وجهت الضربة الأميركية لمطار الشعيرات العسكري في حمص في سورية، الجمعة الفائتة، رسالة للروس فيها تذكير بموازين القوى وبالدور المسموح لهم به هناك.
منذ توليه منصبه، أو حتى قبل ذلك، والرئيس الأميركي دونالد ترامب في خلافات مع غالبية الأجهزة والدوائر الحكومية والسياسية الأميركية بسبب موقفه الشخصي من روسيا. لدرجة أنّ أجهزة الاستخبارات والأمن الأميركية بدأت تتصيد أي اتصال له ولفريقه مع روسيا وتحقق بها. من هنا وعلى الصعيد الداخلي الأميركي، فإنّ الضربة الأخيرة لمطار تتواجد فيه القوات الروسية، كان نوعاً من الغضب ضد موسكو؛ أنّه رغم محاولاتنا تحسين العلاقات معكم، خذلتمونا بعدم التزامكم والنظام الذي ترعونه بما اتفقتم عليه مع واشنطن. وجزء مما يحدث هو تبرئة أفراد إدارة ترامب لأنفسهم من تهمة العلاقة مع موسكو.
أرسل الطرف الأميركي تحذيرا مسبقا للروس، بأنّ الضربة قادمة، وقال متحدث باسم وزارة الدفاع الأميركية، بأن اتصالات عدة جرت مع الروس، وبحسب صحيفة "الإندبندنت" البريطانية أعطيت لهم مهلة ساعة واحدة قبل الضربة، ليتجنب الروس في المطار الضربة.
قبيل زيارته هذا الأسبوع لموسكو، أوضح وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون في مقابلات صحافية الأحد الفائت، أنّه سينتقد مضيفيه لسببين، الأول، عدم ضبطهم حليفهم السوري، بموجب تفاهمات عديدة سابقة وخصوصاً في الشأن الكيماوي. وثانياً بسبب محاولات تدخل روسية في الانتخابات الأوروبية.
قال كل من تيلرسون، ومستشار الأمن القومي الأميركي، إتش آر ماكماستر، في مقابلات تلفزيونية هذا الأسبوع إنّ هدف ضربة حمص ليس زعزعة نظام بشار الأسد، بل منع المزيد من الهجمات الكيماوية. وأوضح تيلرسون، أنّ الأولوية ما تزال القضاء على تنظيم "داعش" ثم الاتجاه لانتخابات يقرر فيها السوريون مصير الأسد.
في الواقع إنّ ما يقوله تيلرسون، هو أنّ السياسة الأميركية هي ذاتها سياسة باراك أوباما، الذي توصل في العام 2013، لاتفاق بوساطة روسية لتدمير الأسلحة الكيماوية السورية، مقابل وقف ضربة كان يجري الإعداد لها حينها. وكان التصور الأميركي مبنياً حينها على ثلاثة أسس، أولها القضاء على أسلحة الدمار الشامل، وثانيها تولي روسيا دورا في سورية للقضاء على التنظيمات "السلفية الجهادية"، وثالثا، البدء بعملية سياسية في سورية، تمنع الفوضى التي قد تعقب سقوط النظام.
لو كان أوباما في منصبه، ربما استغرق وقتا أطول في التحقيق في الضربة وإثبات مسؤولية النظام، وإذا ما أثبت ذلك قد يقوم بما قام به ترامب.
سبق القصف الأميركي، جولة جديدة من القصف الاسرائيلي لأهداف في سورية، الشهر الفائت، والفرق هذه المرة، أن مضادات جوية سورية استهدفت الطائرات المغيرة فاعترفت اسرائيل بأنها المهاجم. ولم يزد الموقف الروسي حينها عن طلب استيضاح والتعبير عن القلق أمام السفير الاسرائيلي في موسكو، وكان ذلك جزءا من التنسيق الروسي – الاسرائيلي لمنع الصدام بينهما في سورية؛ فكلٌ بموجب التنسيق القائم بينهما، يقوم بما يريد هناك، شرط عدم المساس بالآخر. ثم جاءت الضربة الأميركية، ورد الفعل الروسي الباهت، ليؤكد حقائق، أولها، أن الوجود الروسي هو لحماية النظام ضد خصومه، ولكن ليس ضد الأميركان أو الإسرائيليين. وثانيها، أنّ فارق القوة الهائل بين الطرف الروسي والأميركي، يجعل الطرف الثاني يقرر حدود الدور المسموح لروسيا، وأنّ الأهداف الثلاثة سالفة الذكر التي سمحت واشنطن بموجبها لموسكو في العمل في سورية لم تتحقق، فالأسد والإيرانيون دائمو المراوغة في الحل السياسي. وروسيا لا تعطي إنهاء "داعش" والتظيمات الشبيهة أولوية. ثم جاء موضوع الأسلحة الكيماوية، الذي يفرض على الأميركان التدخل، بغض النظر من الذي استخدم هذا السلاح.
على مدى عشرات السنوات كانت الجبهة الاسرائيلية السورية هادئة بفضل سياسات العائلة الأسدية. وقاتل الأسد مع الأميركان في محطات منها الحرب على العراق عام 1991. لذلك فإزالة هذا النظام ليس أولوية، ولكن استمرار الوضع السوري الحالي يربك الكثير من الأوراق الأميركية، لذلك تريد واشنطن توجيه رسالة أنّ استمرار المراوغات والانغلاق في المسار السياسي واستمرار القلق القادم من سورية، سيؤدي للتراجع عن التوكيل الأميركي المعطى لموسكو لترتيب الوضع السوري، وقد تطور استراتيجية يتولى الاميركيون بموجبها دورا مباشرا أكبر.
عن الغد الاردنية