لماذا لا يُمْكِننا رؤية الكون بكُلِّيته؟

Jwad-AlBashiti.jpg
حجم الخط

 

عملا بفرضية “البُعْد الرابع للمكان (Hyperspace)”، يمكن مغادرة كَوْننا إلى كَوْنٍ آخر؛ فالسَّيْر في هذا البُعْد فحسب هو الذي ينتهي بكَ إلى كَوْنٍ آخر. والسَّيْر في هذا البُعْد له ما يشبه المَرْكَبَة الخاصَّة به؛ وهذه المَرْكَبَة قد تكون من “الجاذبية”، وقد تكون من “السرعة”؛ فثمَّة مواضِع في فضائنا الكوني استثنائية لجهة شِدَّة جاذبيتها، فإذا دَخَلْتَ في أحدها قد تغادِر الكون إلى كون آخر.
إذا كنتَ في داخل قريتكَ فإنَّكَ لن ترى قريتكَ كلها؛ فَلِتراها كلها ينبغي لكَ أنْ تخرج منها، وأنْ تَقِف، مثلًا، على قِمَّة جَبَلٍ مجاورٍ لقريتكَ.
وإذا أردتَّ أنْ ترى كوكب الأرض كله فينبغي لكَ أنْ تغادره، وأنْ تَنْظُرَ إليه من على سطح القمر مثلًا.
وإذا أردتَّ أنْ ترى المنظومة الشمسية كلها (الشمس وكواكبها) فينبغي لكَ أنْ تغادِرها إلى نقطة ما في الفضاء بين نجوم مجرَّتنا (مجرَّة “درب التبانة”).
وإذا أردتَّ أنْ ترى مجرَّتنا كلها فينبغي لكَ أنْ تغادِرها إلى نقطة ما في الفضاء بين المجرَّات التي تؤلِّف مع مجرَّتنا عنقودًا واحدًا في فضاءٍ كوني يضمُّ بلايين العناقيد، أو عددًا لا يُحْصى منها.
وإذا أردتَّ أنْ ترى عنقودنا كله فينبغي لكَ أنْ تغادره إلى نقطة ما في الفضاء الكوني، أيْ الفضاء بين عناقيد المجرَّات.
ماذا تريد أنْ ترى بَعْد؟
كأنِّي أسمعُكَ تقول: “أُريد أنْ أرى الكون (أيْ كَوْننا) كله”.
وقياسًا على ما تَقَدَّم، تقول: “ينبغي لي أنْ أغادِر الكون حتى أراهُ بكُلِّيته من الخارج”.
كلَّا، لن تراه كله؛ فالطريقة التي اتَّبَعْناها مِنْ قَبْل لا تَصْلُح الآن؛ لأنْ ليس للكون “خارج” حتى ترى منه الكون بكلِّيته. الكون (كَوْننا) له “داخِل” فحسب؛ فهو لا يشبه بالونًا مُنْتَفِخًا مُعَلَّقًا (أو يسبح) في “فضاءٍ آخر”.
هل مِنْ وجود لـ”أكون أخرى”؟
الجواب: “لا نَعْلَم”، أو “رُبَّما”، أو “لا بُدَّ”.
وعلى افتراض وجود كَوْن آخر (أو أكوان أخرى) فهل يُمْكِننا الوصول إليه؟ وكيف؟
كَوْننا له ثلاثة أبعاد (طول وعَرْض وارتفاع). إنَّها أبعاد المكان؛ ونضيف إليها بُعْدًا رابعًا (يتَّحِد مع الأبعاد الثلاثة اتِّحادًا لا انفصام فيه أبدًا) هو “الزمان”.
تَخَيَّل أنَّكَ الآن موجود في نقطة ما من الفضاء الكوني؛ وَلْنَقُلْ إنَّكَ موجود في نقطة ما في الفضاء بين عناقيد (أو زُمَر) المجرَّات. لقد قَرَّرَتَ أنْ تنطلق من هذه النقطة مغادِرًا الكون، لتراه كله من نقطة ما في خارجه.
