«حماس» تحاول «تسويق» نفسها دولياً

111214062704v2KB.jpg
حجم الخط

 في نهاية آذار الماضي، أثناء مؤتمر «الزيتونة» في بيروت، أفاد رئيس المكتب السياسي لـ»حماس»، خالد مشعل، ان المنظمة تعد ورقة عمل تطرح الرؤيا السياسية – الاستراتيجية للمنظمة. وفي ضوء دروس العام 2016، ستشكل علامة طريق لسياسة «حماس» في 2017 وستتناول «مشروع المقاومة». في هذه الاثناء، يعنى مسؤولو «حماس» بتسريب تفاصيل عن مضمونها، وأبرزها الاعلان بشأن استعداد المنظمة اقامة دولة فلسطينية في حدود 1967. وأمر مشوق آخر هو «الانعطافة الدراماتيكية» في سياسة «حماس» في كل ما يتعلق بالدول العربية المحيطة وتجاه الغرب واسرائيل. ومع ذلك، فان فتات المعلومات عن الوثيقة لم توضح اذا كان هذا تغييرا لميثاق «حماس» الذي يعود للعام 1988 أم وثيقة استراتيجية ملتوية، مرافقة للميثاق وليست مكانه – الامر الذي يقلل من شدة «الانعطافة الدراماتيكية». ان الخطوط الاساس التي تتميز بها التسريبات ترسم تغييرا براغماتيا في تقويم المنظمة للوضع، قدراتها ـ وأمانيها، وذلك على خلفية أزمتها العسكرية، الاقتصادية، والسياسية. كل هذه تعكس ميلها لتحظى بالشرعية الدولية، وتحطيم المأزق والطوق الذي تعيشه المنظمة. تحرص «حماس» في البنود التي تسربها للإعلام على نفي الارتباط بـ»الاخوان المسلمين» وعدم تدخلها في شؤون الدول الأخرى، وشطب تعابير لاسامية من ميثاقها تنص على القتال ضد اليهود، وتستبدلها بالالتزام بالقتال ضد الاحتلال الصهيوني. كما تسرب ان «حماس» ستسوق نفسها من الآن فصاعدا كـ«منظمة فلسطينية للتحرير الوطني». هناك من يرون في بالونات الاختبار هذه من «حماس» بشرى دراماتيكية. مثلا، الاعلان بشأن الاستعداد للقبول بدولة فلسطينية في حدود 1967 فسر كاعتراف «دي فاكتو» (بحكم الامر الواقع) بإسرائيل وخطوة إيجابية لمصالحة مستقبلية مع السلطة الفلسطينية، ومقدمة لاقامة دولة فلسطينية موحدة في الضفة الغربية وفي غزة الى جانب اسرائيل. وهناك من يستمدون التشجيع أيضا من تغيير الصيغة اللاسامية في الميثاق، مثلما ذكر، وذلك رغم حقيقة أنه في الوثيقة الجديدة ايضا تلتزم «حماس» بمواصلة الكفاح المسلح ضد الصهاينة حتى تحرير «فلسطين» بكاملها. كما أنها ستواصل رفض الاعتراف باسرائيل وباتفاقاتها مع «م.ت.ف» او التنازل عن قسم من «فلسطين»، وبالتالي فما الذي يشجع في ذلك؟ من الواضح أن تصريحات مسؤولي «حماس» منشأها اضطرارات اللحظة التي تعيشها منظمتهم ورغبتها في كسر الحصار والضغط الداخلي المتصاعد. في هذا الاطار جاءت التسريبات موجهة للاذان الغربية التي تقاتل ضد منظمات الارهاب الاسلامي العالمي، التي ولدت من رحم حركة الاخوان المسلمين، كي «ترفع الضغط» عن «حماس» نفسها. تلتزم المنظمة الآن بصيغة ملتوية – مثل السلطة الفلسطينية – بدولة في حدود 1967، وبقطع صلتها بـ»الاخوان المسلمين» ومنظمات الارهاب الاخرى وتعلن بانها «منظمة تحرر وطني» مستعدة لتقتل «فقط» صهاينة، وتدع اليهود جانبا. لا شك أن «حماس» هي منظمة براغماتية تتعلم الدروس. في إطار خطواتها هذه يفترض بمصر، وكذا الدول العربية الاخرى المحيطة بغزة، ان تهدأ بمجرد اعلان القطيعة عن «الاخوان المسلمين» ووقف المساعدة لتنظيم داعش في «ولاية سيناء»، وهكذا تحظى «حماس» بشريعة تضخ الى غزة تمويلا من مصادر دولية ومن الخليج، في ظل تجاهل اشتراطات