إسرائيل نجحت في حرب غزة رغم الأخطاء

F140718MA003-618x412
حجم الخط

شنت القيادة السياسية والقيادة العسكرية في نهاية الاسبوع حرباً وقائية علنية ضد تقرير مراقب الدولة عن حملة الجرف الصامد، حرب غزة الثالثة، في صيف 2014. عمليا، بدأت الحرب الوقائية سرياً قبل بضعة اشهر. ولكن، مثلما في تحقيقات الشرطة، لم تصبح علنية إلا في نهاية الأسبوع. معظم المشاركين في القيادتين، في الماضي وفي الحاضر، يستعرضون أمام الصحافيين، يسربون ويشهرون بالخصوم، منهم من يفعل ذلك مباشرة ومنهم من يفعل ذلك بشكل غير مباشر.
يجد معظم المشاركين صعوبة في الاتفاق الواحد مع الآخر. فهم يحملون معهم أيضا شحنات ماض سياسية وشخصية، تشعل العداء أحدهم للآخر. رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، ووزير الدفاع في الحرب، موشيه بوغي يعلون، يتناكفان مع الوزير نفتالي بينيت الذي يجري، عن حق أو عن غير حق، غير قليل من جولات النصر بسبب التقرير، بمثابة "قلت لكم". ويحاول رئيس "يوجد مستقبل"، يائير لبيد، السير بحذر، لأنه كان عضوا في الكابنت اثناء الحملة، وبالتالي فهو شريك ويتحمل المسؤولية عما حصل. أما الآن فهو يتعزز في الاستطلاعات، ويرى نفسه مرشحا لخلافة نتنياهو، وبالتالي يميل لانتقاده.
وزير الدفاع، أفيغدور ليبرمان، الذي طالب في الحرب باحتلال غزة واسقاط حكم "حماس"، وتناكف مع رئيس الوزراء، أصبح حليفاً لنتنياهو. الوزير يوآف غالنت لم يكن في الحكومة اثناء الحرب، ولكنه كان مرشحا لرئاسة الاركان، وله حساب طويل مع من منعوا ذلك عنه، ولا سيما يعلون، ومع من عين في منصب رئيس الاركان، الفريق احتياط بني غانتس.
ولكن يوجد للصقور قاسم مشترك واحد وهو واسع: فهم يسعون للتلاعب بتقرير مراقب الدولة، يوسف شبرا، الذي سينشر اليوم في الساعة 16:00 وكتبه رئيس دائرة الامن في مكتب المراقب، يوسي باينهورن. ويقع التقرير في 208 صفحات بما في ذلك الغلاف، الخلاصة بالعربية، وملاحق مختلفة.
حين سينشر التقرير، سيكون الجمهور قد تعب وشبع من كثرة الهذر الذي سمع حتى الآن في الحرب الوقائية. فما بالك أنه في عصر تدفق المعلومات، والآن ايضا في عصر "الحقائق البديلة"، فإن انصات الجمهور للقصورات، للقضايا، لاعمال الفساد او للقرارات الغبية، آخذ في التضاؤل. وكلما تضاءل الانصات تضاءل الاهتمام بكل تقرير وقصة صحافية، مهما كانت مهمة.
من التسريبات يمكن التقدير بان التقرير يشير الى عشرات مواضع الخلل: المداولات الخفيفة في الكابنت، حجب المعلومات عن الوزراء، الاستعداد العليل من الجيش الاسرائيلي لتهديد الانفاق، غياب المعلومات الكافية عنها، حروب الأنا بين "امان" و"الشاباك" وغيرها.
يثير التقرير ملاحظات ذات مغزى ضد ستة منتقدين: نتنياهو، يعلون، غانتس ومسؤولين آخرين في عهد الحملة، رئيس شعبة الاستخبارات "امان"، اللواء أفيف كوخافي، رئيس جهاز الامن العام "الشاباك"، يورام كوهين، وبقدر أقل رئيس جهاز الامن القومي، يوسي كوهين، اليوم هو رئيس "الموساد". وثمة المزيد ممن يتضررون من التقرير، وان كان الانتقاد ضدهم بحقن مخففة: رئيس دائرة البحوث، العميد ايتي بارون وقائد المنطقة الجنوبية في المعركة، سامي ترجمان.
