بيوم وقفت متأملة سكون الليل، على شاطئ بحر يعزف اعذب ألحانه بداخلي، وفي تلك اللحظة وضعت أمامي فنجانا من القهوة على منديلي وعليه ارسم شفاهي الحمر، وبجانبي مقعدٌ تركته فارغاً لكي يونس وحدتي بذلك المكان.
وحين كنت غارقة في تأمل تلك النجوم، رأيتها كم تشبهني، تتلالأ عالياً وتلمع من بعيد، ولكن رأيت شيئا ما يربطني بذلك المشهد، ربما لأنها تظهر فقط في ظلام الليل، فهي تشبهني لأني أنثى بعيدة جداً عن الأرض، وسهلة المنال في أن أكون مضرب الشعر في ليلة حالكة ليس لها نور ولا لها مسمى سوى نجمة لا تضيء نهارا، بل تتلاشى حينما تقرر الشمس أن تضيء وتسقط على أشعاري التي كتبت حروفها وأنا اتأمل أصابعي العذراء.
فكنت في كل ليلة اظلمَ نورها أخر الليل، اكتب بها عن رجل مجهول يسكن بداخلي ويدفعني لأكون رجلا، ولكن تغلبتْ على همساتها انوثتي بذلك الطلاء على أظافري، وبالأحمر على شفاهي، وبالشعر المسدول على كتفي، وبقيت تلك الانوثة تكبر بداخلي كلما وقفت اتأمل على مرآتي ما تغير بأنوثتي كل يوم.
وفي يوم خرجت بعيدة عن تأمل تلك النجوم، وتركت المقعد فارغاً كما هو، وذهبت حاملاً بأصابعي وردة حمراء ووردة صفراء ووردة بيضاء، وأخذت اتجول بالسوق كامرأة ترى الانوثة في صوت كعب قدميها، وتراها بتلك النظرة الخجولة التي لا تنظر بها لأحد، وتسمع في خطواتها شيء يهتز كأنه خلخال يهمس بأذن كل رَجُل، وكنت اتلفت بذلك المكان ابحث عن شيء ما لا اعلم ما هو، لكن ادرك أني أريد شراء ما يزيد من انوثتي، وما يثبت خطواتي على الأرض، ولكن كلما نظرت حولي لم أرى إلا نظرات تذهب على يدي لا اعلم إن كانت من أجل أصابعي البيضاء أم من أجل ورودي التي قطفتها من أجلي، لكن لم يدور ذلك طويلاً برأسي.
فلقد شدَّ نظري لامرأة جميلة بائعة متجولة لزهور، كم رأيتها أنثى تلك المرأة، حين تقدم وردة حمراء لرجل عابر ولكن يدفع مالاً لها مقابل جزء من انوثتها قد باعته له، شمَّ عبق رائحتها واتلفها في طريقه بدلاً من وضعها بالماء ليحافظ على شكلها أو لونها، لكن صدمني حين رأيته يرمي أنوثتي في تلك الزهرة بالقمامة، لم يستطع الحفاظ على تلك اللمسة التي تركتها فتاة جميلة على الوردة حين وثقت به.
ولكن استمريت بالتقدم نحو بائع أخر أعجبني لديه أساور تزين يدي الناعمة، ولكن شاركني ذلك الرجل بالاختيار، فاختار لي اللون الزهر، وكأنه يدرك ما يناسب أنوثتي ويعلم ما يزيدني جمالاً أو يزيدني ثقة في خطاي على الأرض، ولكن لم امتنع عن أخذ ما اختاره الرجل الذوق لي، فظننت أن الرجال يدركون أكثر كيف يحافظون على أنوثة امرأة تجذبهم، وذهبت وعلى وجهي ابتسامة خفية رسمت في داخلي دون أن يدركها أحد، وبعدها قررت أن أعود إلى البيت لأقرر ما سأفعله باليوم التالي، وسيرت وأنا مثبتة بخطواتي نحو سائق التكسي، إلا بسائق بان عليه كهل الزمن تجعدت تحت عينيه وشاب رأسه، ولكن لم يشِب قلبه حين لفتني وهو يسرق النظر إلي، وكأن الخجل في عيناي لا يستطع مشاهدته، أخرجت مرآتي من الحقيبة، وبدأت اتأمل عيناي.
وتساءلت: هل بهما سحر أم هناك ما يغري الرجال من النظر إلي، أم يعجبهم الخجل الذي يرسمه خدودي الحمراء، أم هناك ما لا يعجبه في شكلي الذي لا يسحرني أكثر من أنه يغلب عليه ملامح الأنوثة، وجلست بالمقعد الخلفي وما زال هناك نظرات تسرق إلي من خلال مرآته الأمامية، ولكن كنت اتردد من سؤاله عن حُسنِ نيته بتلك النظرة، أم إن كانت تلك النظرة تحق له كأي رَجُل، فقلت لا لا ما بالي من سؤاله، فسأتركه ربما شاب رأسه من رؤيته للنساء، وأو ربما لم يرى أنثى من قبل!، وحين وصلت قلت له: كم تريد؟ فأجابني دون تردد: شكراً قد وصلني!! ولكن لم ادرك ما المقصود.
