غزة إلى أين؟

تقرير بين الإنذار ولغة التصعيد.. هل تنتظر "غزة" قراراً حاسماً وما هي بدائلها؟!

بين الوعيد والإنذار.. هل تنتظر "غزة" قراراً حاسماً وما هي بدائلها؟!
حجم الخط

لا يزال الحصار الإسرائيلي يُلقي بظلال كارثية على كافة مناحي الحياة "الاجتماعية والإنسانية" في قطاع غزة، جراء إغلاق المعابر الحدودية وتفاقم الأزمات المعيشية، والارتفاع الكبير في معدلات الفقر والبطالة والجريمة، عدا عن الخلافات السياسية الداخلية بين حركتي "فتح وحماس"، والتي كان لها أثراً كبيراً في تفاقم حدة الأزمات.

أجواء مشحونة وتراشق إعلامي متبادل بين حركتي فتح وحماس، عادت للأجواء مجدداً، عقب اقتطاع الحكومة برام الله جزءًا من رواتب موظفيها بغزة، الأمر الذي اعتبرته "حماس" وأوساط فلسطينية مقدمة لحصار مشدد سيفرض على غزة، في ظل الحديث عن وفد مكلف من الرئيس يضم ستة من أعضاء اللجنة المركزية لحركة "فتح"، سيزور غزة قريباً ضمن خطوات عملية أعلن عنها الرئيس لإعادة الوحدة لشقي الوطن.

في حين كشفت مصادر فلسطينية وإعلامية، أن الرئيس محمود عباس، سيتخذ إجراءات صعبة وقاسية تجاه غزة، في حال عدم استجابة "حماس" للمبادرة التي سيحملها وفد المركزية، مشيرةً إلى أن القرارات المرتقبة قد تصل إلى قطع رواتب، وإلغاء أي إعفاءات ضريبية، ووقف أي مشتريات لصالح القطاع، سواء كانت كهرباء أو وقودًا أو أدوية، وقد تنتهي بقرارات أكبر.

حركة فتح

أكد نائب أمين سر المجلس الثوري لحركة "فتح" الناطق الرسمي باسمها د. فايز أبو عيطة، حرص حركته الكبير على إنهاء الانقسام، وحل كافة المشاكل العالقة بالقطاع، مشيراً إلى أن هذا الحرص سيترجمه الوفد السداسي الذي شكله الرئيس لحوار حركة حماس في قطاع غزة.

ودعا أبو عيطة في حديث خاص بوكالة "خبر"، حركة حماس إلى ضرورة توفير الأجواء لوصول الوفد لقطاع غزة، بعيداً عن سياسة التصعيد الإعلامي التي من شأنها تعكير الأجواء على ملف المصالحة الفلسطينية.

وأضاف: "نبذل كل جهدنا لإنهاء الانقسام، كون مصلحة شعبنا ومستقبله مرتبطة بذلك".

حركة حماس

وقال المتحدث الرسمي باسم حركة حماس حازم قاسم، إن لدى السلطة والرئيس عباس رغبة بإغراق غزة برزمة من الأزمات المتتالية، والتي بدأت بفرض خصومات على رواتب موظفي السلطة، وفرض ضريبة "البلو" مجدداً.

وأشار قاسم، في تصريح خاص بوكالة "خبر"، إلى أن الرئيس يمارس سياسة التهديد والوعيد، باستخدام المزيد من الإجراءات ضد القطاع بهدف إخضاعه، وإنهاء المقاومة ولجم أي صوت معارض له، قبيل لقاءه بالرئيس الأمريكي دونالد ترامب

وأكد الناطق باسم حماس، على أن لغة التهديد التي يستخدمها الرئيس عباس تجاه أبناء الشعب الفلسطيني، يقابلها سياسية ناعمة مع الاحتلال، مبيّناً أن الضغط على القطاع يخدم مخططات الاحتلال ويمنع حكومة الحمد لله من القيام بواجباتها.

 واعتبر قاسم، أن وفد حركة فتح القادم  ليس لديه نوايا جادة، أو أهداف حقيقية بالوصول لأي تفاهمات، سوى تأزيم الأوضاع في قطاع غزة.

 وشدد على أن اتفاق المصالحة لا يتم عبر لقاءات جديدة، بل من خلال تنفيد الاتفاقيات الموقعة، واستكمال تنفيذ اتفاق المصالحة، وتفعيل المجلس التشريعي، والدعوة لانتخابات عامة، وتسلم الحكومة لمهامها.

موقف الفصائل

قال القيادي في حركة الجهاد الإسلامي أحمد المدلل، إن غزة تعتبر مخزون استراتيجي للمقاومة، مضيفاً أن ذلك لا يروق لإسرائيل وأمريكا، حيث أنهما لا يرغبان برؤية غزة قوية، علاوة على الأطراف العربية التي تسعى إلى كسر شوكة المقاومة.

