قال الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط، إن"أخطر المشاكل الاقتصادية التي تواجهنا هي بطالة الشباب، التي تبلغ نحو 29% وهي من أعلى المُعدلات بين مختلف مناطق العالم".
وأضاف أبو الغيط، في كلمته التي ألقاها اليوم السبت في احتفالية يوم الجامعة العربية التي تُنظِّمها جامعة الاسكندرية، بحضور رئيس الجامعة عصام الكردي، وعميد كلية الدراسات الاقتصادية والعلوم السياسية قدري إسماعيل، "إن النظام العربي رفض الإقرار بالاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية في حزيران/يونيو 1967، وعبر عن ذلك في قمة الخرطوم في آب/أغسطس من العام نفسه، التي عُرفت بقمة اللاءات الثلاث"، مضيفا أن "النظام العربي رفض أن يُقر احتلال دولة عضو في الجامعة لدولة أخرى عضو إبان احتلال العراق للكويت عام 1990".
وتابع أبو الغيظ أن "هذه القيم المتوافق عليها هي روح منظومتنا الإقليمية وعصبها، ودون الجامعة فإن المبادئ تتعرض للتآكل والقيم يُصيبها التشوش، ويصبح معيار ما هو شرعي وأخلاقي غائما، ويفقد النظامُ معناه ويتحول الأمرُ إلى مجرد جيرة جغرافية لا مجال فيها للتنسيق المُشترك أو العمل الجماعي، وتزداد وتيرة الصراعات البينية، وتتنامى حدتها من دون أي إطار مرجعي لحلها أو احتوائها".
وبين أبو الغيط "أن هناك 50% من لاجئي العالم اليوم هم من العرب، أي أن واحدا من كل اثنين لاجئين هو لاجئٌ عربي، وأن واحدا من بين كل ثلاثة سوريين هو إما لاجئٌ أو مشردٌ عن بيته أو نازحٌ داخليا"، مضيفا أن "لدى الأمة العربية 100 مليون شاب عربي أعمارهم بين 15 و 29 سنة يمثلون الثروة الحقيقية لهذه الأمة، والمُحرك الأكثر تأثيرا لتقدمها وازدهارها، وما من شك في أن تحفيز طاقات هؤلاء الشباب، يتحقق بصورة أشمل، وبوتيرة أسرع إن جاء في إطار من التكامل الاقتصادي الإقليمي".
وقال "إن السبب الرئيس والمنبع الأول للكثير من المُشكلات في المنطقة العربية يتصل - بصورة أو بأخرى- بالتأخر الاقتصادي والتراجع في الإنتاجية وركود مُعدلات النمو وضعف الاستثمار والاعتماد الزائد على المصادر الأولية، وأن تلك الأزمات المُزمنة تولد جملة من الأزمات التي تُصبح بتراكم الزمن مُعضلات خاصة من عدم الاستقرار السياسي، وانتهاء بالتطرف الديني والإرهاب"، مشيرا إلى أن "الدول العربية ما زالت عاجزة عن الاستفادة من الطفرة الشبابية الهائلة التي تتميز بها مُجتمعاتها، وهي طفرةٌ تتمناها مُجتمعات أخرى تُعاني من الشيخوخة ومن تصاعد مُعدلات الإعالة بصورة تؤثر على عملية الانتاج، وأن توظيف هذه الطفرة الديموغرافية الشبابية لصالح النمو الاقتصادي يتحقق بصورة أسرع كثيراً في إطار من التكامل العربي".
وتحدث الأمين العام إلى القمة العربية الأخيرة في عمّان، مشيراً إلى أنه بحثُ الكثير من الموضوعات المُتعلقة بالتكامل الاقتصادي العربي، و"لكن للأسف ما زالت منطقة التجارة العربية الكُبرى حُلما بعيدا، رغم أن الخطوات التنفيذية لتحقيقه ليست مُستحيلة".
وقال "إن القمة التي عقدت قبل أسابيع بالبحر الميت، مثلت ذروة العمل العربي المُشترك بحضور القادة والزعماء العرب"، مشيرا إلى "أن المواطن العربي الذي يرى زُعماءه وقادته، رؤساءه وملوكه، وقد اجتمعوا معا على مدار يوم كامل يُناقشون هموم الأمة في مجموعها، ويعرض كلٌ منهم رؤيته للواقع العربي كما يتصوره، مجرد هذه الصورة التي يُشاهدها الناس، هي أمرٌ إيجابي يتعين أن نتمسك به ونحافظ عليه، ذلك أنها تُعطي الشعوب العربية الإحساس بالمصير المشترك".
