وجدت نفسي في رواية "حرام نسبي"

وجدت نفسي في رواية
حجم الخط

صدر عن دار الشّروق للنّشر والتّوزيع في رام الله وعمّان، صدرت بداية العام 2017 رواية حرام نسبي للرّوائيّ المقدسيّ عارف الحسيني، وتقع الرّواية التي صمّم غلافها مجد عسّالي في 213 صفحة من الحجم المتوسّط.

 

رواية من 10 فصول، لوحة فسيفساء مقدسية نقشت بكل ألوان العذاب والمعاناة جسدت واقع كل الحوريات المقدسيات، رسمت حورية معالم وتضاريح القدس بوضوح وبساطة وسلاسة ولم تغفل شيئا، للوهلة أحسست أن هذه الحورية هي أنا بكل قسماتي وتفاصيل حياتي، لولا بعض التفاصيل الصغيرة، فحورية مثلت كل امراة مقدسية كيف تكون مختلفة ومتميزة، كيف تواجه الضغوطات والتحديات، وكيف تحلم وتحب، وكيف تستغل الظروف للقاء حبيبها أمام مكتبة البلدية بشارع الزهراء، في عمارة الجندول التي سميت بهذا الاسم نسبة إلى مطعم الجندول الذي كان مكانا للعشاق والمثقفين؛ لتناول "الآيس كريم" وحورية المرأة التي تنقل حبيبها عبر الحواجز العسكرية بسيارتها ذات اللوحة الصفراء، واقع المرأة المقدسية التي اكتفت بعشق لون عيون حبيبها غير آبهة للون بطاقته

 

حورية المرأة التي لا تعرف الفشل الطموحة المقدامة، والتي لا يتقبلها المجتمع كانسانة قوية، لا أحد يريد أن يتعامل معها كعقل مستقل وحرّ، يريدها المجتمع جسدا تابعا، ليشبع شهوات الرجل، حتى أنها تعرضت للتحرش في العمل من قبل مدير الصحيفة التي عملت لديها، حورية التي عانت من استعباد الرجل لها ونزعة التملك لدى الرجل الفلسطيني، فحتى بعد طلاقهما يغار عليها ويراقبها ويحاسبها عن علاقاتها الجديدة، لم يتنازل عن حق الملكية.

 

لا تفاجئني ثقافة وقوة شخصية حورية التي تثقفت من كتب الدكتورة نوال السعداوي والتي اشتهرت كتاباتها بتحليل العلاقة بين الرجل والمرة، لا زلت أذكر أول كتبها الأنثى هي الأصل والمراة والجنس.

 

أن تبني حورية ثقافتها على هذه الأدبيات فلا شك أنها ستكون محط الأنظار ومثيرة للجدل، وستتعقبها العيون أينما استدارت وستتحدث عنها كل الألسن، إنه ثمن التمرد على ثقافة تقليدية رجعية في سبيل الحرية.

 

لم يكن مصادفة أن يكون هناك حوريتان الكبيرة والصغيرة، فهكذا دأبت العائلات على تسمية البنت الأولى باسم والدة الزوج، وهي مثلت الجيل الجديد، وحورية الجدّة التي أتت مغمضة، وفتحت عينيها فيما بعد، ولكن فاتها الكثير من جمال الطريق إلى القدس تمثل الجيل الأول.

 

النهاية كانت البداية

 

من النهاية انطلق كاتبنا يتصفح مرارة الماضي ببؤسه وفقره وبساطته، وكأنه يضعنا على بركان يكبر ويكبر حتى يتم التحول الكامل، ويصل لحظة الانفجار، إنه بركان الانتفاضات والثورات العلمية والتقدم التكنولوجي من استخدام الهاتف الثابت ذي القرس المتحرك، إلى استخدام الأجهزة الذكية وصولا إلى الانترنت والفيس بوك .

 

انشغل كاتبنا بتوثيق تفاصيل مدينته بانسياب دون تلعثم شارحا التفاصيل الدقيقة للمدينة، حاراتها وشوارعها وأزقتها، وأهمّ حاراتها داخل أسوار المدينة وخارجها عقبة السرايا والشيخ جراح ،الشارع رقم واحد وحاجز قلنديا وجدار الفصل العنصري، مؤسسة التامين المكان الوحيد الذي يقف فيه المرأة والرجل بخطين متوازيين.

 

وتحدث بلغة كل مقدسي، الطالب والشباب والأسرى والجدات والمثقفين والماركسيين والمتدينيين الأصوليين، ورصد هموم المراة ومعاناتها مع المجتمع الذكوري، معاناتها تحت الاحتلال، الزواج المبكروالعنوسة، فالبنت التي وصلت سن السابعة عشر هي عانس، وحورية بطلتنا عرضت للزواج في الخامسة عشرة، والنظرة الدونية للمراة المتعلمة المثقفة باعتبارها فاسقة وصاحبة رذيلة، والنظرة إلى المراة المطلقة المشتبه بكل تحركاتها وعلاقاتها، يضع حورية في قفص الاتهام.

 

أمّا العادات البالية التي تمس بكرامة المرأة دون الرجل، فهو اجراء فحص العذرية والتأكد من عملية فضّ غشاء البكارة ليلة الدخلة، على مرأى ومسمع أهل البلدة باشهار الدليل القاطع على فحولة العريس.

