بقليل من الاهتمام الإعلامي، وصل وفد أميركي فيه أعضاء كونغرس إلى فلسطين، لدراسة مسألة نقل السفارة الأميركية إلى القدس، ولدراسة تبعات ذلك. وبحسب الأنباء، قضى الوفد يومين، هما السبت والأحد. وعمليّاً، هذا الوفد والطريقة التي عوملت بها زيارته، يعززان فرضيات أهمها أنّ الطرف الأميركي غير متعجل في موضوع السفارة، حتى الآن، بل إنّ الموضوع لا يبدو أولويّةً إسرائيلية.
أعلن وزير الدفاع الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان، بالتزامن مع الزيارة، معارضته لمطالب أعضاء في الكنيست إعلان ضم الضفة الغربية. وقال إنّ رسالة مباشرة أرسلت من قبل الإدارة الأميركية الجديدة، فيها أن مثل هذا الضم سيضع إسرائيل في "أزمة فورية". فضلاً عن أنه، كما يقول ليبرمان، يكلف الإسرائيليين ما لا يقل عن 20 مليار شيكل (5.4 مليار دولار)؛ إذ سيجد الإسرائيليون أن عليهم التعامل مع 2.7 مليون مواطن جديد (الفلسطينيون)، وبما أنّ إعطاء المواطنة للفلسطينيين غير مطروح ولن يحدث، فسيتم إعطاؤهم وضع المقيم، بما يرتبط به من التزامات عديدة، أقلها الضمان الاجتماعي.
لقد كانت خطط نقل السفارة هي الموضوع الأبرز عندما تسلم دونالد ترامب الرئاسة الأميركية، فيما يتعلق بالشأن الفلسطيني الإسرائيلي. لكن سرعان ما اتضح أنّ الجانب الإسرائيلي مهتم أكثر، على مستوى أعضاء الكنيست والأحزاب، بموضوع الاستيطان، وربما ضم أجزاء من الضفة الغربية لإسرائيل. ولا تريد قيادة الصف الأول، ممثلة برئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، ووزير الدفاع أفيغدور ليبرمان، خطوات درامية سريعة. لذلك، فإن تركيز نتنياهو في خطابه الإعلامي والسياسي هو على إيران ومسألة التهديدات الأمنية القادمة منها. ونشر الإعلام الإسرائيلي، أمس الإثنين، أنّ نتنياهو صرح أنّ "إيران مسؤولة عن 80 بالمئة من الانشغالات الأمنية الإسرائيلية". وعمليا، فإن نتنياهو يدرك أنّ حديثه عن إيران فيه مبالغة كبيرة، لكنه يريد الاستمرار في تسليط الضوء على موضوع بعيد عن الشأن الفلسطيني، لكي تستمر السياسة الإسرائيلية بمسارها الراهن، من دون جهود دولية لحل المسألة الفلسطينية.
أما ليبرمان، فعدا عن أنّه لا يتبنى خططاً لضم الضفة الغربية، ويتبنى بدلا من ذلك مشاريع لطرد الفلسطينيين من الأراضي المحتلة العام 1948، وتوطينهم في أراضي 1967، ومستعد لتبني انسحابات وتفكيك مستوطنات في سبيل ذلك، فإنّ الرسالة الأميركية التي أشار إليها، قد تتضمن أيضاً ضرورة عدم تصعيد موضوع القدس الآن. وعُرف عن ليبرمان في مناسبات سابقة حرصه على علاقة جيدة مع الإدارات الأميركية، حتى على المستوى الشخصي، بما يخدم طموحه السياسي.
لقد بدأ مرشحون أميركيون بتبني مسألة نقل السفارة ووضعها ضمن برامجهم الانتخابية منذ العام 1972. وكان الحزب الديمقراطي هو الذي بادر وواظب على تقديم هذا الوعد في كل انتخابات، حتى العام 1995، عندما أقر قانون في الكونغرس الأميركي مسألة نقل السفارة، مع ترك التوقيت المناسب لتقدير الرئيس الأميركي. وفقط منذ انتخابات العام 1996 بدأ الحزب الجمهوري (الذي يمثله ترامب) يضمّن برنامجه الانتخابي نصاً عن نقل السفارة، بينما توقف الديمقراطيون عن ذلك تقريباً. وكل هذا يؤكد أمرين: الأول، أنّ مسألة السفارة مبحوثة جداً في الأوساط الأميركية، ولم تنفذ. وثانياً، أنّ مجيء مثل هذا الوفد الأميركي لا معنى عاجلا له؛ فالقرار على مستوى الكونغرس جرى تبنيه منذ وقت طويل، ولا حاجة لوفود سياسية جديدة تأتي في زيارات خاطفة.
يبدو أنّ قرار نقل، أو عدم نقل، السفارة يجري تأجيله إلى مطلع حزيران (يونيو) المقبل، عندما يحين موعد البت في القرار. إذ إنّ الرئيس السابق باراك أوباما، بموجب التخويل الممنوح له، كان يؤجل القرار ستة أشهر كلما حان موعده. وهذا يعكس تراجع ترامب عن الحماسة في الموضوع. وحتى ذلك الوقت، فإنّ لدى الرئيس الأميركي زوابع داخلية كثيرة يثيرها ويتورط فيها داخل الولايات المتحدة لأسباب مختلفة، قد تحدد مسار سياساته.
إسرائيليا، يبدو أنّ أولوية القيادة الإسرائيلية (نتنياهو وليبرمان) هي استمرار الوضع الراهن، من دون خطوات درامية تخلط الأوراق ميدانياً وتثير ردة فعل دولية. ومن هنا، فربما يكون توجيه الأنظار لإيران مفيدا؛ فهو يحرف الأنظار عن الموضوع الفلسطيني، لتستمر سياسة فرض الأمر الواقع تدريجياً، باعتبار ذلك هو الوصفة المثلى لتحقيق الأهداف الاسرائيلية بعيدة المدى.
عن الغد الاردنية