رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، ووزير الدفاع، موشيه يعلون، ووزراء الكابنت السياسي الأمني لم يفحصوا في العام الذي سبق عملية «الجرف الصامد» إمكانية تنفيذ خطوات سياسية تجاه غزة، في محاولة لمنع التصعيد.
هذا ما قاله مراقب الدولة، القاضي المتقاعد يوسف شبيرا، في التقرير الذي نشره، أول من أمس، عن عملية «الجرف الصامد» في قطاع غزة في صيف 2014.
يقتبس المراقب في التقرير ثلاث مرات الأقوال التي صدرت عن وزير الدفاع يعلون بعد اندلاع الحرب بيومين، والتي حسبها كان يمكن منع هذه الحرب لو أن اسرائيل أعطت الإجابة المناسبة على الضائقة في قطاع غزة قبل ذلك.
خلال العمل على التقرير، الذي يتكون من 200 صفحة، قام موظفو القسم الأمني في مكتب مراقب الدولة، برئاسة العقيد احتياط يوسي بن أورن، بجمع آلاف الوثائق من مكتب رئيس الحكومة وهيئة الأمن القومي وزارة الدفاع، الجيش الاسرائيلي، «الشاباك»، وجهات اخرى.
قرأ موظفو رقابة الدولة جميع التقارير حول جلسات الكابنت، وقابلوا رئيس الحكومة نتنياهو عدة مرات، وكذلك وزير الدفاع يعلون ووزراء الكابنت في حينه، ورئيس الاركان السابق، بني غانتس، ورئيس الاستخبارات العسكرية السابق، افيف كوخافي، ورئيس العمليات السابق في الجيش، يوآف هار إيفن، ورئيس «الشاباك» السابق، يورام كوهين، ورئيس «الموساد» السابق تامير بردو ومستشار الامن القومي السابق، يوسي كوهين.
يصف مراقب الدولة في التقرير كيف أنه في الاشهر الـ 16 التي مرت منذ اقامة الحكومة في آذار 2013 وحتى اندلاع الحرب في تموز 2014 لم يتم أي نقاش سياسي حقيقي فيما يتعلق بقطاع غزة في الكابنت السياسي الامني. اغلبية النقاشات المطلقة، بما في ذلك التي اعتبرت «استراتيجية»، تحدثت فقط عن الامور العسكرية.
ويشير المراقب إلى أن غياب النقاش في الموضوع السياسي حول الوضع في غزة كان بارزاً على خلفية تراكم المعلومات حول زيادة الصعوبة في الوضع الإنساني والتدهور الاقتصادي وانهيار البنى الحيوية في القطاع.
في 3 نيسان 2013، بعد أسبوعين من أداء الحكومة الجديدة ليمين القسم، عقدت جلسة الكابنت السياسي الأمني حول الموضوع الفلسطيني.
«أريد الاشارة إلى خطر كبير قادم من غزة على مدى العامين – الثلاثة القادمة، وهو موضوع البنى التحتية»، قال منسق شؤون «المناطق» في حينه، بيتان دنغوت، للوزراء، «غزة ستدخل في ضائقة مياه دون حل، يجب علاج ذلك الآن... سنجد هناك ضائقة كبيرة يمكنها احداث التغيير الاستراتيجي في الموقف بشكل عام».
بعد ذلك بنصف سنة، في كانون الاول 2013، كتب السكرتير العسكري لرئيس الحكومة، ايال زمير، لمستشار الامن القومي في حينه، يوسي كوهين، بأن رئيس الحكومة يطلب اجراء نقاش عاجل في الكابنت حول الوضع المدني في قطاع غزة وتأثيره على اسرائيل.
ولكن فحص مراقب الدولة أظهر أن هذا النقاش لم يتم، وحتى نشوب الحرب لم يعقد الكابنت ولو جلسة واحدة حول الوضع الانساني في قطاع غزة.
«مراقب الدولة يشير إلى مستشار الامن القومي السابق، يوسي كوهين، بأنه كان يفترض تطبيق طلب رئيس الحكومة».