يكاد يكون كل تقرير للمراقب أو لجان التحقيق، وبالتأكيد عن الحروب التي يقع فيها قتلى وجرحى، يستقبل بالاعتراض ممن يوجه النقد إليهم. هكذا كان بعد حرب "يوم الغفران"، هكذا كان بعد حرب لبنان الأولى، وكذا بعد حرب لبنان الثانية. هذا هو طريق العالم. دور المراقب هو الكشف عن مواضع الخلل، انتقاد التجاهل للانظمة، شجب السياقات العليلة لاتخاذ القرارات والاهمال وبالاساس التوقع في أن تستخلص الدروس، وألا تتكرر في المرة التالية.
أما من يوجه اليهم النقد فيتخندقون في مواقفهم ويدافعون عن قراراتهم وأفعالهم. ناهيك عن أنه لا توجد في اسرائيل ثقافة تحمل بالمسؤولية. واذا كان كذلك، فثمة ثقافة تهرب من المسؤولية. ثمة القليل جدا من الشخصيات العامة في البلاد ممن يعترفون بالاخطاء ويتحملون المسؤولية ويستقيلون.
لقد تعرف المراقب على كامل المادة وعليه فان نظرته واسعة، عميقة، ومستنفذة. ولكن من المحظور ايضا النسيان بان نظرته هي نظرة الحكمة بأثر رجعي. فهو يعنى بالسياقات وباللوائح وليس بجودة القرارات ونوعيتها. كما أن دوره ليس البحث في القيود التي يفرضها الطرفان في الحرب ولا في نتائجها.
"حماس" واسرائيل لم ترغبا في الحرب، بل انجرتا اليها. المعركة طالت، ليس فقط بسبب مواضع الخلل في إدارتها، بل أيضا لأنهم في الجيش الاسرائيلي يعرفون بان المجتمع في اسرائيل يجد صعوبة في تحمل الخسائر. وعليه، فمن أجل تقليصها ينبغي التصرف بحذر، والحذر يطيل أيام المعارك.
الحقيقة هي أنه لم يكن لاسرائيل حقا خيار في حسم الحرب، مثلما طالب ليبرمان وبينيت. يعرف المراقب هذا جيدا. ادعاؤه هو، وهو محق، بان من واجب رئيس الوزراء أن يقول للوزراء وعلانية الحقيقة قبل الخروج الى المعركة. على نتنياهو ان يقول: "ليس لدينا رغبة في احتلال واسقاط (حماس)". إذ ماذا يعني "اسقاط حكم (حماس)"؟ واذا ما نجحنا، فماذا بعد ذلك – أنحتل غزة ونحكمها مرة اخرى؟
وفوق كل شيء، في اختبار النتيجة أدت الحرب حتى الآن إلى فترة الهدوء الأطول لإسرائيل في جبهة غزة منذ 1968. مر حتى الآن 30 شهرا من الهدوء. صحيح أن "حماس" تتسلح وتستعد للجولة التالية، ولكن هكذا أيضا إسرائيل. ولكن الاهم من ذلك أن "حماس" اليوم مردوعة وليس لها اي رغبة، نوايا، وقدرة على الخروج الآن الى حرب جديدة. بتقديري المتواضع، فان هذا الهدوء، الذي هو هش حقا، سيستمر في المستقبل ايضا، وقد تحقق هذا بفضل حملة الجرف الصامد، رغم مواضع الخلل. في هذا السياق يجدر بالذكر ايضا حرب لبنان الثانية "الفاشلة"، وما قال عنها المحللون والخبراء. وها نحن نقترب من 11 سنة من الهدوء في الشمال. اليوم يمكن القول إنها كانت نجاحاً مدوياً.