اكتشاف الأغوار والمناطق «ج» حديثاً

صلاح هنية
حجم الخط

القرص المُدمَج الرائج اليوم في البلد "الأغوار وتنمية الأغوار وتعزيز الصمود" وكأننا نكتشف الأغوار للمرة الأولى وكأن الأغوار تشكيل جغرافي جديد على الأرض الفلسطينية، ونحن نكتشف أيضاً المناطق المصنفة "ج" حتى وضعنا المنطقتين في الوعي الفردي والجمعي الفلسطيني انها خارج الجغرافيا وخارج إمكانيات التنمية وتعزيز الصمود، ولا ندري أن جزءاً كبيراً من القطاع الزراعي هو في تلك المناطق والكثافة السكانية.
كل مرة نعيد اكتشاف العجلة على أساس مثلاً أننا تسلمنا مسؤوليتنا في وزارة الصحة اليوم فاصدرنا قراراً بمنع صرف المضادات الحيوية بوصفة طبية وعفى الله عن ثلاثة وعشرين عاماً من مسؤوليتنا عن وزارة الصحة، وبالتالي كل ما تراكم من مصائب الإدمان على المضادات الحيوية وعدم تجاوب الأجسام مع العلاج جراء عدم متابعة هذا القرار سامحونا بها، ولو لم يقع تناقض بين مصالح الطبيب التي طغت عليها مصلحة الصيدلي لما سمعنا نقاشاً ولا قراراً بهذا الخصوص.
لماذا يضطر صاحب شركة فلسطينية لأن يصطف بشاحنته التي صنعها في شركته لنقل الإسمنت السائب غير المشول ليستجدي وزارة النقل والمواصلات أن لا تسجل شاحنات مشابهة إسرائيلية على الترخيص الفلسطيني بصورة تضارب وتضعف المنتجات الفلسطينية التي أشبعناها مديحا وغزلا نظريا، ولماذا لم ينتصر لهذه الشركة إلا جمعية حماية المستهلك الفلسطيني فقط، أين الاتحاد الصناعي التخصصي الذي يمثلهم.
كل البلد لديهم أقلام حمراء ويقيمون ويضعون علامات للآخرين وحلقة مستمرة من التصحيح والتقييم، كل البلد يشعرون انهم احق بالبلد من الآخرين، وتستمر دورة الشعور لتصل إلى الجميع، الكل في البلد حامي حمى الفضيلة حسب قياس مسطرته دون اية مرجعيات.
في البلد هناك من يمنح نفسه أحقية أن يختطف منك عنوة انه ممثلك وناطق بلسانك، وإذا اعترضت فوراً تنتقل الى دائرة التصنيف الفوري في خانات قد تمتلك تعريفاً لها وغالباً لا تعرف بالمطلق.
في البلد هناك من يعتقد انه السياسي الوحيد وبدونه تخرب الأمور، واذا لم يستشر فعبارته الدارجة "خليها تطلع على رأسهم"، في البلد هناك قضايا بات محرماً نقاشها او التعليق حولها من خلال التلميح "حط راسك بين الروس" أو يعتذر احدهم عن النقاش بحجة انه لا يتمالك نفسه، فقد تتسرب منه جملة تُفهم خطأ، وهناك من لا يبرر غيابه بل يستخدم إدارة الظهر.
في البلد يجذبك بريق العنوان الذي سيناقش فتذهب لتثري معرفتك وتزداد علماً، فيهبط سقف توقعاتك بعد جلسة الافتتاح، فتجد إما تكراراً لما قيل سابقاً أو أن افكاراً متناثرة هنا وهناك يسعى المتحدث للملمتها لحظة بداية حديثه.
في البلد قيل ويقال إن جل إعلانات التوظيف تحتاج على الأقل ثلاثة أعوام خبرة في ذات المجال او مجالات ذات علاقة، وجلها يتركز على تنمية الموارد المالية، بالتالي اين سيكتسب الخريجون الخبرة وماذا سيفعلون في حياتهم.
في البلد تحول دعم المنتج الفلسطيني ذي الجودة الى لافتة دون أقدام تحمل هذا المشروع الى خط النهاية، ولم يتحقق هذا الهدف، فبعض التجار والمستوردين مصالحهم الربحية البحتة ليست مع المنتج، وبعض المنتجين لا يقيمون وزناً لمنتجاتهم.
البلد لا تدرك أن لدينا 12 مليار دولار ودائع في البنوك في فلسطين وما زلنا نبشر بالجوع، إضافة لشركات فلسطينية قابضة عملاقة بأرباح مهولة يفصح عنها وما زلنا نفكر بالغد، لماذا لا تذهب هذه الموارد كمسير من مسيرات التنمية بيد أصحابها ومساهميها وأصحاب الودائع المؤمن عليها لدى ضمان الودائع وليس كائناً من كان مندوباً عنهم.
البديل ... بالتأكيد ليس بكائيات مواقع التواصل الاجتماعي وتعليقات السخرية في المقاهي الشعبية وبيوت العزاء وفي صالات الأفراح ... وحتماً ليس من خلال شخصنة الأمور وترسيخ الاعتقاد ان القوس لم تُعطَ لباريها ... وليسَ عن طريق التسريبات المنظمة.
البديل ... البلد إلنا كلنا دون تمييز ... ما في حد وصي على حد ... سيادة القانون واستقلالية القضاء ... ما في حد يخرق المركب على أساس انه لا يرى غيره في المركب ... يجب ان نجد أشخاصاً ونهجاً جديداً، لا يجوز أن يظل ملف التحضير لانتخابات بلديات عريقة وتاريخية عمرها اكثر من مئة عام بيد ذات الأشخاص وذات العناوين وتحييد كل الكفاءات والمهنيين والمسيسين...
التمييز في الحلول ان لا نتصنع التفاجؤ وكأننا للمرة الأولى نكتشف ان لدينا صناعة، وهي المرة الأولى التي نكتشف أننا نمتلك موارد، هل يعقل أن لا يدرك المجتمع أن زكاة الأموال الحقيقية والحث على أدائها لوحدها بوابة إنقاذ مهمة في فلسطين، تُرى ما هو حجم زكاة أموال 12 مليار دولار ودائع، ما هو حجم زكاة أموال السيطرة على 60% من أسهم شركة قابضة بأرباح مهولة.
الاختلاف أن لا تظل إحصاءات مسح القوى العاملة في فلسطين ومسوحات الفقر والبطالة مجرد مسوحات صماء، ولكن يجب أن تكون مرشداً لصنّاع القرار ورسم السياسات والإستراتيجيات وتحديد التدخلات.