في الثامن من آذار عام 2009، قام الرئيس محمود عباس بتوقيع قرار انضمام فلسطين إلى اتفاقية سيداو من طرف واحد، ولكن مصادقته لم تُستكمل بالإجراءات الأصولية المتبعة، حيث لم تُودَع المصادقة لدى الأمين العام للأمم المتحدة، ولم تُنشر بالجريدة الرسمية.
وفي نيسان 2014، قام الرئيس بالمصادقة على اتفاقية القضاء على جميع أشكال العنف ضد المرأة مع ثماني عشرة اتفاقية دولية، دون إبداء تحفظات عليها، وأحدثت المصادقة الأثر اللازم، محطة فارقة في النضال النسوي الفلسطيني الاجتماعي، حيث أعدت فلسطين التقرير الأول حول «سيداو»، والمجتمع المدني يجهز تقرير الظل، حيث استكملت الحكومة جميع الإجراءات المتبعة حسب النظم النافذة لدى الأمم المتحدة، إلا أنها لم تستكمل واجبها نحو نشر الاتفاقية في الجريدة الرسمية.
جدير بالذكر أن الدول المنضمة إلى «السيداو»، تقدِّم نفسها طواعية للالتزام بمبادئ الاتفاقية، والتجاوب مع تلبية استحقاقاتها وأهمها وأولها مواءمة قوانينها وسياساتها وفقاً لنصوصها، ترجمةً لرؤيتها لطبيعة هويتها الديمقراطية من جهة، ورؤيتها للنظام الذي تنشد بناءه، وعكس نتائج تقييمها للواقع الاجتماعي بهدف جَسْر الفجوات.
لهذا تكتسب عملية رقابة ومتابعة ارتفاع أو هبوط مؤشرات الاستجابة لحقوق المرأة قياساً بخط الحقوق المتساوية أهمية استثنائية، لجهة ثباتها ودلالات تحليلها، انطلاقاً من حقائق تنتصب أمامنا بقوة؛ ذلك أن الحقوق المكتسبة ليست نهائية في المجتمعات العربية، لأن التراجع عنها يتم بسهولة، بسبب النظرة السطحية لعملية التغيير ومتطلباته، ولغياب الإرادة على السير نحوه دون تردد، وهو الأمر الذي أدّى إلى نشوء بسبب وجود المناطق الرمادية في الفكر والممارسة، الفكر الإصلاحي المهادِن والمساوِم؛ يتبين صعوبة المسار أمام النفاذ، وأمام رحلة التغيير الاجتماعي المنشود ومقاربة المرجعيات المنصوص عليها في وثيقة الاستقلال على وجه الخصوص، وعلى مبدأ المساواة كما جاء في القانون الأساسي.
ستظهر المناطق الرمادية خلال عملية المواءمة إن قُدِّر لها البدء بالخطوة الأولى نحو المواءمة، سيظهر خط الاعتراف الشكلي بحقوق المرأة ومصداقية تجسيدها على أرض الواقع. وفي الازدواجية سيظهر خط إنتاج المناطق والمواقف الرمادية، في موقف الحكومة والأحزاب السياسية والمجتمع المدني وصولاً إلى مواقف المؤسسات النسوية، ستظهر الفجوات بين المواقف الجذرية والمواقف السطحية المهادنة.
الخروج من المنطقة الرمادية يتطلب الخروج من الأوهام: وَهْم التعويل المسبق على موقف النظام السياسي، على اعتبار أنه خرج من رحم منظمة التحرير الفلسطينية ذات الهوية العلمانية. والخروج من وهم إعطاء صفة التكامل بين موقف المجتمع المدني، الحقوقي والنسوي؛ وبين موقف المجتمع الرسمي، على صعيد الفهم المشترك لتطبيق جوهر «سيداو»، والرؤية والتفاهم المشترك لحقوق النساء ومفاهيم المساواة والعدالة الاجتماعية، مغادرة التردد باتجاه حاسم، قبل توصيف العلاقة بالتكامل، لا بد من الاطمئنان إلى أن أساس الاتفاقية وجوهرها قائم على المساواة ونبذ التمييز، وأن إنتاج تقريرٍ جيِّد لا يعني تطبيقاً جيِّداً، فالحَمْل قد يكون كاذباً!
الخروج من المنطقة الرمادية يتطلَّب استكمال المتطلبات الإجرائية، نشر الاتفاقية في الجريدة الرسمية بموجب القانون رقم 8 للعام 2008 حتى يكون «التنفيذ بمواجهة الكافّة».
الخروج من المنطقة الرمادية يتطلب التوقيع على البروتوكول الاختياري الإضافي، الذي يمكِّن المرأة من تقديم الشكاوى للجنة سيداو وبما يوصل النساء كأفراد إلى العدالة، في ظل ثقافة تكبح عجلات وصول النساء إليها، باعتبار أن أمرها ومصيرها ليس بيدها، ثقافة التملك والولاية.
الخروج من المنطقة الرمادية يتطلب تهيئة البيئة المجتمعية، استيعاب آثار عملية التوقيع والتطورات التي ستترتب عليها، الخروج من النظر للمصادقة على أساس أنها مجرد «مكياج أو ديكور»، عوضاً عن ملامسة الواقع وإيجاد الحلول لكثير من القضايا المتعلقة بعدم تجزئة الحقوق.
الخروج من المنطقة الرمادية يعني استمرار المشاورات بين الحكومة والمؤسسات الحقوقية والنسوية حول السياسات التي تفضي إلى المواءمة، وقائمة المنطلقات التي ينبغي أن يُدار حولها الحوار وتتأسس عليها رؤية المواءمة، وفي مقدمتها هوية الدولة التي وضعت أساساتها وثيقة الاستقلال، وإقرار الدستور الضامن للحريات العامة والخاصة وسموّ منزلة المصادقة على المواثيق الدولية على القوانين المحلية.