مع انقضاء صلاة الجمعة تنفتح قريحة المصلين على باب المسجد لتناقش قضايا متنوعة أهمها السؤال عن الحال والأحوال وجمال الطقس، الا ان الغريب هو عدم طرق موضوع الانتخابات البلدية القادمة، وكأن الأمر لم يعد مهماً لأي كان، حتى ولو من باب المباهاة ان أصواتنا ستغير الواقع، فتقييم جودة الجراب الذي يباع على البسطة بات مثاراً للجدل بين من ابتاع ومن تردد بحجة الجودة، وكان احدهم يناقش بقوة لماذا لم يكملوا حديد الحماية على مطلع درج المسجد واكتفوا بنصف المسافة.
وفي زاوية أُخرى بعد انقضاء صلاة الجمعة كان النقاش محتدماً حول مفهوم «الناس البور»، المختص والفاهم يقول هم أصحاب الظن السوء، يتفننون بمهنية عالية في تجسيد غياب الأمل، لسان حالهم يقول البلد بتوقع، لن ينجح اي مشروع وسيغلق ويروح، لا تجتهد ولا تتابع لا شيء يستحق.
المتفائل كان لسان حاله يقول لا بد ان ترسم صورة جميلة للحياة وتعمل على تحقيقها، لا تسوّد الدنيا في وجه إنسان، وفلان ما بعمل خير بدون مقابل تشكيك رخيص.
المرعب ان دائرة «الناس البور» تتسع وتتسع لتصبح هي الأصل، وتصبح لها نظرياتها وفلسفتها ورؤيتها، وتمتد تلك الفئة بالضغط والتأثير لتخويف صانع القرار من أي قرار حتى يحافظ على نظافة اليد، فيشل قدرته على الحراك حتى لا يخطئ، فيصبح يرى الامور تتطور ويقف موقف المتفرج للحفاظ على نزاهته دون اي تدخل، وعندما ينتقد غياب المسؤول في اللحظة الصعبة في القطاع المسؤول عنه يقال إن الرأي العام المنتقد لديه أجنداته ولا شغل لهم الا انتقادي، ويغيب الإجراء ويستمر الوضع على حاله والنقد الموضوعي والمطالبة على قاعدة الضغط والتأثير مؤامرة!!!!!!!!!!!!!!!!
«الناس البور» يتعاملون مع العمل العام والمسؤوليات والإشراف على قاعدة «لا يكيد المرء الا إحضار من يناكفه» و»لا يحل الأمور في المنزل الا الزواج الثاني بهدف المكايدة». وينسون مسؤولياتهم الإشرافية ودورهم كضابطة قضائية، وبينما هم منشغلون هناك من ينشر على امل مناشدة مدفوعة الأجر في الإعلام ليعلنوا «عن ضرورة واهمية منع تهريب الدواجن وضبط سعر الصوص اللاحم «، ويعقد اجتماع لبحث سبل منع التهريب في محافظات منافسة في انتاج الصوص اللاحم وبيض التفقيس، ومن ثم يقال: ليش معترض على استيراد الدواجن من السوق الإسرائيلي ما كل شيء من عندهم «مصدر مسؤول».
متلقي الشكوى وبحكم مسؤولياته مسؤول عن حلها، سواء الغذاء الفاسد او منتهي الصلاحية أو غير المطابق للجودة، لا يكتفي بمكالمة على خط الشكاوى ورسالة بريد الكتروني وشكوى عبر الفاكس بل يريد المزيد من التفاصيل، وبعد ثلاثة اشهر يعود المشتكي ليعلن استسلامه ويلقي باللائمة على نفسه انه اشتكى أصلاً.
بعيداً عن الوعظ والإرشاد، اليوم باتت درجة الوعي متقدمة والقدرة على الحكم على الأمور اكثر منطقية، وهناك أطر قادرة على ممارسة الضغط والتأثير للتعبير عن مطالبات مجموعة تمثلهم وتضمهم في عضويتها، وتمثلهم بحكم القانون دون توكيل، ولو جاملت مسؤولا ولم تقف لتحتج لكانت النتائج سلبيةً، لأن تلك الأمور ستكون على حساب إحقاق حقوق المستهلك التي هي واجبة النفاذ من قبل المسؤول، وهناك قضايا تُركت لحكمة ذات المسؤول، فكانت النتيجة ان أسعار اللحوم الحمراء مرتفعة وإسطوانات الغاز المتهالكة تسبب مشكلة لجهات السلامة العامة، وسيارات النقل غير المرخصة عمومي مصيبة جديدة، لأن احدا لم يضغط كما أتاح لنا القانون ان نضغط.
يجب ان يكون واضحاً ان حقوق الإنسان وحقوق المستهلك تتيح للأطر التمثيلية ان تقوم بدورها ولا يجوز ان تسجل قضايا صامتة ضد رموزها في حياتهم اليومية دون ان تظهر الأمور مباشرة، فتارة يقال لرب عمله اضغط عليه، وتبقى مصادقة الرئيس محمود عباس على مواثيق ومعاهدات دولية جلها يتعلق بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية ضمانةً رئاسية فلسطينية، وفي ذات الوقت معياراً دولياً يُعتدُّ به.