ما بعد الموصل وحلب: كيف سيكون حال العرب؟!

رجب أبو سرية
حجم الخط

رغم أن معركتي ما سمي «بتحرير» مدينتي الموصل وحلب، من «داعش» في العراق، والمعارضة المسلحة في سورية، من غير المتوقع أن تكونا إيذاناً بوقف الحرب بين نظامي الحكم في البلدين وما بين معارضيهما، ورغم الفارق في الظروف والاعتبارات بين الحالتين، حيث يمكن القول: إن إخراج «داعش» من الموصل، سيكون من شأنه فرض سلطة حكومة بغداد بشكل شبه تام على العراق، ووضع حد للتحدي السياسي الداخلي، رغم أن «شكلاً» آخر من الصراع السياسي، بدأ يظهر، وذلك داخل المربع الشيعي نفسه، بعد أن كان صراع حكومة بغداد مع «داعش» يشي بصراع طائفي شيعي / سني، في المقابل ورغم أن إخراج المعارضة السورية من حلب قد سبق بأشهر إخراج «داعش» من المواصل، إلا أن الحرب فعلاً لم تتوقف تماماً، رغم التوصل لأكثر من اتفاق لوقف إطلاق النار في سورية.
أولاً وقبل كل شيء، ورغم أن دولاً عديدة إقليمية وكونية تدخلت وما زالت تتدخل في الصراع في المنطقة، خاصة في العراق وسورية _ كان أكثر من ثلاثين دولة شاركت بقواتها العسكرية في الحرب على العراق عام 1991 _ ورغم سعي الأصابع الخفية، إلى وسم الحرب في البلدين بالطابع الطائفي، إلا أنه لا بد من القول: رغم وجود التدخلات العسكرية الصريحة للكثير من الدول والأطراف الخارجية والأجنبية في هذه الحرب، إلا أن هذه الحرب داخل العراق وسورية هي حرب بين العرب، بين الأخوة والأشقاء، فالسني في العراق وسورية هو عربي، كذلك الشيعي والعلوي في سورية والعراق هو عربي.
أي أن الحرب في البلدين العربيين، بقدر ما كانت نتاج نظام حكم مستبد، كانت في الوقت ذاته مظهراً من مظاهر الفشل القومي، ليس فقط في تحقيق هدف الوحدة العربية من المحيط إلى الخليج، كما كانت ترفع الشعارات قبل أكثر من نصف القرن، ولكن الفشل هو في إنتاج دولة المواطنة / القطرية، الدولة التي لا تميز بين الأعراق والطوائف، وتقدم سيادة القانون، وتحقق الانتماء الوطني كبديل لانتماءات قديمة متخلفة، مثل الانتماء العشائري أو الطائفي، الجهوي أو حتى العقائدي.
معركة الموصل على وشك أن تضع أوزارها، مع نزوح نحو نصف مليون إنسان من سكانها العرب / السنة، حيث بدأت الأمم المتحدة تقيم لهم المخيمات بالقرب من المدينة، أما حلب فقد فتحت الأفق لإغلاق الباب أمام تقسيم جغرافي / سياسي لسورية، وفتحت الباب لكسر حدة الاصطفاف الطائفي، حيث انضوت قوات سورية الديمقراطية / السنية _ الكردية لقوات النظام في أكثر من معركة، المهم الآن، الإجابة على السؤال: ماذا بعد الموصل وحلب؟!
مهم طبعاً أن يطرح السؤال أولاً، وعلى نطاق واسع، ومن قبل الجميع، خاصة الأوساط المقررة، وحيث إن قمة عربية هي الآن على أبواب عمان / الأردن، فمن الضروري جداً أن يكون جواب السؤال متوقعاً أن يصدر عن أرفع مستوى سياسي عربي.
لا بد من أن يلحظ الجواب أن يتم تجاوز محنة الحرب، وألا نفتح الباب على مصراعيه أمام ممارسة الحقد والأخذ بالثأر أو تعميم اليأس، فلا بد من التفكير بمصالحة تاريخية بين الأشقاء هنا وهناك، ولا بد من أخذ العبرة من الماضي، والتفكير جدياً بإطلاق الحرب على الدمار والجهل والتخلف وكل مخلفات الماضي.
لا بد من قطع الطريق على كل ما فتحت إليه الحرب من أبواب التمييز الطائفي، وإغلاق أبواب الفرز الطائفي، لا بد من عودة كل العراقيين الذين هربوا من أتون الحرب، إلى ديارهم، كذلك لا بد من أن تلحظ جنيف 5 إن نجحت في التوصل لإطار حل سياسي، من أن تبدأ بتسهيل عودة كل السوريين الذين خرجوا من وطنهم، بسبب الحرب، وتجاوز كل «مصلحة» للآخرين بهجرة ملايين السوريين لتحقيق حسابات الغير، ذلك أن وطنهم هو أولى من كل الآخرين بهم.
ما بعد الموصل وحلب، ربما لا نلحظ أو حتى لن نلحظ، خطاً فاصلاً مرئياً، بين حقبتين أو مرحلتين، لكن مفتاح الحل والربط يجب أن يكون بين أيدي العرب أنفسهم، فهذا مفتاح أن يكون الحل قريباً من جهة، ويحقق المصالحة الداخلية من جهة ثانية، ثم أن يكون باعثاً لإعادة بناء اثنتين من أهم الدول العربية.
أسوأ الخيارات هو أن تكون صيغة ما بعد الموصل وحلب، نتيجة المنتصر والمهزوم أو الغالب والمغلوب، أن تكون النتيجة خروج السنة من سورية وخروجهم من الموصل، لأن ذلك سيعني خروج العراق وسورية من الإطار العربي، وإعادة فصل سياسي قديم، هو فصل المناذرة في العراق، والغساسنة في سورية، أي تبعية العراق لإيران _ الملالي وريثة أكاسرة الفرس، وسورية لروسيا القيصرية التي ستكون كما لو كانت وريثاً لبيزنطة!
السؤال هنا _ هل بمقدور العرب أن يتخذوا أولاً موقفاً واحداً، موحداً وقوياً، ومن ثم تشكيل قوة موحدة تكون على الأقل واحدة من مراكز القوة الإقليمية، أم أنهم سيظلون يعتمدون على غيرهم، فيتحالف كل واحد منهم بآخر من غير العرب؟
أسوأ الاحتمالات هو أن يذهب العرب الرسميون، الذين هم وحدهم الذين يمكنهم أن يشكلوا محوراً عربياً، إلى القناعة التامة بأن الصراع في المنطقة قد تحول من صراع بين قوى التحرر والاستعمار والهيمنة ومن صراع بين العرب وإسرائيل، إلى صراع إقليمي / طائفي، بين سنة العرب وشيعة إيران، حيث تحاول إسرائيل أن تتوج «نجاحاتها» في إشعال فتيل هذه الفتنة، طوال نحو خمس سنين مضت، والتي ظهرت في سورية واليمن والعراق، إلى تشكيل تحالف عسكري إقليمي على هذا الأساس، فيما يشبه الناتو الغربي، أي «ناتو» إقليمي تقوده إسرائيل التي حاولت كثيراً أن تدفع أميركا إلى شن حرب على إيران منذ تسعينيات القرن الماضي، أي بعد أن شنت أميركا الحرب على العراق مباشرة، بحيث تنجح إسرائيل في إقناع العرب بما عجزت عن إقناع أميركا به!