وصيّة الحكيم الأخيرة لولده الحالم:
كُنْ رصينا يا ولدي، ولا تتعجلْ في أمرِك .. واكبح جماحَك المهرول، ولا تكن صاحب صهيل، فالصهيلُ للخيولِ العابرة، وما نحنُ سوى خيولٍ أقامت منذُ أمدٍ بعيد ..
ولا تُكن حمارا يا ولدي، في بلادٍ ليس فيها حقُّ النهيق , فالنهيقُ لاًصحاب القاماتِ .. وما نحنُ سوى بقايا اضطرمت بفتاتِ رحيق ..
يا ولدي .. إياك وآفة الكلام، فلسانُك طريقُ هلاك .. والصمتُ منجاةٌ في بلادِ سادةِ الثرثرة ..
ولا تصمُت يا ولدي في حضرتهم، فقد يسيئون الظنَّ في صمتِك، وشياطين عسسهم قد تنبش صدرِك، وتجلو أمرك، فينكشف سترك، ويرتفعُ غطاؤك ..
يا ولدي، إياك والحلم، لا توغل فيه، وإذا ما سرحت غزالة وجدك؛ اهرب هروب الفأر إلى أقرب جحرٍ يؤويه، ما الحلمُ يا ولدي إلا للكبار، وما نحن سوى ولدانٍ قاصرين ..
يا ولدي نمْ كما كلّ النائمين، وإذا ما صحوتَ؛ خضّ رأسك، وانفض ما علق من أحلام ليلك، ثمّ تثبت على ذلك، وتمهل في خطوِك، واعلُ بصوتِ هتافك؛ إذا ما قد هتفوا، وردّد أدعيتهم، أمّا دعاؤك فلا تطلقه جهرا، فربّك لا يحتاج، ولدعائك السريّ أجنحة، تعرف طريق الله يا ولدي