من دمشق إلى لندن: قوس الدم يغطي وجه العالم !

رجب أبو سرية.jpg
حجم الخط

لم يكن أحد يتوقع أن يضرب «الإرهاب» العاصمة البريطانية، ذلك أن المملكة المتحدة، لا تعتبر ومنذ وقت طويل، رأس حربة، أو صاحبة قرار، ولا في أي شأن دولي، وربما ما يرجح ما نقول به، هو أن الحادث نفسه، الذي استهدف مقر البرلمان البريطاني، لم يكن عملا إرهابيا مخططا له على مستوى عال، من حيث أن التنفيذ كان فردياً، وتم استخدام السلاح الأبيض خلاله، كذلك استخدام « الدهس « بالمركبة، والأهم انه استهدف البرلمان، وليس تجمعا سكانيا مثلا، وذلك في نفس اليوم الذي كان يعتبر فاصلا في مسيرة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.
المهم أن الحادث قد صرف الأنظار _ ولو قليلا _ عن تطور ميداني في غاية الأهمية، حدث في اليوم نفسه، أو قبله بساعات فقط، حين بدأ هجوم المعارضة السورية فجأة على العاصمة، دمشق، بما يعني بأن فصول الحرب في سورية لم تنته بعد، لا ميدانياً ولا عبر جنيف ولا الأستانا، ويعتبر الأمر مفاجئاً لكل مراقب، نظراً لتطورات الأشهر الأخيرة، التي كانت شهدت «تقدم» قوات النظام، على أكثر من محور من محاور القتال، لعل أهمها كان إعادة السيطرة على حلب المدينة الثانية من حيث الأهمية بعد العاصمة.
فجأة ودون سابق إنذار، كانت قوات المعارضة، تدخل إلى قلب دمشق، وتفتح جبهة، ليس على طريقة «أضرب واهرب»، ولا على شاكلة عملية عسكرية، انتحارية أو ما شابه، بل على شكل عملية تحرير للعاصمة، أي قتال من اجل السيطرة، حيث كان القتال شرسا، ويجري بين المتقاتلين عن قرب، وفي إطار أمتار مربعة قليلة، ما اظهر هشاشة النظام الذي ظهر بقوة في حلب ومن ثم في حمص، على طريق إعادة السيطرة على كل البلاد، وإخراج المعارضة من معاقلها السنية، وإجبارها على التحول إلى حرب العصابات، التي تعتمد تكتيك اضرب واهرب، الذي يبعد كثيرا بالمعنى الزمني لحظة إسقاط النظام، إلى أمد بعيد. لقد اظهر أن النظام في الحقيقة، ورغم كل ما يتلقاه من دعم ميداني إيراني / روسي / حزب الله، ليس أكثر من نظام هش، آيل للسقوط في أية لحظة، بل إن سقوطه مرهون بالتوصل لاتفاق أممي / إقليمي، على مرحلة ما بعد سقوطه، لا أكثر ولا أقل.
وهذا مربط الفرس، أي أن الحل في سورية، بات أكثر من أي ملف إقليمي آخر، حتى أكثر من الملف الليبي، بات رهنا بالتوافق أو الاتفاق الدولي / الإقليمي، خاصة وان معارك الشمال، التي انتهت _ تقريبا _ بتحقيق معظم الدول الإقليمية والدولية أهدافها، وإن كانت بعض التفاصيل ما زالت عالقة، ويظهر هذا من خلال وجود تشابك حول « منبج « حيث تتواجد القوات الأميركية والروسية، داخل المدينة، حيث تحولت القوات الأميركية خاصة إلى قوات عازلة بين القوات التركية والقوات الكردية، حيث لا احد يوافق أو يتفق أو حتى يعرض « عودة « قوات النظام السوري، ولا قوات المعارضة السياسية.
في سورية اتفق المتحاربون، خاصة على المستوى الدولي، على محاربة « داعش « لكنهم ما زالوا مختلفين على التفاصيل، وفي الخلفية، لا يبدو أن « مخرجي « المسرحية العسكرية، متشبثون تماما، كما هو حال حلفائهم بتحقيق أهداف هؤلاء الحلفاء، بقدر ما هم مهتمون بتحقيق أهدافهم هم، فمثلا روسيا التي منع تدخلها في تشرين من العام 2015 سقوط نظام بشار الأسد، لا تبدو متشبثة ببقاء النظام، أو رأسه على اقل تقدير، بقدر ما هي مهتمة ببقاء قواتها العسكرية في قاعدة حميميم، وفي الشمال لتمنع  « فيروس « الجماعات الإسلامية المتطرفة من الوصول إلى بلادها في الشيشان وغيرها، كذلك الولايات المتحدة، لا تبدو أنها مصرة على تحقيق الهدف الذي يريده حلفاؤها الميدانيون، ولا حتى حلفاؤها الإقليميون بالإصرار على إسقاط النظام ورأسه بشار الأسد، بل يبدو أنها مهتمة أكثر، بالحفاظ على « حقوق « الأقليات، والذهاب بعيدا بإقامة نظام إقليمي جديد، يقوم على أساس إقامة الدويلات الطائفية أو _ على الأقل _ إقامة فدراليات عرقية وطائفية تحاكي نظامها السياسي الفدرالي، ويثبت هذا التقدير ما قامت بإرسائه من نظام سياسي في العراق بعد صدام، وما تقوم به من اهتمام خاص بأكراد سورية.
هذا ما يظهر على طاولة الشطرنج السياسي / العسكري، أما في خلفية المسرح، فيبدو أن ما يجمع جامعي خيوط السيرك الدولي في سورية هو أمر آخر، ذلك أن التقارير الدولية تشير إلى أن حجم المبيعات من الأسلحة قد تضاعف خلال الخمس سنوات التي مضت، بما لم يسبق له مثيل منذ الحرب الباردة، التي كانت تشهد سباق التسلح وحرب النجوم، وان منطقة آسيا واوقيانوسيا تستحوذان على ما نسبته 43 % من الواردات العالمية من الأسلحة التقليدية، فيما تمثل كل من الولايات المتحدة وروسيا، على التوالي أول وثاني مورد عالمي للسلاح.
أي انه باختصار اجتمعت مصالح الدول العظمى ومحاور الإقليم على إبقاء المنطقة العربية، بدولها الأساسية، في حالة ضعف وتحت السيطرة، فمن خلال الحرب يتحقق أمران معا، تحطيم دول القوة _ العراق، سورية  _ واستهداف القوة المصرية واستنزاف أموال دول الخليج، ومن ثم وبعد تحقيق تحطيم دول القوة، يتم السطو مجددا من خلال عمليات إعادة البناء والأعمار على ما تبقى من ثورة مالية ناجمة عن تصدير النفط، وهكذا، يتكالب أقطاب القوة الكونية، ومراكز القوة الإقليمية، كل للظفر بنصيب له من « لحم « الأمة العربية.
كل هذا يحدث ليظهر إلى أي مدى وصل إليه النظام العالمي الجديد، أي المقام بعد الحرب الباردة من انحطاط، حقق فصله الأول في أوروبا الشرقية قبل عقدين ونصف من السنين، ويحقق فصله الثاني في الشرق الأوسط منذ سنوات، بقوة الدم الذي يغطي وجه العالم بأسره الآن، فيما تزداد الفجوة بين الأثرياء والفقراء اتساعا وبسرعة الصاروخ، حيث أن الأرقام العالمية التي تظهر هذا الأمر تثير الرعب في كل إنسان يحلم بالمساواة وبتحقيق العدالة بين البشر.