وتابع أبو الغيط "أن مسيرة التكامل الاقتصادي العربي بدأت بتوقيع اتفاقية الوحدة الاقتصادية عام 1957، وهو العام نفسه الذي وقعت فيه ست دول أوروبية اتفاقية روما التي أنشأت الجماعة الاقتصادية الأوروبية، ولا يحتاج المرء لمجهود كبيرٍ ليُميز البون الشاسع الذي يفصل بين إنجاز التكامل على الصعيد الأوروبي ومثيله على مستوى العالم العربي".
وأضاف "أن أموراً تُعد أساسية من أجل التمهيد لتفعيل منطقة التجارة العربية الكُبرى ما زالت غائبة، مثل الاتفاق على توحيد قواعد المنشأ، أو منح تأشيرات خاصة لرجال الأعمال، والمُحصلة أن المنطقة العربية تُعد من أكثر المناطق في العالم من حيث ارتفاع أسوار الحماية الاقتصادية، ولا شك أن هذا يُفسر إلى حد بعيد أسباب تأخرها الاقتصادي وضعف قدرتها على الاستفادة المُثلى من الإمكانيات المتوفرة لديها بصورة جماعية".
وبين "أن الاقتصاد يُمثل المدخل السليم والتمهيد الملائم لأي عمل جاد تجاه الوحدة العربية"، مشيرا إلى "أنه وبعد 72 عاماً على إنشاء الجامعة العربية، ما زالت هذه المؤسسة العريقة هي الكيان الوحيد القادر على احتضان هذا العمل التنسيقي المُتدرج والطويل الذي أتحدث عنه، فالجامعةُ لا تُعنى فقط بالقمم العربية، أو باجتماعات وزراء الخارجية، وإنما هي مركز لنشاطات يومية متواصلة قد لا يعرف بها المواطن العربي، حيث أن هذه النشاطات تربط بين المؤسسات العربية العاملة في كل أوجه النشاط البشري".
وقال إن الجامعة العربية "هي خليةٌ عملاقة لتبادل الخبرات والممارسات بين المؤسسات المختلفة في الدول العربية"، منوها "أنه من دون هذه الخلية تتقطع خيوط كثيرة تربط بين دولنا على أكثر من مستوى، وتنهار جسور متينة تصل بين المسؤولين والخبراء والأكاديميين، وأن الجامعة تظلُ قيمة لا غِنى عنها، ورمزا لا ينبغي أبدا التفريط فيه، في ظل أن بلادنا العربية تمر في هذه الآونة بواحدة من أوقات الشدة، والكثير من شعوبنا يُجابه أزمات غير مسبوقة، وليس في نيتي أن أستعرض أمامكم مظاهر المأساة التي يعيشها عالمنا العربي، فيقيني أنكم تتابعونها بحزن وقلق، ولكني أُريد أن أنقل لكم، من مكاني كأمين عام للجامعة العربية، أهمية وخطورة هذه المؤسسة العريقة بالنسبة لمُستقبلنا المُشترك، ومستقبل كل دولة عربية على حدة".
وأكد أبو الغيط أنه "لا خروج لنا من هذه الأزمات الكبرى التي تحيط بِنَا سوى بالتضامن والتعاضد، وأنه لا بد أن تشد الدول العربية من أزر بعضها البعض في مواجهة من يريدون القضاء على مفهوم الدولة الوطنية ذاته لصالح أجندات لا تحمل لهذه المنطقة سوى الفوضى والخراب"، مشددا على أن "الحفاظ على الدولة الوطنية العادلة يمُثل أولوية أولى لدى النظام العربي كما تجسده جامعتنا التي تأسست كرابطة بين دول مُستقلة الإرادة كاملة السيادة."
وقال، مخاطبا طلبة جامعة الاسكندرية، إن "الجامعة العربية قطعة من تاريخنا المُعاصر، حيث كانت أسبق في نشأتها من الأمم المتحدة ذاتها ولكنها أيضاً واقع حيٌ ومتُجدد وحياتها في المستقبل لن تكون إلا بإيمان جيل الشباب - جيلكم أنتم- بدورها وقيمتها"، مشيرا إلى أن "الجامعة ليست كيانا مثالياً مُنفصلاً عن دولنا وشعوبنا، جامعتنا هي انعكاس في المرآة لواقعنا العربي، في السياسة والاقتصاد، في العلم ومقومات الحضارة وأسباب التقدم الشامل".
وتابع أن "منظومتنا العربية ليست مثالية، حيث ما زالت هذه المنظومة تفتقد إلى الكثير والكثير"، مشيرا إلى "أن التجارةُ البينية للدول العربية تُمثل 10% فقط من مُجمل تجارتها الخارجية، (إنها نسبة مخجلة) بالنظر إلى منطقة تمتلك كافة المُقومات المطلوبة للتكامل الاقتصادي".
وشدد أبو الغيط على أن "أهم هذا المُقومات لا يتمثل في مصادر الطاقة أو الثروات التي نستخرجها من باطن الأرض، على أهميتها، وإنما في البشر".