الجُزُر الفلسطينية..

رامي مهداوي.jpg
حجم الخط

أثناء التنقل الدائم بين محافظات الوطن والخروج من محيط محافظة رام الله والبيرة، أشعر بأن وطني فلسطين أصبح عبارة عن جُزُر متبعثرة داخل خارطة فلسطين التاريخية، وربما أصبحت جُزُراً في داخل جُزُر أيضاً!!
إذا ما نظرنا بالعين المجردة وبعقل مجرّد من أي إرهاصات كانت، سنجد أن التواجد الفلسطيني داخل خارطة فلسطين التاريخية أصبح عبارة عن ثلاث جُزُر كبيرة منقسمة ما بين الضفة وغزة والداخل، وكل كيان منفصل عن الآخر بطرق وأدوات مختلفة، ولكل كيان خصوصيته الثقافية والاقتصادية والسياسية وحتى الاجتماعية بشكل مختلف عن الآخر، ومن ناحية أخرى وهذا ما أريد الحديث عنه هنا في هذا المقال هو أن الضفة الغربية أصبحت جزيرة بداخلها العديد من الجُزُر التي بدأت تتشكل بشكل واضح، وفاقد البصر والبصيرة من لا يشاهد كل ذلك!!
التجمعات الفلسطينية، والتي هي على شكل مدينة، قرية، مخيم وتجمعات بدوية، ليست فقط محاطة بدولة احتلال، وإنما نجد المستوطنات في كل الاتجاهات ومغلق علينا أيضاً بجدار. الاحتلال الإسرائيلي يواصل استثمار تدهور الشؤون العربية والفلسطينية لخلق المزيد من الوقائع الملموسة على أرض الضفة الغربية، من أحياء استيطانية يهودية وطرق التفافية تحيط بقرى وأحياء مشتّتة، بما يحول عملياً دون إقامة كيان جغرافي فلسطيني متوحد ومتماسك.
الجُزُر الفلسطينية في الضفة الغربية أصبحت تعاني من مشاكل مختلفة ومتنوعة، تختلف كل جزيرة عن أخرى باحتياجاتها التنموية. كل جزيرة أصبحت تناضل وحدها في مقاومة أمواج المستوطنات وعاصفة المستوطنين. هل تذكرون كيف كان يتنقل المستوطنون في فترة الانتفاضة الأولى بالضفة الغربية وكيف يتنقلون الآن بين المدن الفلسطينية ؟! أصبحنا نحن من يشعر بحالة الخوف إذا ما تنقلنا بين المدن والقرى.. أصبحنا نخشاهم ونغير الطرق بناءً على مزاجهم العقائدي!!
وبعد كل هذا تعلن حركة "حماس" موافقتها على قيام دولة فلسطين على حدود الرابع من حزيران لعام 1967، والمبكي أيضاً أننا ما زلنا نقف كالأصنام دون أن نتوجه إلى المؤسسات الدولية ونخوض إستراتيجية نضالية ودبلوماسية، وحتى تكون الصورة واضحة نحن لا نقف على أرضية ثابتة، ما جعل الموج يأكل أراضينا ويستبيح كل ما بقي منها؛ ومن ناحية أخرى ما يقوم به جيش الاحتلال بحماية قطعان المستوطنين عندما يشنون هجومهم على منازلنا ليلاً خلق حالة من عدم الأمان والاستقرار في الجُزُر الفلسطينية.
إن فعل البناء والهدم كمنهج سياسي عام لجميع الحكومات الإسرائيلية المستند على الإدارات الأميركية المتعاقبة؛ جعل من حلم التحرير وتقرير المصير الفلسطيني عبارة عن جُزُر متناثرة لا يربطها سوى الشعور الوطني، هذا الهدم الممنهج بأشكال وأدوات مختلفة من خلال التدمير كما حدث ويحدث في قطاع غزة، أو باسم القانون _الكولونيالي_ القدس نموذجاً، والفكر الاستيطاني - الجدار نموذجاً، لم يقابل بفعل فلسطيني لإيقاف عملية البناء في المنظومة الكولونيالية من قبل القيادة الفلسطينية بجميع أطيافها، على الرغم من أن الشعب/الشعوب الفلسطينية لم تتأخر بتضحياتها بآلاف الشهداء والأسرى والجرحى. لدرجة أنني بدأت أشك بأن الواقع الحالي، نموذج الجُزُر الفلسطينية، هو طموح ممنهج لدى البعض، وهذا ما بدأ يتم تسريبه في الإعلام الإسرائيلي واللقاءات الأكاديمية ضمن مفهوم الإمارات الفلسطينية!!