بدوره، حملّ عضو المكتب السياسي للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين طلال أبو ظريفة، الاحتلال الإسرائيلي مسؤولية الحصار المفروض على القطاع منذ عشر سنوات، موضحاً أن الأزمات الأخيرة التي عصفت بالقطاع من شأنها أن تزيد من تداعيات الحصار، وأن تؤدي إلى نتائج سلبية على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية.

وأشار المدلل خلال حديثه لوكالة "خبر"، إلى أن ما يزيد الأوضاع مأساوية هو تكريس الانقسام الفلسطيني، مشدداً على ضرورة إنهاءه وإيجاد استراتيجية موحدة حول ملفي المفاوضات والمقاومة، لحل كافة الإشكاليات العالقة، وصولاً إلى تلبية طموحات الشعب الفلسطيني.

ودعا أبو ظريفة في حديث خاص بوكالة "خبر"، إلى وقف الاجراءات التي أثرت بشكل كبير على النواحي الاجتماعية في قطاع غزة، مطالباً حكومة الحمد الله بإعادة أموال موظفي السلطة بغزة، ورفع ضريبة "البلو"، بالإضافة إلى معالجة كافة الأزمات من خلال مشاركة الكل الفلسطيني، استناداً إلى ما تم الاتفاق عليه في بيروت 2017 واتفاق  القاهرة في 4/5 /2011م.

وطالب المدلل طرفي الانقسام، بتوفير الأجواء الايجابية، لخلق حوار وطني جاد لا يعتمد على الثنائية والمحاصصة، بعيداً عن أجندات فئوية من أطراف خارجية.

ورفض أبو ظريفة سياسيات التهديد من طرفي الانقسام، مؤكداً على أن الخاسر الوحيد هو الشعب الفلسطيني، الذي يعاني من ويلات الحصار الإسرائيلي المتواصل منذ سنوات.

وشدد المدلل على أن تبادل التصريحات التهديدية بين طرفي الانقسام، أمرًا غير مجدي ويؤثر على مجريات أي حوار، داعياً كافة الأطراف إلى إعادة النظر بالمشهد القائم، في ظل المآسي الكبيرة التي يتكبدها المواطن الفلسطيني ليل نها.

وأكد أبو ظريفة على ترحيب القوى الديمقراطية بوفد حركة فتح لحوار حركة حماس، معرباً عن أمله في أن تكون اللقاءات شاملة يشارك فيها الكل الفلسطيني، بعيداً عن الأجندات الخارجية.

ونوه إلى أن استمرار الأوضاع على ماهي عليه، سيؤدي إلى تفجير مزيد من الأزمات وإعلان حالة الانفصال، مؤكداً على ضرورة مراعاة الظروف السيئة والمفصلية، وعدم السماح بتأزم الأمور، من خلال حل كافة الإشكاليات السياسية والجلوس إلى طاولة الحوار.

طلاق غزة

اعتبر المحلل السياسي، أستاذ العلوم السياسية في جامعة الأزهر د. ناجي شراب، أن دائرة الأزمات المتبادلة بين حركة حماس وفتح تفتقر إلى الأسلوب العملي، لمعالجة قضايا الأزمات المختلفة وتهيئة الأجواء المناسبة، للشروع في حوار شامل وهادف مبني على الوضوح والصراحة.

وأوضح المحلل السياسي وأستاذ العلوم السياسية في جامعة الأمة د. حسام الدجني، أن السجال الحالي امتداد لحالة الانقسام والصدام بين حركتي حماس وفتح من جهة، والرئيس وحكومة حماس من جهة أخرى، مؤكداً على أنه يؤسس بشكل أو بآخر، خاصة بعد تصريحات الرئيس الأخيرة، إلى اتخاذ خطوات غير مسبوقة تدفع نحو الانفصال بين الضفة والقطاع.

وأكد المحلل السياسي، أحمد رفيق عوض، على أهمية زيارة وفد "فتح" لقطاع غزة، خاصة بعد إلغاء زيارة الرئيس للبيت الأبيض ورغبة حماس بمناقشة توجهات الوفد، مشيراً إلى الوفد سيطرح كافة القضايا مع حركة حماس، بحثاً عن تسوية تُنهي حالة الفرقة.

وأشار شراب، إلى أن إقدام حركة حماس على حرق صور الرئيس محمود عباس والحمد لله، يعبر عن حجم الغضب الذي يسيطر على الحركة، وأيضاً تحميله مسؤولية أزمات غزة والتي فاقمها خصومات رواتب موظفي السلطة.

