حالة من الغضب الشعبي خيمت على موظفي السلطة الفلسطينية بغزة، عقب اقتطاع الحكومة الفلسطينية ما نسبته 30% إلى 40% من رواتبهم، حيث عبر موظفي السلطة بغزة عن عضبهم إزاء إجراءات الحكومة، مطالبين رئيس الحكومة د. رامي الحمد الله بالتنحي.
وقال أحد الموظفين، إنه "حصل على مائة شيكل فقط من راتبه"، مضيفاً: "راتبي 2700 شيكل وتم تقليصه إلى 1900، واليوم لا أجد إلا مائة شيكل فقط".
وأضاف خلال حديثه لمراسل وكالة "خبر"، "نحن اليوم نمر بنكسة أكبر من نكسة عام 1948م، وسنعمل على تشكيل لجنة من كافة فصائل الفلسطينية للرد السريع على سياسة السلطة".
وكانت الحكومة، قد أعلنت أمس الثلاثاء عن تنفيذها خصومات على رواتب موظفي السلطة بغزة، موضحةً أنها طالت العلاوات وجزءاً من علاوة طبيعة العمل دون المساس بالراتب الأساسي.
وأكد أحد الموظفين، على أن خصم الحكومة لرواتبهم يندرج ضمن استهتارها بقوت أطفالهم، مطالبًا بالرئيس بالتنحي عن منصبه بأسرع وقت ممكن، "فنحن ليس لنا أي ذنب في جلوسنا بالمنزل، وجلسنا التزاماً بتعليمات الرئيس".
إجراء خطير
ورفضت كافة الفصائل الفلسطينية قرارات الخصم التي طالت رواتب الموظفين، مطالبةً بالتراجع الفوري عن قرار الاستقطاعات الغير قانونية والعمل على إعادة صرف رواتب الموظفين كاملة، وذلك إعمالاً لسيادة القانون وتحقيقاً للعدالة.
كما أعلنت أقاليم الحركة بالقطاع وقيادات من الحركة، عن تقديم استقالتهم بشكل جماعي، رفضاً لسياسة خصومات الرواتب، وأيضاً قطع رواتب العشرات من أبناء الحركة الملتزمين بقرارات الشرعية.
بدوره، قال نائب أمين سر إقليم الوسطى د. سعيد الصفطاوي، إن أعضاء الإقليم قدموا استقالتهم من كافة مهماهم التنظيمية، احتجاجاً على مجزرة الحكومة بتنفيذ خصومات كبيرة على الرواتب.
الخلاف مع دحلان
وقال أحد الموظفين، إن هذا الإجراء أراد من خلاله الرئيس أن ينتقم من النائب بالمجلس التشريعي محمد دحلان، متسائلاً "ما الذنب الذي اقترفناه لكي ينتقم الرئيس من دحلان بقوت أطفالنا".
وأضاف: "لو كان للرئيس خصومة مع دحلان، لا يعني للموظفين بشيئ، وأهل غزة مسؤولين من الرئيس وهو المسؤول عنها، بصفتك الرئيس الشرعي للشعب الفلسطيني".
وأوضح موظف آخر، أن هذا القرار ليس فلسطينياً، مستدلاً بذلك استقالة أعضاء قيادة حركة فتح وأقاليمها، الأمر الذي يدل على أن الرئيس سلطوي ويتخذ القرارات بشكل منفرد.
مراقبون: خصومات الرواتب تُسهم في انفصال غزة عن الضفة
وفي هذا السياق، قال المحلل السياسي وأستاذ العلوم السياسية بجامعة الأزهر د. ناجي شراب، إن خصومات الرواتب التي طالت موظفي السلطة بغزة، تندرج ضمن أزمات غزة المتراكمة، وتداعيات الانقسام السياسي، الأمر الذي أوجد اشكاليات غير متوقعة ومفاجئة لسكان القطاع.
من جهته، اعتبر المحلل السياسي وأستاذ جامعة الأمة د. حسام الدجني، أن هذا القرار عنصري من الدرجة الأولى، كونه يميز بين موظفي الضفة الغربية وقطاع غزة، مضيفاً أن هذا الأمر من شأنه أن يخلق ذرائع لحركة حماس التي شكلت لجنة إدارية في غزة.
وكانت الحكومة، قد أعلنت أمس الثلاثاء عن تنفيذها خصومات على رواتب موظفي السلطة بغزة، موضحةً أنها طالت العلاوات وجزءً من علاوة طبيعة العمل دون المساس بالراتب الأساسي.
الرواتب حق طبيعي
وأشار شراب إلى أن رواتب موظفي السلطة بغزة حق طبيعي لا يمكن المساس به أو اقتطاعه، كونهم لا يتحملون وزر الانقسام والمشاكل السياسية، ولم يتركوا عملهم بمحض إرادتهم، وإنما بطلب من الرئيس والحكومة.
