حطموا آمال الشباب وقتلوهم.. لعنة الأجيال ستلاحقكم؟!

حطموا أمال الشباب وقتلوهم.. من المسؤول؟!
حجم الخط

يرزح أكثر من مليوني نسمة تحت خط الفقر والبطالة المقنعة في قطاع غزة، جراء الحصار الإسرائيلي المتواصل منذ عام 2006 وحتى يومنا هذا، ولا يزال سكان القطاع يكتوون بنيران الحصار والمشكلات الاجتماعية التي تتفاقم يوماً بعد آخر، خاصة فئة الشباب التي أبصرت واقعاً مؤلماً يتصدره تفشي الفقر، وانعدام فرص العمل، وتفاقم أزمات الكهرباء والمياه، والعديد من المشكلات التي أرقت جفون الغزّيين.

حقائق مرعبة عن المشكلات الاجتماعية التي أثرت في المجتمع الفلسطيني، خاصة الفئة التي تشكل العصب الأساسي له، والتي من المفترض أن تكون مشعل العطاء في معركة التحرر من براثين الاحتلال، لتصبح تلك الفئة بحاجة إلى برامج من الدعم النفسي نتيجة الحصار، وتوالي الحروب الإسرائيلية، وارتفاع معدلات البطالة وتكدس الخريجين.

واقع مؤلم يُنذر بنتائج كارثية دون أدنى تحرك من الساسة الفلسطينيين، لوضع حد لحالة الإحباط واليأس وفقدان الأمل التي سيطرت على جيل الشباب، أو التحرك لتحقيق مستقبل أفضل لهم، في ظل تدهور الوضع الإنساني وتصاعد أزمات مختلف مكونات المجتمع الفلسطيني في قطاع غزة.

وبيّن تقرير المرصد "الأورو متوسطي" لحقوق الإنسان، أن 55 بالمئة من سكان قطاع غزة يعانون حالة من الاكتئاب، فيما يحتاج 50 بالمئة من الأطفال إلى دعم نفسي، كذلك فإن حوالي 73 بالمئة من العائلات في قطاع غزة تواجه ارتفاعاً في حوادث العنف القائم على النوع الاجتماعي.

مما لا شك فيه أن الاحتلال الإسرائيلي المسبب الرئيس لتلك الأزمات التي أرهقت المواطنين، لكن هذا لا ينفي المسؤوليات الجسام التي تقع على كاهل المسؤولين الفلسطينيين في رام الله وغزة في ظل واقع ليس له مثيل يعيشه سكان القطاع، دون أدنى اكتراث أو مسؤولية، بالإضافة إلى عدم إدارة ملفات قطاع غزة وأزماتها المتراكمة بما يقدم نموذجاً لحالة وطنية تُعزز صمود المواطنين، ويخفف لو قليلاً من تلك المآسي وصولاً إلى بناء جيل شاب قادر على النهوض بمتطلبات المرحلة.

كثيرةُ هي اللقاءات التي تجري بين قيادات حركتي فتح وحماس، دون تحقيق أي نتائج يلمسها المواطن الفلسطيني علها تحد من حالة الاكتئاب وضياع الأمل التي تخيم عليه، ولكن تلك القيادات لم تستشعر بعد الخطر الحقيقي للصراع القائم في بلادنا، والمبني على تحطيم معنويات أبناء الشعب الفلسطيني وبخاصة جيل الشباب، لجعل الهدف الأسمى هو التفكير بكيفية الحصول على وظيفة أو مسكن أو ملبس أو طعام وكهرباء، وحرف البوصلة عن تحرير القدس أو النظر إلى بناء الدولة ومؤسساتها والبحث في كيفية إنهاء الاحتلال.

وكما هو معلوم فإن الغزّيين أبصرت أعينهم صباح اليوم، على فاجعة جديدة أودت بحياة ثلاثة شبان فلسطينيين في مقتبل العمر داخل نفق تجاري على الحدود مع مصر، بعد استنشاقهم الغاز السام، ومن المعروف أيضاً أن بعض الشبان لا يجدون سبيلاً للعمل، سوى في أنفاق الموت التي أزهقت حياة العشرات، ويبقى التساؤل مطروحاً، "ما الذي يدفع بهؤلاء الشبان للعمل داخل نفق، على الرغم من تيقنهم بحتمية الموت؟!"، فلم يسلك هؤلاء الشبان وغيرهم هذا الطريق إلا بحثاً عن فرصة للعيش بكرامة كسائر شعوب العالم.

لقد بات جلياً أن الصراع على سلطة ورقية لم تكتمل أركانها، حرف مسار البوصلة وأدى بالأزمات إلى ذروتها، بل إن ذلك الصراع جعل من طرفي الانقسام غير مدركاً لحجم المخاطر الخارجية، والتي وضعت القضية الفلسطينية على هامش قضايا المجتمع الدولي، وأدى إلى تفرد الاحتلال بالضفة الغربية والتهامها عبر توسيع الاستيطان، وتحويلها إلى مدن ممزقة يسهل السيطرة عليها، بالإضافة إلى فرض حصار ألقى بظلال كارثية على قطاع غزة وقوض فرص العيش بكرامة.

تلك الأزمات وأكثر، تفرض على جيل الشباب بأن يكون له موقفاً حاسماً للدفاع عن مستقبله وحقه في العيش داخل وطنه بكرامة، والعمل على تغيير الواقع المؤلم، ووضع الحلول العملية دون النظر إلى أي محاولة تشويه، من خلال تأسيس هيئة شبابية يقع على كاهلها، العديد من المهام، ومنها:

أولاً: مخاطبة المجتمعات الدولية وكافة مؤسسات حقوق الإنسان والجهات المعنية للتعريف بمعاناة سكان القطاع جراء تنكر فصائلهم الوطنية لعذاباتهم، بالإضافة إلى توجيه نداءات للمجتمعات العربية وخاصة مصر بصفتها الشقيق الأكبر لوضع حد لمأساة الانقسام الكارثية.

ثانياً: تعريف جيل الشباب بحقوقهم من خلال تنظيم حلقات في الجامعات الفلسطينية، لتعريف الطلبة بأن ركب البطالة ينتظرهم، وتوعيتهم بأهمية العمل الجماعي عله يؤدي إلى غدٍ أفضل.

ثالثاً: تنظيم أنشطة شعبية تطالب حركتي فتح وحماس بالعمل الجاد على إنهاء الانقسام، بالإضافة إلى استغلال منصات التواصل الاجتماعي لإيصال أصواتهم المكبوتة، وإزالة الضباب عن مستقبل ألاف الشباب.

وختاماً فإنني لا أؤمن بسطوة الكلمة، ولأنّي لا أُقدّر أن أقدم سواها، أهمس للرئيس محمود عباس بأن يولي قطاع غزة جزءاً من اهتماماته دون النظر إلى الجهة التي تحكمه، فهناك مئات الألوف لم تقترف ذنباً سوى أنها تجذرت في أرضها وتمسكت بحقها، وتأسيساً لما سبق أقول لقيادات هذا الشعب الذي تجرع ويلات الحصار والحروب والحرمان والفقر وانعدام الأمل بغدٍ مشرق، بأن الأجيال القادمة ستلاحقكم بلعناتها، إن لم تتحدوا لحماية المصالح الوطنية والمجتمعية، وستزول مناصبكم ويبقى الوطن شامخاً فلم تكن فلسطين يوماً عقيمة.