الاتفاق ممكن فقط بتغيير الرواية الفلسطينية

20170404094442.jpg
حجم الخط

استطلاع الرأي العام الذي أجرته د. مينا تسيمح من مركز القدس لشؤون الجمهور والدولة، حول مواقف الجمهور اليهودي الاسرائيلي تجاه الصراع مع الفلسطينيين، يشير الى تراجع كبير في تأييد صيغة كلينتون للحل – أي اقامة دولة فلسطينية منزوعة السلاح وتقسيم القدس.
في الوقت الذي أيد فيه في العام 2005، 55 في المئة اقامة الدولة الفلسطينية وتقسيم القدس، يؤيد ذلك الآن 29 في المئة. 69 في المئة لا يؤمنون بأن المفاوضات ستؤدي الى اتفاق في السنوات القادمة، مقابل 29 في المئة يعتقدون أن هذا ممكن. 57 في المئة يعارضون اقامة دولة فلسطينية حتى مع بقاء الكتل الاستيطانية تحت سيادة اسرائيل، مقابل 37 في المئة يؤيدون. 77 في المئة يعارضون الدولة الفلسطينية على كل مناطق يهودا والسامرة مقابل 17 في المئة يؤيدون. 71 في المئة يؤيدون اشتراط اتفاق السلام بالاعتراف الفلسطيني باسرائيل كدولة قومية للشعب اليهودي، في الوقت الذي يعتبر 20 في المئة أن هذا الاعتراف ليس هاما. 81 في المئة يعطون أهمية لاستمرار سيطرة اسرائيل الامنية على غور الاردن في أي اتفاق، وفقط 8 في المئة يقولون إن هذا غير هام. بالنسبة للقدس، 41 في المئة يؤيدون نقل الاحياء العربية في المدينة للسيادة الفلسطينية في اطار الاتفاق، و50 في المئة يعارضون. 83 في المئة يعارضون نقل السيادة على الحرم من اسرائيل الى الفلسطينيين.
في الجانب الفلسطيني، في المقابل، تستمر الجهود لتعزيز الرواية القائلة إنه لا يوجد شعب يهودي وأنه لم يسبق أن كانت له سيادة حقيقية في ارض اسرائيل، لذلك فان الفلسطينيين هم اصحاب الحق على كل البلاد. الصراع الذي يخوضونه ضد الصهيونية هو صراع مشروع للتحرر القومي وهو ليس ارهابا. وقد عاد محمود عباس وطرح اثناء زيارته في برلين أن الفلسطينيين هم استمرار للكنعانيين، وأنهم يطالبون بريطانيا بالتراجع عن وعد بلفور.
السلطة الفلسطينية ما زالت تدفع رواتب المخربين المعتقلين في اسرائيل، وعائلات القتلى، بما في ذلك المخربون الذين قتلوا اثناء الصراع ضد الصهيونية. هذا على الرغم من تقدم عملية التشريع في الكونغرس التي تشترط استمرار تقديم المساعدات الاقتصادية بالتوقف عن هذه الدفعات، ورغم أن وزير الدفاع اعتبر «الصندوق القومي الفلسطيني»، الذي يدفع باسم السلطة، منظمة ارهابية.
بدون تأييد الجمهور الاسرائيلي للحل الذي يجيب على الحد الادنى من مشكلات الفلسطينيين (دولة مستقلة على معظم الاراضي التي احتلت في 1967 وعاصمتها شرقي القدس بما في ذلك الحرم، وحل مشكلة اللاجئين – كل ذلك بدون الاعتراف باسرائيل كدولة قومية وديمقراطية للشعب اليهودي، أي بدون انهاء الصراع بشكل حقيقي)، من الصعب رؤية كيف يمكن التوصل الى اتفاق. ويشير استطلاع د. مينا الى أن الجمهور اليهودي في اسرائيل اصبح أكثر تشككا في نوايا الفلسطينيين وأكثر ادراكا للأخطار الامنية التي يشكلونها والتي هي نتيجة الوضع الاقليمي. أبو مازن يدرك هذا التوجه، ومن اجل عدم تصاعده، استنكر قبل سنة جميع عمليات الدهس والطعن خشية من توقف الوسط والوسط – يسار عن تأييد حل الدولتين، لكن ليس لشعبين، حيث أن أحدهما هو الشعب اليهودي.
على هذه الخلفية تحاول الادارة الأميركية الجديدة ايجاد طرق لحل الصراع، أو على الأقل علاجه. هناك ثلاثة خيارات هي السعي الى الحل الشامل من خلال المفاوضات المباشرة أو المفاوضات الاقليمية، واستكمال الخطوات أحادية الجانب لتغيير الوضع الراهن بدون اتفاق (سواء من خلال انسحاب اسرائيل حسب اقتراح جهات مختلفة في اسرائيل أو حسب الصيغة التي يسعى اليها الفلسطينيون، أي اعتراف اوروبا أحادي الجانب والضغط الدولي على اسرائيل من اجل تجميد البناء في المستوطنات وقبول مواقف الفلسطينيين بدون مفاوضات. أو حسب صيغة الضم التي يقترحها اليمين في اسرائيل).
إن الحفاظ على الوضع الراهن وتشجيع تغييرات موضعية، لا سيما في الاقتصاد، مع مراعاة أن كل انحراف عنه قد ينشئ وضعا أكثر خطورة، أو يعتبر هدية لرفض الفلسطينيين.
يجب أن توضح نتائج الاستطلاع للرئيس الأميركي دونالد ترامب ولمبعوثه جيسون غرينبلات، بأنه اذا كانوا يريدون النجاح في التوصل الى اتفاق شامل، فان الخطوة الاولى يجب أن تكون زيادة ثقة الجمهور الاسرائيلي بفرصة التوصل الى اتفاق كهذا، وايضا زيادة الاستعداد للتنازل. الطريقة الوحيدة لفعل ذلك هي من خلال محاولة جعل الفلسطينيين يغيرون روايتهم، والامتناع عن اجراءات أحادية الجانب في المجتمع الدولي والتوقف عن دفع الرواتب للمخربين وتصويرهم كأبطال يستحقون التقليد.
كل محاولة دولية لدعم موقف الفلسطينيين ستضر بفرص التوصل الى الحل، وتزيد من تمسك الفلسطينيين بمواقفهم. في الوقت الحالي يبدو أن الضغط الذي تستخدمه الادارة الأميركية – الذي يركز فقط على موضوع المستوطنات والامتناع عن تأييد حل الدولتين بشكل واضح ورفض استمرار الوضع الراهن – يعبر عن فهم أكبر للوضع المعقد. وقد امتنعت الادارة الأميركية ايضا عن استخدام افكار اليسار التي تبناها براك اوباما، والتي تقضي بأن الوضع الراهن يفرض على اسرائيل الحسم بين هويتها اليهودية وهويتها الديمقراطية. ودولة واحدة تضم فيها اسرائيل قطاع غزة ومناطق السلطة الفلسطينية هي امكانية حقيقية. لا يوجد شيء كهذا.
استطلاع تسيمح يعطي الادارة الأميركية صورة تعكس موقف الجمهور اليهودي في البلاد، الذي هو العامل الرئيس في رسم السياسة المستقبلية. وأنا آمل أن تستخلص واشنطن من هذا الاستطلاع الاستنتاجات الصحيحة.

عن «هآرتس»