وتجاهلت الإجابة واصررت على أن يأخذ المال، فتذكرت وأنا أقدمه له أني لم استطع أن اكون كتلك الفتاة التي باعته وردة فانتزعها من بين يدها بثمن، ولكن لم تكن رقة قلبه أكبر من رقة الورد، فكتفى بشمها ومن ثم رماها!!، ونزلت من التكسي وعدت إلى الغرفة التي اتأمل بها كل يوم لمعة النجوم وانتظرها لتطل علي من جديد تخبرني كم أني جميلة حين النظر إليها، وفي اليوم التالي قررت أن أذهب إلى الحديقة لاجلس أمام الزهور واتأملها، وخرجت وأنا احمل معي تلك الورود الثلاثة التي حافظت عليها بكوبٍ من الماء اضع عليها من انوثتي شيء من لمساتي لتبقى حية، واسقيها من دمعة سقطت من عيني حين تأملت علو النجوم، ولكن جعلت دمعتي تحيي ورودي التي لم يهن دمعي بأن تموت، وحين وصلت للحديقة فقد شدني رؤية ذلك العجوز الذي ينحني ليسقي الزهور، فكم رأيت به رقتي وهو يسقيني من مائه، وبعدها جلست بمكانٍ راق لي، لأتأمل ماءٍ شدَّني يتراقص بالهواء برتفاع قوي، ولفتني سحر المنظر حين رأيت تلك الفراشات الملونة تتراقص على ظهر الماء، إلا بشيء دفعني لتساؤل عن ما يجذب الفراشات لتناثر على الماء في الهواء، فما جاء بمخيلتي أكثر من اجابة جعلتني أرى الفراشات تتراقص على عذب شفاف يحافظ على ألوانها ، فتزيد عذوبة الماء لوناً يزيد من نظراتي سحراً بها، وبعدها مرًّ من أمامي نادل فناديته: أيها الرجل هل تسمح لي؟ فأجابني: نعم بالتأكيد اسمح لكِ بأي شيء!! وما بنظراته تعبرعن قلب رهف يدفعني مرة أخرى لتساؤل في لو أني رجل ماذا أجابني؟ هل سيكن في هذه اللطف!! أم لفته ورودي فنجذب لي كونه لم يرى أنثى من قبل أنقى من تلك الورود؟! فطلبت فنجان من القهوة وطلبت منه أن يضع قطعة من السكر في قلب الفنجان.
ولكن صفن قليلاً وقد رأيت في عينيه التردد بالكلام، وقال: ليس هناك داعي لسكر!! فأجبته: ولِما لا؟ فقال: القهوة التي نقدمها للنساء هنا لا تحتاج للسكر وفي داخلك انثى زرعت بيدك ورود زادت من جمالك أكثر! ولكن شكرته حين قدم لي الفنجان! وذهب، وحين انتهيت من تأمل المكان، ورسمت في مخيلتي صورة جديدة في قلبها جدايل امرأة وعين تلمع كعيني التي يصطحب بداخلها لمعة تفرقني عن عين أي رجل!! واستعددت للوقوف تاركاً خلفي مقعداً فارغاً وعلامة شفاه رسمتها على ذلك الفنجان كبصمة تتركها أنثى أينما تكون!! ورحلت بكل هدوء وإلا بشاب يلامس كتفي معذرةً، ولكن لم يعتذر لي على ملامسة كتف أنثى مرًّت من أمامه ولم يدرك أن بيدي ورود تقل له أني فتاة بمعنى أنثى تستحق الاعتذار، لكن ذهبت خلفه وأوقفته، وصمت قليلاً حين رأيت كم عيناه تسحرني، ولكن طلبت منه أن يعتذر على اتساخ ملابسي؟ فقال لي وعلى وجهه الاستغراب وشي من الغضب!! نعم اعتذر؟ قلت: بلى ، وسألني لماذا؟ قلت له ألا تلاحظ أني فتاة وبيدي أنثى أحملها بيدي؟ فأجابني باستهزاء أنثى؟ أنا أرى ثلاث ورود!! قلت له : نعم ثلاث ورود تشعرني أني أنثى وحين لامست كتفي اتسخت ملابسي وشعرت أن شيء تساقط من هذه الورود، فأجابني: وكيف؟ فقلت: اتسخت ملابسي لأني لم يلمسني رجل!! أما ما سقط من أنوثتي فهي حين لامسني كتفك فقط اسقطت شيء من ورودي!! فقال باستهزاء وما بال تلك الورود: الآن سأقطف لكِ غيرها!! فقلت: لا، ربما تستطيع أن تجذب غيرها لكن لن تستطع أن تنحني لتعوضني عما سقط من يدي، فقال: ما الذي سقط من يدك: فقلت: وردة حمراء وهي رقة انثى بداخلها رومانسية ورقة لا تفهمها، أما الشيء الأخر وهي وردتي الصفراء فهي غيرتي على نفسي كوني أنثى، أما الثالثة فهي وردتي البيضاء: التي أجبرتني على أن احملها بيدي أينما كنت، فأنت منذ قليل اسقطت نقائي كوني أنثى تحمل بين أصبعها جسد كنقاء الورد الأبيض، فراح بالضحك وذهب دون أن يعتذر لأنوثتي، ومن بعدها اعتذرت من كوني أنثى ودفعني الموقف أن أخرج الرجل الذي يسكن بداخلي لأدفع من حولي أن يعتذر لتلك الأنثى...