وجاء في التقرير «في ظل غياب النقاش حول الوضع المدني في غزة في الكابنت لم تُقدم للوزراء المعلومات حول الازمة الانسانية في غزة، التي تحمل في طياتها تأثيرات أمنية محتملة.
وتم منع امكانية الاستعداد لهذه الازمة عن الوزراء وتخطيط الاجراءات الممكنة لاسرائيل تجاه قطاع غزة».
انتقد مراقب الدولة في هذا السياق وزير الدفاع يعلون. فهو مسؤول عن الجيش من جهة، وعن جهاز تنسيق شؤون «المناطق» من جهة ثانية. كان يعلون يعرف حقيقة الوضع التراجيدي والمدني في غزة، وكان يعرف عن إمكانية التصعيد نتيجة لذلك. وعلى الرغم من ذلك لم يبادر الى نقاش ذلك في الكابنت. وأظهر مراقب الدولة في التقرير أن يعلون نفسه انتقد ذلك بعد انتهاء الحرب.
في 9 تموز، بعد نشوب الحرب في غزة بيومين، اجرى يعلون نقاشا حول «بلورة جهاز لكيفية انهاء العملية». «لو كان تم ايجاد الجواب لضائقة «حماس» قبل بضعة أشهر، لكان يمكن منع التصعيد الحالي»، قال يعلون في تلك الجلسة.
وأشار مراقب الدولة ليعلون في التقرير وكتب أن أقواله تؤكد المبادرة التي كان يفترض أن يبادر اليها. «في نقاشات كهذه يجب طرح المواضيع التي من شأن علاجها المبكر منع حدوث التصعيد»، كتب المراقب.
يكشف مراقب الدولة ايضا أنه عندما عقدت جلسات هدفها بلورة استراتيجية تجاه غزة، كانت الجلسات غير ملائمة ولم تثمر عن نتائج حقيقية.
في 10 تشرين الأول 2013، في لقاء بين رئيس الحكومة ورئيس «الشاباك» في حينه، يورام كوهين، أكد الأخير أن «حماس» تعاني من ضائقة استراتيجية. وبعد ذلك طلب نتنياهو من هيئة الامن القومي عقد جلسة لنقاش السياسة الاسرائيلية تجاه غزة، وقد مر نصف عام حتى أجري هذا النقاش.
في 16 شباط 2014 عقدت جلسة للكابنت طرحت فيها على الوزراء الخطط التنفيذية للجيش الاسرائيلي في غزة.
وقال المراقب إن هذه الخطط قدمت رغم حقيقة أن الكابنت نفسه لم يحدد بعد ما هي الأهداف الاسرائيلية الاستراتيجية في القطاع.
«وكنتيجة لذلك، اضطر المستوى العسكري إلى أن يضع بنفسه الأهداف الاستراتيجية كي يخطط بناء عليها العمل العسكري». وكتب المراقب شبيرا: «مكتب مراقب الدولة يشير إلى رئيس الحكومة نتنياهو والى رئيس هيئة الامن القومي السابق، يوسي كوهين، أن نقاش الخطط التنفيذية في الكابنت قبل وضع الاهداف الاستراتيجية لا يناسب العملية السليمة لاتخاذ القرارات».
في النقاش ذاته في شباط أشار رئيس الاركان في حينه، بني غانتس، الى أنه يوصي باجراء نقاش حول «قطاع غزة إلى أين» كي يعرف الجيش وضع خطط تنفيذية ذات صلة. مستشار الامن القومي في حينه، يوسي كوهين، رد على غانتس: «نظرا لأن الوضع في غزة يمكن أن يسخن من لحظة الى لحظة، فمن الافضل ان يطلع الكابنت على الخطط التنفيذية».
ويشير مراقب الدولة إلى أنه في 13 آذار تم طرح الموضوع مجددا في جلسة الكابنت بسبب التصعيد في غزة. وزير الاقتصاد السابق نفتالي بينيت قال في النقاش إنه لا توجد لإسرائيل استراتيجية تجاه غزة. واتفق معه وزير الجبهة الداخلية في حينه جلعاد اردان. «في العام الذي أنا فيه عضو في الكابنت لم تضف لي ولو معلومة صغيرة تسمح لي باتخاذ القرارات بخصوص السياسة على المدى البعيد».
