عندما تضايق ذبابة أسداً في الغابة يطلق الأسد زئيراً عصبياً، يرفع احدى يديه وينزلها الى المكان الذي يتوقع فيه وجود الذبابة. للأسد سلاح، وكذا للذبابة. 59 صاروخا جوالاً أطلقها ترامب نحو مسارات مطار الشعيرات لم تغير وجه الحرب الاهلية في سورية. والدليل أن أسلحة الجو لدى الاسد وبوتين واصلت قصفها لجيوب الثوار، بما في ذلك الحي الذي قُصف بالسلاح الكيميائي، الاسبوع الماضي. لقد كان القصف الأميركي عملية عقاب، وليس جزءاً من خطوة استراتيجية. فليس لادارة ترامب استراتيجية، لا في سورية ولا في اماكن اخرى في العالم. استراتيجيته هي غياب الاستراتيجية.
يصدر ترامب تغريدات عن الحرب الاهلية في سورية منذ بدايتها في العام 2011. وأعربت معظم التغريدات عن معارضة قاطعة للتدخل الأميركي في الحرب. والتغريدة الاهم في موضوعنا كتبت في حزيران 2013، بعد القصف الكيميائي السابق، الاكبر بكثير، ضد المواطنين في مناطق الثوار. فقد غرد ترامب قائلا: «نحن ملزمون بان نبتعد عن سورية قدر الامكان. فالثوار سيئون تماما مثل الحكومة. على ماذا سنحصل مقابل حياتنا ومقابل ملياراتنا؟ صفر».
وحسب أنباء نشرت في وسائل الاعلام الأميركية في نهاية الاسبوع تحول ترامب بعد أن رأى صور الاطفال الذين قُضي عليهم في إدلب. «أطفال جميلون»، كان هو التعبير الذي استخدمه. وكان التعبير اشكاليا، ولكن الصدمة كانت حقيقية.
كان هنا دافع آخر، لا يقل أهمية. فمن يومه الأول في البيت الابيض، يسعى ترامب بثبات نحو هدف واحد: أن يكون النقيض لاوباما. هكذا في التأمين الصحي؛ هكذا في تلوث الهواء؛ هكذا في انتخاب أعضاء الكابنت وتعيين القضاة في المحكمة العليا؟ هكذا في حب السعودية، النظام الذي مقته اوباما، وكذلك بشأن الرئيس المصري السيسي وحكومة نتنياهو. يخيل أنه لم يسبق أبدا ان كان رئيس أميركي عني هكذا بالتنكر للافعال، القصورات، وحتى الصورة التي لسلفه.
لقد تعهد اوباما بالعمل عسكرياً ضد نظام الاسد اذا ما وعندما يستخدم السلاح الكيميائي. وعندما استخف الأسد وقصف تراجع اوباما واكتفى بالوعد الروسي باخراج كل السلاح الكيميائي من سورية. تراجع اوباما، وسارع بوتين الى احتلال مكانه. وانتقل مركز القرارات في شؤون الشرق الاوسط من واشنطن الى موسكو.
أما ترامب فقصف، لان أوباما لم يقصف. وعلى الطريق نأى بنفسه عن انباء العلاقات السرية بين رجاله ورجال بوتين. فالشقاق مع بوتين سيجعل تحقيقات الـ «اف.بي.آي» تبدو غير ذات صلة. هذا جيد لترامب وربما جيد لبوتين أيضا.
بطبيعة الحال، تبعث عملية عسكرية من هذا النوع توقعات معينة. ما تبقى من المعارضة السورية يتوقعون الآن تدخلا أميركيا مباشرة في الحرب؛ هكذا أيضا السعوديون وحلفاؤهم السنة؛ في حكومة إسرائيل يتوقعون عمليا حربيا من ترامب ضد ايران؛ اذا كان السلاح الكيميائي يبرر اطلاق صواريخ تومهوك، فلماذا يظلم نصيب السلاح النووي.
ربما يحصل هذا وربما لا. «أنا رجل مرن جدا»، قال ترامب عن نفسه، الاسبوع الماضي. وبالفعل، فانه يظهر كزعيم مرن للغاية، فتى مطاط حقا.
ايجابا أم سلبا، يدخل ترامب زعماء العالم في فترة من عدم اليقين. ايجابا، لأن الامر يزيد مجال المناورة الأميركية. فلا يمكن لاي زعيم أن يسمح لنفسه بان يتعامل معها كشيء متوقع، كأمر مسلم به؛ في بكين أيضا، وفي موسكو وبرلين وطهران وبيونغ يانغ، عاصمة كوريا الشمالية، تحطم الحكومات رؤوسها في محاولة لفهم ترامب ولمواجهة السبب نفسه بالضبط: عالم يعيش في عدم يقيم هو عالم أخطر، متنازع أكثر، واقل استقرارا. ترامب يلعب بالنار.
عن «يديعوت»
خريف «الإخوان» والأصولية الظلامية: بوابة سورية
01 يناير 2025