من المنتظر أن تعلن حركة حماس خلال الشهر الجاري إنتهاء إنتخاباتها الداخلية والإعلان عن نتائجها وشخوص الهيئة القيادية العليا، بما فيها إختيار رئيسها أو كما يسمى المكتب السياسي والمتوقع أن يكون إسماعيل هنية الذي سيخلف خالد مشعل. ويدور الحديث عن قرب الإنتهاء أيضاً من إقرار حماس وثيقتها السياسية الجديدة والتي قد تعبر عن هويتها السياسية الجديدة، وبذلك تكون حماس أنجزت ملفين مهمين بالنسبة لها، وهما رئيس جديد للحركة من الداخل خاصة غزة، ووثيقة جديدة ربما تعبر عن هوية ورؤية ومرحلة جديدة للحركة في ظل التغيرات السياسية العميقة في المنطقة العربية والدولية.
بعد نحو ثلاثين عاماً من عمر الحركة لا تستطيع الحركة السير على نفس الخطى والمبادئ التي جاءت في ميثاقها الأساسي الذي صدر في العام 1988، فهي مرت بظروف صعبة خاصة خلال العشر سنوات الماضية والحصار المفروض عليها عربياً ودولياً، والإنقسام الداخلي وعدم نجاحها في إتمام المصالحة مع شريكها في الحكم وخصمها الدود حركة فتح.
وما مرت به حماس من ظروف عصيبة في علاقاتها بدول عربية كانت مركزية بالنسبة للحركة بعد إندلاع الثورات العربية خاصة مع مصر وسورية التي خرجت منها بطريقة دراماتيكية ربما ندمت حماس على ذلك لاحقاً، بعد أن كانت الداعم السياسي الرئيس لها، وشريك لها فيما يسمى محور المقاومة والممانعة، والضربة القوية التي تلقتها في مصر وسوء العلاقة معها بعد الإطاحة بالرئيس المصري السابق محمد مرسي، فالحركة لم تستطع النأي بنفسها عن الصراع الأيديولوجي بين الحركة الأم جماعة الإخوان المسلمين في سورية ومصر.
فالحركة منذ فترة من الزمن وهي تحاول إعادة صياغة طريقها من دون المس بأهدافها العامة، لكن في ظل تسارع الأحداث وعدم قدرتها على تحقيق إختراق يبدو أنها ستسير في طريق مجبرة عليه كما حدث مع بعض الفصائل الفلسطينية خاصة حركة فتح والجبهة الشعبية بوجود القيادة في الداخل ولما لذلك من إستحقاق وطني يقوي الحركة، أو إستحقاق بدفع ثمن في مواجهة الإحتلال كما حدث مع الأمينين العامين الشهيد أبو علي مصطفى الذي إغتيل من قبل قوات الإحتلال، وأحمد سعدات الأسير في سجون الإحتلال.
كل المؤشرات تقول ان رئيس المكتب السياسي سيكون إسماعيل هنية وبهذا سيكون الثقل السياسي للحركة في الداخل، وهذا ربما يعطي الحركة حرية الإختيار في علاقاتها وتحالفاتها، بعد ان كان يشتكي بعض قيادات الحركة بوجود قيادة حماس ورئيسها خالد شعل في الخارج وبالتحديد في قطر.
التغيرات السياسية القادمة في حركة حماس تأتي في ظل ظروف سياسية عصيبة تمر بها القضية الفلسطينية والعالم بفوز الرئيس الأمريكي دونالد ترامب والخشية من وضع جماعة الإخوان المسلمين على قائمة الإرهاب وضمن الجماعات الإسلامية الإرهابية، كذلك إستمرار الإنقسام وسياسة إسرائيل القائمة على تعميق فصل قطاع غزة عن الضفة الغربية، والتوجهات الإسرائيلية بصناعة دولة غزة، والإستفراد في الضفة الغربية وإستكمال المشروع الإستيطاني، والخشية قائمة بضم بعض اجزاء من الضفة الغربية والإستمرار في عزل باقي مناطقها عن الأخرى في جزر محاصرة.
الوثيقة السياسية لحركة حماس التي يتم الحديث عنها ستعلن إنها تنظيم إسلامي فلسطيني وطني مستقل بالقرار وستكون علاقاتها مع جميع الأطراف على قاعدة قربها من فلسطين، وستعلن عن فك الإرتباط بجماعة الإخوان المسلمين، أو بالمعنى الصريح البراءة منها ، وإقامة دولة فلسطينية مستقلة على حدود العام 1967، من دون الاعتراف بإسرائيل، والتمسك بالثوابت، وستستبدل الوثيقة مصطلح اليهود مع الإحتلال الإسرائيلي، لتنزع عن نفسها اتهامات معاداة السامية، وتحديد الصراع أنه صراع مع الإحتلال، ولن تعتبر اليهود على أنهم أعداء، وانها لن تتدخل في شؤون الدول العربية، خاصة بعد الإتهامات المصرية لها بالتدخل في الساحة المصرية، وحماس من الوثيقة السياسية الجديدة معنية بعلاقات جيدة مع مصر أكثر من أي دولة أخرى وعلاقتها بالعالم الخارجي لرفع الحصار المصري المفروض عليها وعلى غزة.
الوثيقة هي إعادة تعريف حماس لنفسها سياسياً، اما أيديولوجيا فربما يكون هناك تحول بفك إرتباطها التنظيمي بجماعة الاخوان المسلمين لكنه ليس فكريا وأيديولوجياً، وربما تكون الوثيقة تحول نوعي على المستوى السياسي، وعلاقتها بالدول العربية والداخل الفلسطيني من خلال إنتقال قيادة رئاسة الحركة للداخل وبعض التغييرات الهيكلية التنظيمية وبروز بعض الأسماء الشابة نسبياً وغياب قيادات تاريخية عن الساحة.
ويبقى الإختبار الحقيقي للقيادة الجديدة والتوجهات المنتظرة في قدرتها على إختراق داخلي فلسطيني لإستعادة الوحدة الوطنية وإنهاء الإنقسام، في ظل التصريحات التي تتحدث عن تشكيل هيئة تنفيذية لقيادة غزة رداً على فشل حكومة الوفاق الوطني، والسؤال كيف ستنفذ وثيقتها السياسية وهي تقوم بتوطيد سلطتها في غزة، إلا إذا كان الهدف من الوثيقة هو وثيقة مرور دولي ومحاولة لكسر عزلتها. برغم ما تقدم لن تستطيع حماس تغيير هويتها السياسية بالشكل الذي يطمح له كثيرون أو الفكرية، ولن تسلم قطاع غزة لحركة فتح، وإلا بذلك تكون تخلت بسهولة عن 30 عاماً من تاريخها من بينها عشر سنوات من ممارسة السلطة وحكمها لقطاع غزة.