السلطة الفلسطينية. وستفتح الحدود مع مصر على مصراعيها، كما يأملون، وستشق الطريق الى مجال المناورة والتعاظم العسكري، الاقتصادي والسياسي المتجدد. كلام خطابي جملة ردود الفعل وتيار التحليلات للخطوة المرتقبة في ضوء «التغيير العاصف» في ميثاق «حماس» تذكر بالجلبة المتفائلة التي أثارتها «المبادرة العربية»، التي اشترطت السلام مع اسرائيل بتنفيذ «التنازلات الاسرائيلية»، والتي مقابلها سيكون السلام – ومنها الانسحاب من الجولان، التنازل عن القدس الشرقية، وحل مشكلة اللاجئين «بروح قرارات الامم المتحدة» (حق العودة). ومثلما كان في حينه الآن أيضا تبرد الأحرف الصغيرة النشوى. يوضح محللون فلسطينيون مقربون من «حماس» أن هذا ليس تغييرا للميثاق و»خطوطه الحمر» المتعلقة بالكفاح المسلح، بل تغيير في الخطاب لاغراض التسويق، تعبر عن مفاهيم براغماتية ناشئة عن احتياجات المنظمة السياسية، تجربتها السلطوية والسياسية، وعن الاضطرارات التي أملت الهزائم والتغييرات الاقليمية والعالمية. وبزعمهم، فان صلة «حماس» بـ»الاخوان المسلمين» غير تنظيمية بل فكرية، لذا فلن تنفض المنظمة هذه الصلة بها. بالمقابل، يرى محللون مقربون من السلطة الفلسطينية في خطوات «حماس» الأخيرة تلاعبا هداما في خدمة اسرائيل، إذ إن التغيير الاستراتيجي الذي تقوده «حماس»، مؤخراً، بتأييدها، هو تخليد للانقسام وتأسيس لدولة «حماس» كـ»دولة فلسطينية قائمة منذ الآن». دولة كهذه، من جانب السلطة الفلسطينية، تضعف الارادة الوطنية الفلسطينية لاقامة دولة فلسطينية مستقلة موحدة في غزة وفي الضفة الغربية – والتي هي أمر مستنكر في نظر إسرائيل. بزعمهم فان الوجود «الشرعي» لإمارة «حماس» في غزة وحده هو مصلحة اسرائيلية. فدولة «حماس» لا تؤدي الى مصالحة وطنية، بل ستنزع الشرعية عن ادعاءات الفلسطينيين باقامة دولتهم وستضعف السلطة الفلسطينية. ستسمح دولة «حماس» لاسرائيل بضم القدس واقامة كيان فلسطيني مقلص وعقيم، والسيطرة الأمنية في الضفة وفي غور الاردن، وضم المستوطنات ومنع «العودة». في هذا السيناريو، فحتى إطلاق الصواريخ وقذائف الهاون من غزة على إسرائيل وردود اسرائيل المحدودة، هي مسرحية تخدم إسرائيل من خلال تكريس الانقسام الفلسطينيـ وتضع «حماس»، في المنطقة وفي العالم، كعامل استقرار، امن وردع في القطاع. معادلة المصالح المتبادلة هذه تسمح لـ»حماس» ولدول «الارهاب» الداعمة لها مثل قطر، بنقطة استناد سياسية ومادية لتبرير وجودها. وبالفعل، فان خطر التصعيد لا يحصل الا عندما تقوم منظمة ارهاب «غير منضبطة» مصدر تمويلها «مختلف» بجر اسرائيل و»حماس» الى رد عنيف غير مرغوب فيه من أي من الطرفين. وبالتالي، فان التغيير في تصنيف الحركة الى «منظمة تحرر وطني فلسطيني» تقاتل ضد الصهاينة وليس ضد اليهود»، هو تضليل وخداع، يجلس في خانة «م.ت.ف» ويعرض مكانتها التسويقية للخطر. تعود السلطة الفلسطينية وتقول: تثبيت «حماس» ضمن الاجماع العربي، الايراني والدولي، في إطار نهجها «المحسن» لا يقرب المصالحة الفلسطينية، بل يخلد إمارة «حماس» في غزة. ان غاية «حماس» في إطار الاضطرارات الميدانية وضربات الجيش الاسرائيلي هي بالاجمال تحقيق تأجيل للمواجهة لغرض الثبات والتعاظم. وهذا ما يسمى «الهدنة». وكما يقول القرآن سيتعين على «حماس» ان تعد ما استطاعت من قوة ورباط الخيل... كما في الماضي. عن «معاريف»