لم يختف قطاع غزة، الاسبوع الماضي، من العناوين. في منتصف الاسبوع نشر تقرير مراقب الدولة وفيه انتقادات حول الطريقة التي أدار فيها المستوى العسكري والسياسي عملية «الجرف الصامد». بعد ذلك جاءت اقوال رئيس الاستخبارات العسكرية، الجنرال هرتسي هليفي، الذي اعتبر أن غزة تواجه انهيارا اقتصاديا قد يؤدي الى اشتعال الوضع على طول الحدود. وانتهى الاسبوع باعلان الذراع العسكرية لـ «حماس» بأن المنظمة مصممة على الرد على أي عمل اسرائيلي حتى لو كان محدوداً، وحتى لو أدى هذا الى حدوث مواجهة شاملة.
الامر اللافت هو أن تقرير مراقب الدولة عن غزة أثار ضجة في وسائل الاعلام الاسرائيلية بالتحديد. وفي العالم العربي لم يهتموا به، خلافا لتقرير فينوغراد الذي نشر في اعقاب حرب لبنان الثانية وتم تبنيه بتحمس من قبل حسن نصر الله، الذي يستخدمه بشكل كبير كاثبات على ادعائه أن منظمته هي التي انتصرت انتصارا الهيا على اسرائيل. في حالة غزة، «حماس» ايضا لم تحاول التحدث عن «الجرف الصامد» كانتصار أو كانجاز للمنظمة. وفي الاصل تقرير مراقب الدولة ركز على الاسئلة المهمة المشروعة بحد ذاتها، مثل هل كان بالامكان منع المواجهة في غزة بالطرق السياسية، وهل كان بالامكان ادارتها بشكل افضل. ولكن هذا التقرير لا يذكر أن اسرائيل قد فشلت أو أن «حماس» قد انتصرت.
لكن السؤال المهم بالنسبة لاسرائيل ليس ما حدث على حدود القطاع قبل ثلاث سنوات، بل ما قد يحدث في الاشهر القريبة. على هذه الخلفية جاءت اقوال رئيس الاستخبارات العسكرية الذي عبر عن قلقه من التدهور في اعقاب الازمة الاقتصادية الشديدة لسكان القطاع. لذلك يجب القول إن الوضع الصعب في القطاع ليس نتيجة الاشهر الاخيرة أو السنوات الاخيرة.
يدور الحديث عن وضع دائم يستمر منذ عقود أو منذ الانتفاضة الاولى واتفاق اوسلو في اعقابها، الامر الذي أدى الى اغلاق سوق العمل الاسرائيلية في وجه الغزيين. اقتصاد غزة يعتمد على المساعدات المقدمة من الامم المتحدة وعلى قطر، مؤخراً، وتقوم اسرائيل بدورها في تقديم المياه والكهرباء للقطاع. هذا وضع صعب، لكن الوضع في غزة افضل من اماكن اخرى في العالم العربي، لا سيما في الدول التي تمر بكارثة مثل سورية. فوضع السكان في غزة أفضل من وضع ملايين اللاجئين السوريين في مخيمات لبنان والاردن. اضافة الى ذلك يجب علينا التذكر أن اسرائيل هي احدى الجبهات التي تقف أمامها «حماس»، وليست بالضرورة الأهم. ففي الجنوب توجد مصر التي تربطها مع «حماس» علاقة معقدة وعدم الثقة المتبادل ورغبة مصر غير الخفية لتصفية الحساب معها. وبين اسرائيل ومصر توجد لـ «حماس» جبهة اخرى مع المنظمات السلفية الجهادية التي تعمل في القطاع والتي تريد ضعضعة حكمها واستبدالها. فهذه المنظمات كانت مسؤولة عن جزء كبير من عمليات اطلاق النار على اسرائيل.
تقف الآن على رأس «حماس» قيادة جديدة بدون تجربة. جاء رؤساؤها من الذراع العسكرية التي سارعت في نهاية الاسبوع لتحذير اسرائيل من أنه اذا استمرت في الرد على أي اطلاق للنار واستهداف «حماس»، فالمنظمة ستعتبر أنها حرة في العمل ضد اسرائيل من اجل فرض معادلة تشبه المعادلة التي توجد في الحدود الشمالية، والتي تكبل أيدي اسرائيل أمام «حزب الله». هذا بدون شك اعلان مقلق لأنه يشير الى توجه المنظمة المستقبلي حتى لو حافظت في الوقت الحالي على التهدئة على طول الحدود.
في نهاية المطاف، «الجرف الصامد» تؤكد على أنه عندما لا يرغب الطرفان في المواجهة، قد يجدان أنفسهما ينجران اليها. ليس بالضرورة بسبب عدم البحث عن بديل سياسي، الذي هو أصلا غير موجود مع «حماس»، بل بسبب اخطاء الطرف الثاني والانجرار الى المواجهة الشاملة بدون أي رغبة في ذلك.