وبيّن الدجني خلال حديثه لوكالة "خبر"، أن زيارة وفد حركة "فتح" للقطاع هامة، مضيفاً أن الأهم من ذلك محتوى هذه الزيارة، والقضايا التي سيتم طرحها، وهل ستتم بإشراك كافة مكونات الشعب الفلسطيني، بعيداً عن اللقاءات الثنائية، من عدمه.

وشدد عوض على ضرورة تشكيل حكومة وحدة وطنية، والعمل على إعادة الاتفاقيات السابقة بين الطرفين، مشيراً إلى أن بدائل التعنت من قبل الطرفين، إما اللجوء للانفصال، أو محاولة إقامة دويلة فلسطينية في قطاع غزة وضرب المشروع الوطني الفلسطيني.

ونوه شراب، إلى أن إحراق صور الرئيس بغزة، يؤدي إلى مؤشرات خطيرة حول ضعف إمكانية نجاح اللقاء المرتقب بين الطرفين، ويدفع نحو مزيد من الأزمات، وصولاً لمواجهة عسكرية مع الاحتلال، في ظل الوضع الاقتصادي السيئ، وزيادة العنف، وارتفاع نسب البطالة، وعدم القدرة على تلبية الحاجات الأساسية للمواطن في القطاع.

واعتقد الدجني، أن عدم إعلاء صوت الحكماء والعقلاء بين الطرفين، فإن الأوضاع ستؤول إلى مزيد من التصعيد والإشكاليات، التي من شأنها أن تلقي بظلال سيئة على كافة مظاهر الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية في قطاع غزة.

واستبعد عوض، لجوء حركتي فتح وحماس إلى سياسة الانفصال، وذلك نظراً لأن كلفته عالية ومضرة، وتسيئ لمستقبل المشروع الوطني الفلسطيني، منوهاً إلى أن حدوث ذلك سيؤدي إلى نكبة جديدة أخرى تضاف لنكبات الشعب الفلسطيني.

وأكد شراب، لوكالة "خبر"، على أن ما يتم الحديث عنه حول إعلان دولة بغزة أمراً مستبعداً، وذلك نظراً لأن هذا الأمر له معطيات دولية وقومية وعربية، لافتاً إلى أن حماس ستلجأ إلى خيارين، إما استمرار خيار الأمر الواقع في قطاع غزة، وبالتالي مزيد من الحصار والانفجار الداخلي، أو الاستجابة إلى الضغوطات الإقليمية والعربية، والانفتاح مع مصر وإعادة تقييم العلاقات معها، الأمر الذي يضمن لها البقاء والاستمرارية.

وتوقع الدجني أن السيناريو القادم قد يدفع بالرئيس، نحو اتخاذ مجموعة من الخطوات أهمها: "إعلان غزة إقليم متمرد، وحزمة عقوبات تدريجية"، سيكون لها أثراً سلبياً على معيشة سكان القطاع، وسيدفع بالناس نحو الانفجار الداخلي أو الخارجي، مؤكداً على وعي الشعب الفلسطيني وإدراكه بأن التحدي الأكبر مع الاحتلال الإسرائيلي، الذي ينتهز الفرص لتحقيق أهدافه.

ولفت عوض، إلى أن حماس ترغب بتقوية مكانتها الاقتصادية والأمنية دون أن أدنى كلفة، وفي المقابل فإن السلطة تنأى عن خسارة قطاع غزة، كونها ستفقد القضية الفلسطينية فكرتها وتمثيلها الوطني.  

إجراءات الرئيس

وقال شراب إن الإجراءات التي تقوم بها السلطة اجتماعية، ولا تعني تشديد الحصار على القطاع بقدر ما تسعى إلى تقليص الدور المباشر الذي تؤديه بالقطاع، الأمر الذي يؤدي إلى تدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية لتيقنها بعدم مقدرة حماس على تحمل ذلك.

وأضاف أن الهدف من هذه الإجراءات، هو إشعار حركو حماس بأن الانقسام، له أثمان اقتصادية واجتماعية وسياسية وأمنية، لإجبارها على الذهاب نحو المصالحة الفلسطينية وتشكيل حكومة وحدة وطنية.

ونوه شراب إلى أن الأوضاع الإقليمية والدولية تدفع نحو تحقيق المصالحة، لافتاً إلى وجود رغبات إقليمية باستمرار سيطرة حركة حماس على قطاع غزة، والانفتاح على مصر، بالإضافة إلى الالتزام بالتهدئة مع إسرائيل، وصولاً لاتفاق تهدئة طويل الأمد يتم بموجبه بناء مطار وميناء.