 

حورية ليست شخصا مراقبا أو راويا، حورية مرت بكل هذه التفاصيل ونالت منها، آلمتها ودفعت ثمن رفضها لكل هذا الواقع، الذي سرعان ما يتغير ولا يثبت على حال، فالتحول الفكري من ماركسي الى أصولي إلى التغيرات الاجتماعية والجغرافية، إلى الازدحام المروري في شوارع القدس والتلوث البيئي بسبب الحفريات وعمليات هدم المنازل، التي تهدف إلى تغيير معالم المدينة، إلى الانتشار المكثف للاستيطان، والسيطرة على منازل الفلسطينيين من قبل المستوطنين الاغراب، غير معالم منزل الجارة رقية في الشيخ جراح بوابة حديدية مرتفعة تعلوها الكاميرات ونقاط الحراسة.

 

استخدم الكاتب اللهجات واللكنات القديمة للمقدسيين (يوو- عدوات –العصملي-الوشتي بمعنى حبيبتي، وشيتي بمعنى خاصتي) وغيرها ممّا أضفى على الرواية مرحا وجمالا وروح المداعبة.

 

أعجبني أسلوب الكاتب عندما استخدم أسلوب رواية المشهد الواحد الذي كان يرويه تارة برؤية حورية، وتارة برؤية نبيه وآخرين، كأنه يريد أن يؤكد على دقة الأحاسيس والمشاعر داعما بذلك شهادة حورية.

 

الرواية توثيق دقيقة لكل تفاصيل حياة المقدسيين، تحركاتهم ومعاناتهم مع الضرائب وسياسة التمييز العنصري، وبحثهم عن سبيل للرزق.

 

عمّو احمد / صديق والد حورية، هذا الرجل جسد رمزا للوفاء الذي أصبح نادرا، يعود ليتصل بحورية من الأردن التي هاجر اليها يحمل في طيات هاتفه أمرين يهتم بهما الرجل الشرقي عن بعد وعن قرب، القضية الأولى الميراث الشرعي ، والقضية الثانية العرض والشرف ،كلاهما يلتقيان عند نقطة واحدة، كلاهما يورث أو ينتقل بالوراثة.

 

فسمعة حورية المثقفة والمتحررة ابنة الرجل الشيوعي "الكافر"، وقصة فسقها تلازمها أينما حلت حتى وصلت الى الأردن، فهناك من همس بأذن أخيها ( ضب اختك) 273.

 

وهاجس الفسق والرزيلة تسيطر على حورية حتى اضطرت إلى الكذب حول الأجنبية التي استأجرت منزل حورية، وصديقها الأصغر منها سنّا فادعت أنها خالته حتى لا يقال عنها أنها تروج للرذيلة 278.

 

تقول حورية لم أقرر العودة للقدس إلا من بعد أن أدمنت حبوبا مهدئة للأعصاب تجعلني سعيدة تارة وتعيسة تارة أخرى.

 

هل حبنا للقدس أصبح كالجنون الذي لا يهدأ إلا بأخذ نوع من الحبوب المهدئة لتساعدنا على الاستمرار في الصمود، وتحمل الاوضاع القاسية للمدينة

 

أجاد الكاتب فن التشبيك بين المواضيع، والانتقال بسلاسة إلى موضوع آخر يوثق فيه حالة أخرى، في مسيرة المقدسيين ص 277 الانتقال للحديث عن المقاومة الشعبية السلمية وعن المتضامنين الأجانب لمقاومة جدار الفصل العنصري

 

"حاصرني الناس حتى وجدت مستاجرين أجانب جاؤوا ليعلموننا النضال السلمي

 

كانو قد جندوا أموالا للمقاومة الشعبية"

 

لم يتجاهل الكاتب دور الحركة الأسيرة ومعاناة الأسرى في التحقيق داخل الزنازين وبعد التحرر، حيث يعيش الأسير حالة غربة وصعوبة التأقلم، فبعضهم يقبل على الزواج لاشباع رغبة جنسية، بينما هو لم يتأهل للاندماج بالمجتمع، وتقبل الآخر، الأمر الذي عكس نفسه على طلاق حورية نتيجة التحول الكبير الذي سيطر على زوجها بعد اطلاق سراحه، عانى من الاكتئاب والتخبط وعدم تقبل الواقع الذي فرض عليه ان يعمل عتالا في مطعم فلافل، والذي اضطر للعمل فيه ليتجنب الحصول على حسن السلوك، الذي لن يحصل عليه بسبب كونه أسيرا سابقا، هذا الأمر الذي ألقى بظلاله على حياة حورية وزوجها، الذي طرد من العمل لكونه أسيرا سابقا، وخانته ذكوريته وفحولته فلم ينجب الأطفال، وألقى بهذا الأمر على كاهل حورية حتى بعد أن أثبتت الفحوصات الطبية أنها لا تعاني من شي، هو هذا الرجل الشرقي الذي يتقبل كل الأمور الا المساس بفحولته العظيمة، وبحجة عدم الانجاب أطلق زوج حورية عليها ثلاث رصاصات: أنت طالق... أنت طالق انت طالق، ظنّا منه أنه أرداها قتيلة ،ولكن حورية بسبعة ارواح متجددة قوية لا تعرف الخوف كما لا تعرف الفشل بحياتها

 

تقول حورية : أنا ابنة القدس العظيمة، أنا حورية الأنثى المرأة الفخورة بأنوثتي، ولست (أخت الرجال) كما ظن أنه يمدحني بأن يجمعني بمن هم أفضل مني حسب رأيه "الرجال". لا اجدهم أفضل مني بشيء، لهم من القوة ما لها وعليها من الضعف ما عليها ، أنا استحق المديح يا معشر الرجال لأني حورية وليس لأني أخت أحد.