم ما دمرته الحروب على مستوى البنية التحتية، واعادة المهجرين، خاصة في سورية، والى حد ما العراق، خاصة ان نتائج الحرب كانت وخيمة، ذهبت الى ما يشبه التطهير العرقي والفرز الطائفي، ثم اعادة بناء الدولة على أسس حديثة او شبه حديثة، تقطع الطريق على استمرار بقاء نظام الفرد المستبد.
بعد كل هذا يبقى الملف الفلسطيني / الإسرائيلي، وأحد فصوله الملف الأمني في سيناء _ حيث نعتقد بأن إغلاق ملف سيناء له علاقة بإغلاق الملف الفلسطيني، اكثر مما له علاقة بإغلاق ملف الإخوان او الملف السياسي المصري الداخلي _  لذا فان الحديث يتصاعد عن الحل، وحيث ان واشنطن / ترامب أعلنت عدم اهتمامها بحل الدولتين فقد بدأ مزاد طرح الحلول الأخرى، منها الحل الإقليمي وحل دولة غزة، وحل تبادل الأرض والسكان الخاص بافيغدور ليبرمان، وبالطبع حل الدولة الواحدة على أساس الفصل العنصري، ونحن نظن وباختصار بان أحد هذه الحلول لن يكون ممكنا، اذا ما تدخل العامل الفلسطيني الشعبي على الخط، فيما ستبقى كلها قائمة، بل وقابلة للتنفيذ، إذا ما بقي العامل الذاتي عاجزاً او نائماً، فرغم ان كل الدول الإقليمية والكونية تتدخل في كل مكان، إلا انه يلاحظ انه كلما كان العامل الذاتي أكثر تأثيراً، كانت العوامل الخارجية أقل تأثيراً وقدرة على الحسم.