استدعاء كيماوي سورية ..واستدعاؤنا .!

أكرم عطا الله.jpg
حجم الخط

ربما اختصرت سيدة لبنانية على صفحتها على الفيسبوك هذا الجدل الدائر في العالم العربي المنقسم في كل شيء وآخره بالاعتداء الأميركي السافر على الدولة السورية، وهو الاعتداء الذي رحبت به إسرائيل ومعها دول عربية. كتبت تلك السيدة «لو كان تعاطي التمويل الأجنبي ظهر في عهد عبد الناصر لوجدنا المتعاطين يؤيدون العدوان الثلاثي لتحريرهم من استبداد عبد الناصر».
نعم عبد الناصر حكم بانقلاب وألغى البرلمان ولا ديمقراطية ولا انتخابات وزج الآلاف في السجون، أليست هذه تهمة كل القادة العرب التي نستلها لتبرير وقوفنا مع الأميركي ضدهم؟ وتبريرنا لضرب عواصم ومدن العرب وقتل العرب وإسقاط العرب وتحويل دولهم إلى خرابات، أتذكرون كيف تآمر البعض وكان يهلل عندما كانت الدبابات الأميركية تجتاح عاصمة الرشيد؟ كيف كان مشهد الدبابة على جسر الجمهورية وهي تدوس على كرامتنا جميعا مصدر سعادة ولحظة انتصار للفرح لبعضنا ؟
ليس هنا النقاش حول مصدر كيماوي خان شيخون، فهذا الأمر جرى بحسابات بعضُها هادئ وبعضها انفعالي أغلق كل العقول ليلقي التهمة على الأسد، والذي لو فعلها فإنه وجميع مستشاريه ليسوا مؤهلين لحكم روضة أطفال ويجب أن يزاح بسرعة، فما بالنا إذا كان هناك مستشارون روس وإيرانيون وعتاة الدولة السورية من السياسيين لأن لا حاجة للدولة السورية، لذلك بعدما اقتربت من حسم معاركها على الأرض فتلك كارثة على الدولة نفسها، ولكن كما قال المسيح من له أذنان للسمع فليسمع، وواضح أننا في هذا الزمن المقلوب سنسمع الكثير شريطة أن نغلق آذاننا بالطين والعجين ونستمع لإعلام موجه كما تريد الرواية والمصلحة الإسرائيلية.
يا الله كم كادت مذيعة التلفزيون الإسرائيلي تتقطع حزناً وهي تناشد الزعماء العرب والمسلمين التدخل لإنقاذ أطفال سورية ..! وهي نفسها المذيعة التي كانت تغطي نشرة أخبار إبادة الأطفال في قطاع غزة وتقطيعهم عندما كانت لحومهم تنصهر مع الاسمنت تحت ركام المنازل في ثلاث حروب، وما هذه الرحمة التي نزلت على نتنياهو فجأة وهو ينبري دفاعا عن الشعب السوري إلى الدرجة التي يهاتفه نائب الرئيس الأميركي مايك بينيبس ليشكره على « ضميره الحي» تجاه أبناء جيرانه وحرصه الزائد على أطفال العرب، الحقيقة يستحق نتنياهو لقب «أُم تيريزا الشرق الأوسط».
لكن الزمن تغير منذ خمسينات قومية العرب ودولة المركز والشعوب العربية الحية، عندما كانت الدول الصغيرة تعرف حجمها ولا تخرج أبعد من عباءتها إلى دول تضخمت أموالها وأرادت أن تستولي على القرار العربي بوكالة أميركية وطائرة أميركية، هكذا هو الأمر من جماهير عربية وقفت تهتف بصوت واحد ضد العدوان الثلاثي قبل بروز دول سخرت نفسها وإعلامها للترويج للعدوان الثلاثي الجديد ضد العراق وسورية، فقد مرت الشعوب العربية بأخطر عملية مسح أدمغة فشوهت المعايير ولم يعد المعيار القومي هو أداة الحكم على السياسات، بل سقطت في المعايير المذهبية والمصلحية لتتحول إلى أمة تهدم نفسها ويستخدمها المستعمر ضد نفسها.
هو نفس الأميركي الذي ألقى 76 مليون لتر من الذخائر الكيماوية على أحراش وقرى فيتنام هو الذي وقف يفطر قلوبنا بعد ضرب سورية قائلا «باستخدام غاز الأعصاب القاتل انتزع الأسد أرواح رجال ونساء وأطفال لا حول لهم ولا قوة، وكان موتا بطيئا ووحشيا بالنسبة للكثيرين، حتى الأطفال الجميلون قتلوا بوحشية في هذا الهجوم الهمجي للغاية، لا يجب أن يعاني أي من أطفال العرب مثل هذا الرب أبداً».
أية رسالة إنسانية تلك؟ يبدو أن أطفال فلسطين ليسوا أطفال الرب بالنسبة للرئيس الذي انساق خلف الهدف الإسرائيلي دون أن يفكر حتى، ودون أن يعرف ماذا حصل ومن الذي ضرب الكيماوي في دولة تكالبت إسرائيل لتجريدها منه قبل سنوات، وإذا كان الأسد قد استعمل الكيماوي ينبغي معاقبته بأكثر من ضربة عابرة لمطار عسكري.. ولكن إذا  كانت المعارضة هي من تخفي الكيماوي وقد استخدمته سابقا حينها يجب علينا نحن الشعوب العربية ان نعاقب تلك الدول التي وقفت خلف المعارضة بالتمويل والتدريب والإعلام والتحريض.
الإقليم يعاد تشكيله، والضربة الأميركية مقدمة للنزول الأميركي على الأرض في سورية، وقد تم استدعاء الكيماوي من قبل طرف ما هو آخر ما يكون النظام السوري كمقدمة لتطورات جديدة على المسرح السوري هي جزء من تطورات أكبر وعودة أميركية أكبر تنسجم مع رؤية إسرائيل التي نادت بها خلال فترة أوباما، ولكنها لم تلق آذانا أميركية صاغية، ومن يتابع مؤتمرات الأمن القومي الاسرائيلي ومخرجاتها يعرف تماما ما الذي يحدث.
الذي يحدث هو سعي اسرائيلي لتشكيل محور عربي سني ضد عدو إسرائيل الوحيد في المنطقة «ايران»، هذا باختصار ما يجري ولكن السؤال وسط هذه الترتيبات الجديدة والهندسة المتقنة، ما هو الترتيب المعد للقضية الفلسطينية؟ فليس من الطبيعي أن تفرض الرؤية الإسرائيلية نفسها حولنا ونبقى نحن الذين نخوض الصراع اليومي معها بعيدة عن هذا الصخب.. إنها فرصة لإسرائيل، فرصة نادرة بوجود إدارة متماثلة تماما معها وجاهزة لتنفيذ كل ما تخطط له ولدينا عرب على هذه الدرجة من الوهن والسذاجة.
وإن كنا لا نعرف ما الذي تخبئه لنا السياسة في قادم الأسابيع والأشهر، على الأقل يمكن أن نعرف ما الذي علينا أن نفعله وسط هذا الصراع الذي يشتد بين الفلسطينيين وهذا التمزق الهائل الذي طال كل شيء، والذي يجعل من صمودنا أمراً في غاية المستحيل بل ومعجزة..!