لوموند: لا يزال صوت الحياة خافتاً في حي الشجاعية

حجم الخط

نشرت صحيفة لوموند الفرنسية تقريراً حول الأوضاع في حي الشجاعية الواقع شرق قطاع غزة، والذي يقطن فيه أكثر من "100" ألف نسمة، والدمار الذي لحقه بسبب "السياسة الانتقامية" التي اعتمدها الجيش الإسرائيلي أثناء مواجهاته مع المقاومة الفلسطينية في الحرب الأخيرة على غزة.

وقالت الصحيفة، في التقرير، إن الحي أصبح عبارة عن أنقاض وتلال من الحجارة المكدسة، ومنازل تحولت إلى حفر بفعل قصف طائرات "أف 16" الإسرائيلية، ومشاهد مروعة من الخراب والدمار الذي حل محل هذه المناطق الحضرية.

وأضافت أنه بعد تسعة أشهر من انتهاء عملية "الرصاص المسكوب" التي قطعت شرايين هذا الحي؛ لا يزال صوت الحياة خافتا فيه، والحركة ليست نشطة، وعلى بعد كيلومترات من هذا الحي، توجد مدينة غزة، "التي لم يلحقها هذا القدر من الدمار، ولذلك فهي رغم ما تعانيه من مصاعب ونقائص؛ لا تزال الحياة فيها مستمرة".

ووصفت حي الشجاعية الذي يعد من أكبر أحياء القطاع، ويبعد فقط مئات الكيلومترات عن "إسرائيل"؛ بأنه "يشبه مكانا ضربه زلزال مدمر، بسبب القوة المفرطة التي استعملها الجيش الإسرائيلي".

ورسمت الصحيفة صورة لشوارع هذا الحي، حيث تمر شاحنة محملة بالثوم الوردي، وتسير وراءها دراجة نارية تثير عاصفة من الغبار. وتوجد العديد من العربات التي تجرها الحمير والأحصنة، والتي تستعمل لنقل حطام المباني لإعادة تدوير مواد البناء والاستفادة منها، في ظل منع "إسرائيل" دخول المواد اللازمة لعملية إعادة الإعمار، حيث يتم تقويم قضبان الحديد المعوجة، وتفكيك الحجارة التي يمكن إعادة استعمالها. ثم يظهر بعض الأطفال مرتدين أزياءهم المدرسية، وحاملين محفظاتهم، وهم عائدون لتناول وجبة الغداء في منازلهم شبه المهدمة، أو في منازل من الصفيح تبرعت بها الأردن وقطر.

ولاحظت الصحيفة أن حي الشجاعية لم تتعرض كافة أجزائه لنفس القدر من العدوان، "فكلما كان المكان أقرب إلى الحدود الإسرائيلية أصبح أكثر عرضة للتدمير، وفي بعض الشوارع بدت الرغبة الإسرائيلية في تسوية كل شيء بالأرض واضحة. ففي الليلة الفاصلة بين 19 و20 من شهر تموز/ يوليو 2014، قام الجيش الإسرائيلي بعملية هدم ممنهج لكل المباني واحدا تلو الآخر، لتأمين التقدم البري لقواته، في هذه المنطقة التي تعد معقلا لحركة المقاومة الإسلامية "حماس". وقد بررت "إسرائيل" هذا التدمير الممنهج بالسعي لتدمير مواقع إطلاق الصواريخ، وتدمير الأنفاق التي يتم عبرها التسلل للمستوطنات الإسرائيلية".

وأضافت أن كل الجدران التي بقيت قائمة في هذا الحي تظهر عليها آثار الرصاص والقذائف، وتوجد بعض أعمال صيانة وإصلاح في المباني القليلة التي بقيت قابلة للترميم، "فرغم وجود عائق توفير ثمن الأسمنت ومواد البناء؛ إلا أن الأهالي يملكون ذكريات كثيرة في هذا الحي، كما أنهم لا يستطيعون تحمل نفقات شراء منزل في غزة لا تقل كلفته عن 400 دولار شهريا".

وبحسب الصحيفة؛ فقد كان الشاب محمد السعودي (30 عاماً) يملك منزلاً جميلاً في هذا الحي، ولكن نصف المبنى تقريبا تم هدمه، يقول: "كنت على ثقة من أنه لن يحدث أي مشكل، فعناصر المقاومة لم يكونوا مختبئين داخل منازلنا، بل كانوا متمركزين في مناطق أخرى غير مأهولة بالسكان، ولكن عناصر الاحتلال الذين كانوا مرتبكين ولا يرون غير الأشباح أثناء دخولهم القطاع، قرروا الانتقام، وخاصة بعد أن تم أسر أحد جنودهم".

وذكرت الصحيفة أن سبعة جنود من لواء جولاني سقطوا على يد عناصر المقاومة في تلك الليلة من شهر تموز/ يوليو، وقامت "حماس" بأسر أحدهم، وهو ما دفع بالجيش الإسرائيلي للتصرف بجنون، حيث يؤكد السعودي أن "لا أحد قام بتحذير السكان قبل قصف منازلهم، ولم يتمكنوا من الهرب إلا بعد أن تم إعلان هدنة قصيرة لبضع ساعات".

وأشارت إلى أن السعودي كان من أوائل العائدين للحي بعد توقف المعارك، وقد وجد حفرة كبيرة تشبه فوهة البركان أمام منزله، إذ "يبدو أن الجيش الإسرائيلي اشتبه بوجود نفق في هذا المكان ولكنه كان مخطئا".

وساعد السعودي على إعادة التيار الكهربائي وإمدادات الماء للحي، وهو يعاني الآن بعد توقف مرتبه الذي كان يتقاضاه من السلطة الفلسطينية، كما أنه يسكن الآن في منزل من الصفيح مع عائلته، ويقول: "أنا أستلف المال لأوفر الطعام لعائلتي، فكيف سأستطيع بناء منزل جديد؟".

وأشارت الصحيفة إلى حفرة أخرى في الشارع نفسه، حلّت محل منزل المواطن سلمان الغرابلي الذي كان قائما في هذا المكان نفسه، بعد أن بذل هذا الشيخ السبعيني جهدا ومالا كثيرا لتشييده. كان هذا المبنى يتألف من ثلاثة طوابق، ويسكنه 36 شخصًا، لا تزال ملابسهم إلى اليوم تقبع تحت الأنقاض.. ويقول الغرابلي وهو جالس على الأرض حافي القدمين: "أنتظر الرحمة من الله، حتى يعوضني عن هذه الخسارة. نحن لا نزال لحد الآن نجهل سبب إقدام الجيش الإسرائيلي على غزو هذه المنطقة، ولماذا قاموا بتدميرها!".

وتابع الغرابلي: "نحن كلنا عمال، أبنائي يعملون في طلاء السيارات، ونحن لا ننتمي لحماس ولا لفتح، فلماذا يقومون بمحق 90 بالمئة من المنازل؟".