وَلْنَفْتَرِض أنَّكَ ستسير بسرعة تُقارِب (لا تَعْدِل ولا تتجاوز) سرعة الضوء التي هي 300 ألف كيلومتر في الثانية الواحدة؛ وَلْنَفْتَرِض أنَّكَ ستسير في خطِّ (مسارٍ) مستقيم استقامة تامة، وأنَّ اتِّجاه سَيْرِكَ سيكون “إلى الأمام”؛ فما هي النتيجة النهائية؟
بصرف النَّظَر عن الزمن الذي ستستغرقه رحلتكَ (لمغادرة الكون) ستكون النتيجة النهائية هي عودتكَ إلى النقطة التي منها انطَلَقْتَ في رحلتكَ.
وستَصِل إلى النتيجة نفسها لو سِرْتَ “إلى الخلف”، أو “إلى اليمين”، أو “إلى اليسار”، أو “إلى أسفل”، أو “إلى أعلى”؛ فلا مَخْرَج لكَ من الكون!
ومع ذلك، لا تيأس؛ فلا بدَّ من وجود طريقة ما لمغادرة كَوْننا إلى كَوْن آخر؛ لا بُدَّ من وجودها؛ ولا بُدَّ، في الوقت نفسه، من عدم مخالفة مبدأ “لا خارج للكون”!
عملًا بفرضية “البُعْد الرابع للمكان (Hyperspace)”، يمكن مغادرة كَوْننا إلى كَوْنٍ آخر؛ فالسَّيْر في هذا البُعْد فحسب هو الذي ينتهي بكَ إلى كَوْنٍ آخر.
والسَّيْر في هذا البُعْد له ما يشبه المَرْكَبَة الخاصَّة به؛ وهذه المَرْكَبَة قد تكون من “الجاذبية”، وقد تكون من “السرعة”؛ فثمَّة مواضِع في فضائنا الكوني استثنائية لجهة شِدَّة جاذبيتها، فإذا دَخَلْتَ في أحدها قد تغادِر الكون إلى كون آخر.
كيف نَفْهَم هذه المغادَرَة؟
عُدْ الآن إلى منزلكَ في القرية، وتخيَّل أنَّ منزلكَ لا نوافذ له؛ فأنتَ لا ترى إلَّا ما يَقَع في داخل منزلك. وثمَّة منزل يَبْعُد عن منزلك بضعة أمتار؛ وهو، أيضًا، لا نوافذ له.
فجأةً، وفي طريقة ما، وَجَدتَّ نفسكَ في داخل المنزل الآخر؛ لقد انتَقَلْتَ (في ما يشبه الطريقة السِّحْريَّة) من داخل منزلكَ إلى داخل منزل آخر؛ ولن يكون في مقدوركَ أنْ ترى منزلكَ الأوَّل (بكُلِّيته) من داخل المنزل الآخر؛ فلا نوافذ لهذا المنزل أيضًا.
وكل كَوْن من الأكوان (ولو كان لدينا عدد لا يُحْصى من الأكوان) له داخل، وليس له خارج؛ والانتقال من كَوْنٍ إلى آخر إنَّما يعني الانتقال من داخِل كَوْنٍ إلى داخِل كَوْنٍ آخر، وبغتةً؛ فـ”لحظة الانتقال (من كون إلى آخر)” مع موضع الانتقال لا تُمثِّل “زمانًا ـ مكانًا ثالثًا”، أو منفصلًا عن الكَوْنَيْن.
قد تُغادِر كوننا إلى كون آخر؛ لكنَّكَ لن تَجِدَ نفسكَ أبدًا في خارج كوننا؛ لأنْ ليس له خارج؛ فأنتَ إنَّما انتَقَلْتَ من داخل كوننا إلى داخل كون آخر بغتةً؛ ولن ترى أبدًا كوننا بكُلِّيته من الخارج.