وأشار شراب إلى أن الشعب الفلسطيني أمام خيارين كلاهما قاسٍ ومر، فإما الانفجار الداخلي، أو المواجهة مع الاحتلال، لخلق واقع سياسي جديد، وذلك في ظل الأجواء المشحونة بين الطرفين.

وفد "فتح" القادم إلى غزة

وتوقع عوض، أن ترضخ حركة حماس بشكل شكلي أو حقيقي لمطالب السلطة، وذلك من خلال وسطاء عرب أو أجانب في الإقليم للتسوية مع فتح.

وأبدى شراب، تفاؤله بأن تحمل الأيام القادمة، أجواءًا إيجابية وعقلانية بعيدة عن الطالع التهديدي والاستفزازي، الذي لجأت إليه "فتح" قبل زيارة الوفد للقطاع، كون "حماس" يتعارض معها هذا الأسلوب.

واستبعد عوض، أن توافق حركة "حماس" على تسليم قطاع غزة للسلطة الفلسطينية، حيث أنها تسعى إلى السيطرة الأمنية على القطاع، غير أنه من الممكن أن تسمح لحكومة الوفاق بإدارة القطاع، والإنفاق عليه، دون المساس بقواها الأمنية والعسكرية وبيعها لأي طرف آخر، الأمر الذي يتعارض مع خيار السلطة التي تسعى إلى بسط سلاحها وقرارها على القطاع.

كما أكد شراب على خطأ "حماس" في ردة فعلها التي فاقمت الأوضاع، كون تركيبة الوفد الرفيعة المستوى، تعكس جدية ومصداقية الوصول إلى حل ينهي أزمات القطاع.

وأوضح الدجني، أنه في حال كان الحوار مبنياً على المبادرة القطرية التي قبل بها حركتي حماس وفتح، فإن ذلك سيؤدي إلى تجاوز الأزمة الراهنة، وتشكيل حكومة وحدة وطنية، وتوحيد مؤسسات النظام السياسي بما يضمن دمج كافة الموظفين، أما إذا اقتصر الحوار على السؤال والجواب، فإن الحوار سيكون محكوماً بالفشل قبل بدئه.

ولفت شراب، إلى إمكاينة زيارة وفد "فتح" لقطاع غزة، خاصة بعد ترحيب حماس بذلك، مشيراً إلى أن ما جرى من تعبيرات جماهرية ناتج عن الغضب والانفعال يمكن التغلب عليه، ولكن حماس تسعى إلى توسيع أطر الحوار وتحميل مسؤولية الحصار للوفد.

وتمنى عوض، خلال حديثه لوكالة "خبر"، الوصول إلى اتفاق قريب بأي طريقة، من أجل إنهاء أزمات القطاع، وإتمام المصالحة الفلسطينية، مبيّناً أن البديل عن ذلك، ثلاثة خيارات مصيرية صعبة، فإما الموت أو الدمار أو الاندثار.

ونوه شراب إلى أن المشكلة الكبرى تكمن في عدم تفادي حركتي فتح وحماس الوصول إلى حافة الهاوية، مضيفاً أن الأمور تحتاج إلى قدر كبير من الوعي والإدراك لمخاطر الأزمة، الأمر الذي يدفع بالمشهد الفلسطيني نحو خيارين، إما المواجهة العسكرية والانفصال، أو تراجع طرفي الانقسام بخطوات معقولة وصولًا إلى اتفاق سياسي.

المواجهة مع "إسرائيل"

وبيّن عوض أن المواجهة العسكرية مع إسرائيل قد تؤدي إلى الخروج من الأزمة التي يعانيها القطاع، خاصة حركة حماس، مضيفاً أن مصير الشعب الفلسطيني يبقى ضحيةً لأمريكا وإسرائيل كما حدث في المواجهات السابقة.

وأوضح شراب، أن خيار حماس بعد فشل كافة الحلول، هو اللجوء إلى المواجهة العسكرية مع إسرائيل، بهدف تحريك الأوضاع وخلق واقع سياسي جديد من شأنه أن يحقق أهداف حركة حماس، مستبعداً إتمام المصالحة بشكل كامل، في حين يتم الاستجابة بشكل جزئي، من خلال بعض الخطوات الإيجابية.

في حين أكد الدجني على أن مسألة المواجهة العسكرية مع الاحتلال ليست بالخيار الجيد، مشيراً إلى أن هناك خيار أقل تكلفة وأكثر فعالية، تتمثل في تحميل إسرائيل مسؤولية الحصار ولجوء الفصائل ومكونات أطياف الشعب الفلسطيني إلى حشد آلاف الفلسطينيين من أجل إيصال رسالة للمجتمع الدولي بتحميل الاحتلال مسؤولية أي خطوات ستفاقم الأوضاع.