أردوغان .. انتصار بطعم خيبة الأمل!!

هاني حبيب.jpg
حجم الخط

قد تكون نتائج الاستفتاء على التعديلات الدستورية مفاجئة لجهة فوز أردوغان وحزبه، لكنها بالتأكيد جاءت مفاجئة اكثر حول نسبة هذا الفوز التي أشارت بوضوح الى تراجع أردوغان وحزبه لدى الرأي العام التركي، مقارنة بنتائج الانتخابات السابقة التي أشارت بدورها الى تراجع عن سابقتها في هذا السياق، والواقع ان هناك من يرى انه لم تكن هناك حاجة الى الانتقال من النظام البرلماني الى النظام الرئاسي، فالأول هو الذي أدى الى وصول أحزاب الإسلام السياسي الى السلطة في أنقرة، كما ان في ظل ذلك النظام تطورت تركيا اقتصاديا وسياسيا وباتت دولة ذات شأن اكبر على المستوى الإقليمي والدولي، نتيجة لما وفره دستورها العلماني من مقومات أدت الى هذا التطور مقارنة بدول الإقليم المجاورة، واذا ما نظرنا الى البعد الشخصي، فإن أردوغان رئيسا للحكومة ثم رئيسا للدولة، كان هو الحاكم الفعلي المؤثر على كافة شؤون البلاد، وتسلط على كافة السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية بعد ما أزاح العسكر من تأثيراتهم على شؤون الدولة، إلا ان البعض من الممكن أن يقول ان هذا التسلط والسطوة، لم يكن الا نتيجة لشخصيته الكاريزمية واستفادته من الوضع الداخلي في ظل ضعف المعارضة له داخل حزبه وخارجه، وان التعديلات الأخيرة، تقتضي دستورية مطلوبة على سلطويته الفردية.
ويمكن القول ان نتيجة التصويت، رغم الفوز، أسقطت خيارات أردوغان الأساسية، اذ قيل انه يطمح الى التجديد لرئاسته بعد انتخابات ٢٠١٩، للتجديد مرتين متتاليتين حتى يحكم البلاد رئيسا حتى عام ٢٠٢٩، بدعوى استقرار البلاد والحفاظ على تطورها.
 نتيجة الاستفتاء أشارت بوضوح كاف الى ان هذا الرهان قد سقط تقريبا، تراجع شعبية أردوغان وحزبه، هو الحقيقة الأكيدة بالتوازي مع حقيقة الفوز بنعم في هذا الاستفتاء، فرص أردوغان وحزبه بالفوز في انتخابات قادمة باتت محل شك كبير.
ويمكن تصور تلك المفاجأة على أردوغان الذي نجح - او اعتقد انه كذلك - في ترتيب الساحة التركية لنتيجة غير ما حدث، عندما، واثر انقلاب هناك شكوك عديدة حول دوره فيه، قام بعملية تطهير واسعة للمعارضة الجدية لحكمه وعلى مختلف المستويات العسكرية والأمنية والثقافية والإعلامية والاقتصادية وغيرها من الأوساط، والاهم من ذلك السيطرة المطلقة على كافة وسائل الإعلام الرسمية وغير الرسمية، وهي الإدارة التي استغلها منفردا في حملته الشعبية للقول نعم للاستفتاء، مستخدما كل وسائل الدولة على اختلافها لهذه الحملة، في وقت لم تتمكن القوى والأحزاب المعارضة من ان تقوم بدورها في الترويج لرأيها بالقول «لا» للتعديلات الدستورية.
هناك نظم سياسية عديدة، غير أن كل دولة تختار نظامها وفقا لظروفها الخاصة، وليس هناك نظام افضل من آخر، الا بقدر تلبيته لحاجة الدولة، يقول بعض المدافعين عن الانتقال التركي من النظام البرلماني الى النظام الجمهوري، ان اكبر دولة في العالم، أميركا، ذات نظام جمهوري، إلا ان مقارنة مع دستور الولايات المتحدة والتعديلات الدستورية التركية، يكشف الفرق الكبير، ففي الحالة الأميركية، هناك تقييدات دستورية تمنع الرئيس من الاستحواذ على السلطة بشكل كامل، ورأينا كيف أوقف القضاء الأميركي اكثر من مرة وفي وقت قصير عددا من مراسيم الرئيس ترامب. في الوضع التركي، الأمر مختلف تماما، جاء في إحدى مواد التعديل، ان البرلمان سيحرم من حقه في استجواب الوزراء او التحقيق في أدائهم، وان التحقيق مع الرئيس يستوجب ثلثي عدد النواب، في حين ان الرئيس هو الذي يعين القضاة الكبار وكافة المناصب العليا في البلاد، وسن قوانين رئاسية دون العودة الى البرلمان، في الوضع الأميركي، للرئيس مثل هذه الحقوق مع فارق بالغ الأهمية، وهو مصادقة الكونغرس على هذه التعيينات، في الوضع التركي، سطوة الرئيس على كافة السلطات، كما جاء في التعديلات الدستورية!
قد يكون أردوغان قد نجح في استخدام التعصب القومي في دعم «نعم» للتصويت على التعديلات الدستورية، غير ان هذا الأمر، من المشكوك فيه ان يظل قائما في الانتخابات القادمة نظرا لجملة من المتغيرات التي من شأنها ان تؤثر على مثل هذا الاستخدام، الا انه ورغم كل الملاحظات فإن أمر الديمقراطية في تركيا تظل افضل حالا من آفة النظم السياسية المجاورة، العربية منها على وجه الخصوص، وملاحظاتنا هذه رغم أهميتها، لا تقلل من تأثير العلمانية التركية على التطور السياسي والاقتصادي في هذه البلاد!!