فقط في 23 آذار 2014، بعد حوالى سنة على تشكيل الحكومة، أجري نقاش في الكابنت حول وضع «الأهداف الاستراتيجية» بخصوص غزة. لكن مراقب الدولة اكتشف أن هذه الجلسة ناقشت فقط مستويات تصعيد العمل العسكري لاسرائيل ضد «حماس» وليس في امكانيات اخرى تجاه القطاع مثل خطوات سياسية، على الرغم من المشكلة المعروفة حول تدهور الوضع الانساني في غزة وتأثيره الخطير على اسرائيل.
«النقاش الذي تم في 23 آذار سمي نقاشا استراتيجيا... لكنه لم يكن بالفعل نقاشا استراتيجيا... لأنه لم توضع له أهداف استراتيجية»، كما قال رئيس قسم العمليات السابق، يوآف هار ايفن، لمراقب الدولة.
يقول المراقب انه في نقاش الكابنت كان لاقتراحات الجيش حضور كبير، وإن هيئة الأمن القومي لم تطبق دورها المحدد في القانون وهو تقديم البدائل للأجهزة العسكرية وتمكين الوزراء من أن يفهموا بشكل كبير المشكلات والفجوات التي يمكن أن تنبثق عن الخطة التي ستتم المصادقة عليها.
يقول مراقب الدولة مثلا إنه في ذلك النقاش في 23 آذار قدمت هيئة الأمن القومي ثلاثة بدائل جميعها عسكرية: صعود درجة في الرد الاسرائيلي على إطلاق الصواريخ من غزة، الخروج إلى عملية عسكرية لإضعاف «حماس» وتقليص التهديدات، والخروج إلى عملية واسعة لإسقاط نظام «حماس» في غزة.
«بدلا من السياسة الحالية والجهد للحفاظ على الهدوء والاكتفاء برد عسكري موضعي»، قالت ممثلة هيئة الأمن القومي، التي استعرضت الوضع أمام الوزراء، فإن «مجال البدائل أوسع مما يظهر هنا... لقد اخترنا فقط ما يبدو مناسبا في نظرنا... يمكن طرح بديل التغيير بـ 180 درجة تجاه حماس والتوصل إلى تفاهم معها. وهذا البديل تم رفضه كليا أثناء النقاش».
أوصت هيئة الأمن القومي الوزراء في ذلك النقاش بإبقاء السياسة تجاه «حماس» على حالها، ووافق نتنياهو.
«إذا غيرت حماس تعاملها معها، كنت سأقوم بفحص الأمر، لكن الوضع مختلف»، قال.
قال رئيس الأركان في حينه غانتس: «لا يوجد بديل للتوصل إلى تفاهم مع حماس. رئيس الموساد في تلك الفترة، تامير بردو، كان الوحيد الذي اقترح خطاً مختلفاً. «اقترح بناء خطة تسمح لنا في الوقت الحالي بالانفصال الحقيقي عن غزة».
في تموز 2016 قالت وزيرة العدل اثناء الحرب، تسيبي لفني، ردا على مسودة تقرير مراقب الدولة، إن الحكومة امتنعت عن وضع سياسات واستراتيجية في الموضوع الفلسطيني وركزت على اتخاذ الإجراءات الأمنية على المدى القصير، وردت على مبادرات الطرف الثاني.
وقد أكدت أقوال لفني على أقوال وزير الاستخبارات والشؤون الاستخبارية في حينه، يوفال شتاينيتس، في جلسة الكابنت في 8 تموز 2014، أي بعد بدء الحرب بيومين. «نحن نركز على التكتيك ونهرب مرة تلو الأخرى، عاما وراء الآخر. منذ تسع سنوات ونحن نهرب من الواقع الاستراتيجي الذي يتشكل أمام ناظرينا».