فلسطين أيدول

د.عاطف أبو سيف
حجم الخط

يبدو أن الفلسطينيين أوفر حظاً من غيرهم في برنامج «عرب أيدول» بعد فوز يعقوب شاهين ليلة أول من أمس بالبرنامج ليكون بذلك ثاني فلسطيني يحصد لقب محبوب العرب بعد الفنان محمد عساف الذي حصده قبله بعامين. المنافسة كادت تكون فلسطينية بامتياز حين تأهل للجولة الأخيرة منها فلسطينيان من أصل ثلاثة متنافسين، وهو التأهل الذي أثار الكثير من المشاعر الإيجابية والسلبية في الوقت ذاته بين جموع المتابعين خاصة في فلسطين، لكنه عنى ضمن أشياء كثيرة حضور فلسطين اللافت في البرنامج الذي نجح في استقطاب جمهور كبير من المتابعين في كل الوطن العربي وبين أوساط العرب في الشتات والمنافي.
الحضور الفلسطيني يكاد يكون دائما في البرنامج. في طبعة البرنامج الأول كان الفنان عمار حسن ضمن جولة المنافسة الأخيرة، فيما حصد الفنان محمد عساف اللقب في الدورة الثانية، أما في الدورة الثالثة فقد تأهل الفنان هيثم خلايلة إلى الحلقة النهائية في الموسم الثالث ويحصد الفنان يعقوب شاهين اللقب في الموسم الرابع.
هذا بالطبع بجانب الكثير من الفنانين والفنانات الذين استطاعوا أن يصلوا إلى جولات متقدمة في كل طبعات البرنامج عبر أصواتهم المميزة التي جلبت لهم الكثير من الدعم والتأييد قبل أن يخرجوا خارج المنافسة.
حيث بالكاد تخلو جولة من جولات البرنامج أو حلقة من حلقاته منذ انطلاقته قبل أربعة مواسم دون وجود مشاركين أو مشاركة من فلسطين.
ربما كان حصول الفنان الفلسطيني محمد عساف صاحب أغنية «علي الكوفية» في صباه على لقب محبوب العرب أول صيحات الفرح الفلسطينية داخل البرنامج.
وربما لم يحظ البرنامج بمتابعة في فلسطين أكثر من تلك التي حظي بها خلال وجود عساف في التنافس.
صحيح أن احتدام المنافسة هذا الموسم كان شديداً إلا أن الفلسطينيين انتبهوا إلى البرنامج بصورة كبيرة خلال الجولتين الأخيرتين حين باتت المنافسة حاسمة بين اثنين من الفلسطينيين وغيرهم من المتسابقين العرب.
كان صعود عساف لافتا لجملة من الأسباب. أولاً وقبل كل شيء بالطبع صوته المميز الذي كفل متابعة كبيرة منذ الحلقة الأولى، وثانياً حقيقة أن عساف كان معروفاً «نسبيا» في الشارع الفلسطيني قبل البرنامج بسبب أغنيته سابقة الذكر.
وربما إضافة إلى كل ذلك قصة خروجه من غزة أو بالأحرى هروبه من غزة للاختبار أمام اللجنة قبل أن تقرر قبوله للتنافس، وهي القصة التي شكلت لب وجوهر الفيلم الذي تم إنتاجه عن حياته بعنوان «يا طير يا طاير»، وهو فيلم بالمناسبة مليء بالأخطاء الفنية.
بشكل عام فإن صعود عساف وحصوله على اللقب كان بمثابة انتباهة حقيقية للفن الفلسطيني الذي يستطيع حتى حين يغني لفلسطين، أن يبدع على كل مستوياته.
الآن بات للفلسطينيين نجمان كبيران عربياً قادران على أن يكونا خير سفيرين للفن الفلسطيني الحقيقي.
أيضا، من اللافت أن المتسابقين في كل طبعات البرنامج ارتكزوا في تحقيق شهرتهم على الأغاني الوطنية الفلسطينية كما على التراث الشعبي.
الفن ليس بلا جذور كما أن الإبداع ليس نبتة شيطانية في صحراء من النكران والجفاء والتنصل للتقاليد وللأصول.
بل إن الفن الحقيقي هو الذي يمتد عميقاً في التراث والماضي فيما تصبو براعمه للشمس تبحث عن أشعة جديدة تصلح لأن تكون احتفالاً بالمستقبل. هكذا فإن كل المتسابقين الفلسطينيين نهلوا من تراث العاشقين. طبعاً من المحزن أن لا تتم دعوة نخبة من آباء الغناء الفلسطيني وفناني فلسطين الكبار لحضور الحلقات النهائية للبرنامج، خاصة أفراد فرقة العاشقين الذين كانت أغانيهم تشتعل على خشبة المسرح.
والفن والغناء ليسا جديدين على فلسطين ولا على الفلسطينيين، وربما أن أكثر العرب احتفاء بالغناء في تراثهم وفي نضالهم هم الفلسطينيون الذين وظفوا الأغنية في صراعهم اليومي ضد المحتل والظالم منذ زمن الأتراك، وتركوا للأغنية أن تصف حالهم في كل موروثهم الغنائي.
أما مساهمتهم في إثراء الغناء العربي فهي كبيرة. الفنان اللبناني الراحل ملحم بركات أشار إلى هذا الدور قبل وفاته حين قال إن الفلسطينيين هم من جلبوا النوتة المكتوبة إلى لبنان وأن الأخيرين قبل وصول الفلسطينيين بعد نكبتهم كانوا يتعلمون الموسيقى دون الرجوع للنوتة.
بل إن ملحم قال إن الدبكة والدلعونا والميجنا أصلها فلسطيني وهي جاءت للبنان وسورية من فلسطين.
كما كانت فلسطين وإذاعتها ومسارحها محطة أساسية في مسيرة أي فنان عربي قبل النكبة.
وبصرف النظر عن النقاش السطحي الذي يريد البعض جر المتابعين له، فإن وجود الفلسطيني في أي مكان في العالم ونجاحه في أي تنافس هو إنجاز لفلسطين وجزء من نضالها من أجل أن تظل فلسطين موجودة.
فليس أن فلسطين تطرب العرب، بل هي أيضاً دائمة الحضور في كل المحافل.
ليس أن الفلسطيني يناضل بكل السبل المتاحة من القلم والريشة والبندقية والحجر، بل هو أيضاً دائماً موجود في كل ساحات الاشتباك.
إن الشاشات التي كانت تبث من مجد الكروم ومن بيت لحم والاحتفالات في غزة ورام الله وفي الشتات الفلسطيني كلها تشير إلى هذا الإيمان الفلسطيني بأن الفلسطيني يستحق، يستحق أن يفرح ويستحق أن يبحث عن الأفضل.  الفلسطيني القادر دائماً أن يقف في وجه المحن وأن يبحث عن حياته بين ركام النكبات والنكسات محاولاً أن يجد الشمس التي يشرق بها نهاره.
هل يستحق الأمر كل هذا؟ إن نظرة خاطفة على الصبية المحتفلين في أزقة المخيمات وفي طرقات المدن والقرى، وتجمع الفلسطينيين في كل مكان يبحثون عن «محبوبهم» كلها تقول إنه يستحق أكثر من ذلك.
الفلسطيني الذي لا يريد لرماد النكبة أن يعمي عينيه، ويريد من كل شيء أن تظل فلسطين حاضرة فوق الطاولة، لا تغيب. فلسطين لا تغيب عن أي ساحة.