ترسيم العلاقات اللبنانية الفلسطينية

سميح شبيب
حجم الخط

اكتست زيارة الرئيس محمود عباس (أبو مازن)، إلى لبنان، ولقاءاته المتعددة، مع رسميين، وعلى رأسهم الرئيس ميشال عون، ومع شخصيات شعبية، لبنانية وفلسطينية، ومع قوى سياسية فلسطينية ولبنانية، وزيارته لمقبرة الشهداء، بعداً حميمياً دافئاً وصادقاً في آن.
ليس غريباً ولا مستبعداً أن يحدث ذلك، فالعلاقات الفلسطينية ـ اللبنانية، تاريخياً، ومنذ ما قبل العام 1948، ونزوح آلاف الفلسطينيين من ديارهم إلى الأراضي اللبنانية، كانت علاقات متمازجة ومتقاربة، بل ومشتركة، في العديد من مناحي الحياة، خاصة الاقتصادية والاجتماعية، منها.
مرّت هذه العلاقات، ومنذ نكبة 1948، بتقلبات عديدة، كان بعضها دموياً ومؤذياً للطرفين، وكان بعضها يمس جوهر القضية الفلسطينية، والقضية اللبنانية، وتركيبتها السياسية ـ الطائفية، في آن.
جاءت زيارة الرئيس محمود عباس (أبو مازن)، لترسيم العلاقة الفلسطينية ـ اللبنانية، الجديدة، وكتتويج، لمسار طويل من العلاقات التاريخية، بكل مراحلها.
البعد الأول، من هذه العلاقة، هو مسألة اللاجئين الفلسطينيين، فوق الأراضي اللبنانية، الذين يقطنون المخيمات، أو ما تبقّى من المخيمات، بعضها مسح عن الوجود، مثل تل الزعتر، وجسر الباشا، وبعضها ضعفت نسبة الفلسطينيين فيه، مثل صبرا وشاتيلا، وبعضها الآخر، جرت تدخلات فيه، من قبل قوى لبنانية وعربية، وكان بعضها ذا طابع إرهابي، مثل عين الحلوة.
نظر لبنان، ومنذ العام 1948، بعين الريبة والتحفظ، إلى مسألة الهجرة، الفلسطينية، إلى لبنان، فقام القانون، بتحريم انخراطهم في مجالات أكثر من 90% من المهن، وحرمانهم من حق التملك، بل قام بتحريم البناء الملائم في المخيمات الفلسطينية، وتركها على حالة غير ملائمة.
أكد الرئيس أن الفلسطينيين في لبنان، هم ضيوف، تحت القانون، وهؤلاء الضيوف، لا بد أن يأتي يوم، لعودتهم لبلادهم.
البعد الثاني، هو تأكيد الرئيس ضرورة النأي عن صراعات المنطقة، والحفاظ على الأمن والاستقرار في المخيمات اللبنانية، ما لاقى ترحيباً وقبولاً واسعاً، من القوى اللبنانية كافة، على اختلاف انتماءاتهم وتوجهاتهم وطوائفهم
وبذلك، امتازت زيارة الرئيس محمود عباس، إلى لبنان، بالنجاح، والحميمية والصدق، في آن.
كانت زيارة دافئة، وسياسية في آن، التقى خلالها، بممثلي القوى الفلسطينية، وكانت اللقاءات مفتوحة وصريحة، ذكرتنا فيما مضى، من تقارب فلسطيني، قد تشوبه الخلافات، لكن ذلك، لا يصل إلى حد الانشقاق.
ما كتبته الصحف اللبنانية، حول الزيارة، كان الترحيب، والتأكيد على صدقية الطرح الفلسطيني، وأن هذه الزيارة، جاءت في وقتها، بعد أن تعالت أصوات، تطالب بعزل بعض المخيمات، وعلى رأسها عين الحلوة، وأن هنالك قوى باتت تشكل خطراً على الأمن والسلم اللبناني، في هذه المخيمات، وأن سياسات م.ت.ف، باتت غير واضحة إزاء ذلك.
قام الرئيس محمود عباس، بهذه الزيارة الناجحة، في وقتها اللازم، وكان أداؤه السياسي، ناجحاً للغاية، وفي الوقت الملائم، ما رسم تخوماً وأبعاداً لعلاقة تاريخية لبنانية ـ فلسطينية، على نحوٍ عصري وجديد، سيكون لها أثرها الواضح، مستقبلاً، في مناخ عربي، تعصف به الرياح من كل جهة، ما ينعكس على لبنان، بشكل مباشر وواضح.
قام الرئيس محمود عباس، بزيارة مقبرة الشهداء، وبينها ترقد جثامين، مناضلين أشداء، ممن ضحوا بحياتهم، في سبيل قضيتهم، وتمثل هذه الزيارة، وفاءً صادقاً، لأرواحهم، ولتراث م.ت.ف، بفصائلها كافة.