وأكد الدجني على أن هذا القرار له أبعاد سياسية واقتصادية واجتماعية، ترتبط بشكل وثيق بالفصل بين الضفة الغربية وقطاع غزة وبضغوطات دولية وفقاً لحديث عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير أحمد مجدلاني خلال تصريحاته اليوم، مشدداً على أن هذا القرار يناقض أبسط قيم النزاهة والعدالة.
أسباب الإجراء المفاجئ
وأوضح شراب أن توقيت القرار خاطئ، حيث كان من الأفضل للحكومة دراسته بمزيد من الشمولية والحيادية، وذلك بسبب أنه جاء تباعاً لتصريحات الرئيس عباس، بأن هناك لجنة إدارية في قطاع غزة عليها أن تقف عند مسؤولياتها.
وأكد الدجني، على أن قرار الحكومة مرتبطة بترتيبات تجري في المنطقة، تهدف إلى الفصل بين الضفة والقطاع وإقامة دولة مستقلة بغزة، موضحاً أن الخصومات التي طالت موظفي غزة مفتعلة لأنها استثنت موظفي الضفة، ولا تدخل ضمن سياق الأزمة المالية التي تعاني منها السلطة.
ولفت شراب إلى أن إدارة حماس للقطاع وتشكيل اللجنة الإدارية، كان سبباً مباشراً في الأزمة، متسائلاً "هل هذا مبرراً من الحكومة لقيام بهذا الإجراء السريع بحق موظفيها بغزة؟".
الخطورة والأبعاد
وبيّن شراب، أن الخطورة تكمن على الموظف نفسه من خلال ربطها بحالة الانقسام السياسي وتقليص دور السلطة؛ أمام أهم ملف وهو الموظفين، كونه الملف شبه الوحيد الذي يربط السلطة بقطاع غزة.
ونوه الدجني، إلى أن قرار الخصومات له أبعاد خطيرة تتمثل في الانعكاسات السياسية، الهادفة إلى تعزيز الفصل بين قطاع غزة والضفة الغربية، والتخلي عن التزاماتها المتمثلة بدفع الرواتب لموظفي السلطة المدنيين والعسكريين في القطاع.
وأشار شراب إلى أنه في حال ربط القرار باستمرار حالة الانقسام السياسي ومجموعة القرارات المختلفة، فإن ذلك سيؤدي إلى تقليص دور السلطة والحكومة بشكل مباشر في قطاع غزة، وبالتالي تعميق انفصال واستقلالية قطاع غزة عن الضفة، كمقدمة للانفصال الاقتصادي.
وشدد الدجني على أن استمرار قرار الخصومات، سيخلق أزمات اجتماعية واقتصادية خطيرة، من خلال تراكم الديون والالتزامات المالية للموظف، الأمر الذي سيؤثر سلباً على عجلة الاقتصاد في قطاع غزة.
وأكد شراب، على أبعاد القرار الاجتماعية الخطيرة، والتي من الممكن أن تصل إلى العنف وانتشار الجريمة، عدا عن التفكك الأسري وتزايد حالات الانتحار، ما ينكس سلباً على قطاع غزة، بالإضافة إلى البعد الاقتصادي الذي سيؤدي حتماً إلى إضعاف القدرة الشرائية للموظفين، بعد أن كانوا يشكلون قوة شرائية بالقطاع غزة، ويعود بالسلب أيضاً على المشاريع الاقتصادية في غزة الراكدة بالأساس.
تدارك الأزمة ومعالجة تداعياتها
ودعا شراب إلى إعادة تقييم قرار الحكومة بشكل أوسع، مؤكداً على حق موظفي السلطة في رفع قضية أمام المحكة الدستورية، للطعن بقانونية القرار، بالإضافة إلى تفعيل دور منظمة التحرير، بالإضافة إلى العمل على تكوين دور سياسي من الفصائل المختلفة، رفضاً للقرار الجائر.
كما طالب الدجني العقلاء في الحكومة والسلطة الفلسطينية، بالتراجع عن القرار وإيجاد حلول سريعة للأزمة، خاصة أنه لا يمكن التعاطي مع أزمات موظفي قطاع غزة، دون الضفة الغربية.
وحذر شراب، من اللجوء إلى الوسائل القمعية كالمظاهرات والاحتجاجات والتصريحات العلنية الغاضبة، مؤكداً على خطورة الأبعاد السياسية والاقتصادية للقرار، من حيث الاسهام في انفصال قطاع غزة عن الضفة الغربية.
ويشار إلى أن حكومة الوفاق برئاسة الدكتور رامي الحمد الله، نفذت مجزرة بحق رواتب موظفي السلطة بغزة، واستقطعت ما نسبته 40% من الرواتب، الأمر الذي رافقه ردود فعل شعبية ورسمية واسعة.
وعقبت الحكومة، بالقول: "إن الخصومات جاءت بسبب الحصار المالي الخانق المفروض على فلسطين، بالإضافة إلى انعكاسات آثار الانقسام وإجراءات الاحتلال الرهيبة"، إلا أن العديد من المراقبين رفضوا تلك المبررات، مستدلين بذلك على أن الخصومات طالت موظفي غزة فقط دون الضفة الغربية.