إضراب الأسرى والمزاج الشعبي

صلاح هنية.jpg
حجم الخط

«عادت حليمة لعادتها القديمة» مع إضراب الكرامة.. إضراب الأسرى وتصاعد الحالة الوطنية الشعبية التحاماً مع الأسرى وتجسيد الوحدة الوطنية الميدانية على الأرض لصالح هدف أسمى ناله ما ناله من الصمت والغياب، وصعد على قمة الأجندة الوطنية، وبات مقصراً من لم يلتحم بالأسرى ومطالبهم ونضالهم ومدهم لنا بالمعنويات والهمة العالية، والارتقاء بالنظر الى الأمور، تزامن ذلك مع أصوات هنا وهناك تسعى لجرنا الى مربع ما قبل إضراب الكرامة لغاية في نفس يعقوب، وكأن الوضع السابق كان مفيداً لقضيتنا الوطنية ومستقبلها، بحيث نخرج في اي مناسبة وطنية ونختلف ونتناحر لأن هدفنا أساساً ان نسجل مواقف ونحاكم وندين وليس الهدف إحياء هذه المناسبة أو تلك.
تزامناً مع إضراب الكرامة بتنا نتفنن بجلد ذاتنا وتقزيم اي مبادرة للالتحام مع الأسرى والتفنن بالحديث حولها سلباً، والجدل غير المجدي حول جدوى الإضراب الشامل وتوقف حركة النقل، والتفنن بالتقييم عبر مواقع التواصل الاجتماعي ان هناك من تواجد في خيمة الالتحام مع الأسرى لأغراض وأجندات.
إلا أن واقع الميدان يضع حداً لكل عمليات جلد الذات، ويبدع الشباب والصبايا واتحاد العمال وائتلاف جمعيات حماية المستهلك والأكاديميون والفنانون والإعلاميون واللجان الشعبية لمقاومة الجدار والاستيطان في الالتحام مع الأسرى، فتراهم يعلنون حملة لمقاطعة المنتجات الإسرائيلية، وآخرون يطيّرون طائرات ورقية عليها علم فلسطين، وآخرون يقفون قرب حاجز الجيب ليُسمعوا رسائل تتضمن مطالب الأسرى على المركبات الدبلوماسية، وهناك من يعمر خيمة الأسرى، وهناك من يروي حكاية الأسرى وماذا يعني الإضراب والعزل.
ويقفز على حين غفلة موضوع الانتخابات للهيئات المحلية وإضراب الأسرى، ويستخدم هذا الشعار كنوع من انواع جلد الذات، وكأن الهدف ( لماذا لا نجمد الحياة ونلغي كل شيء؟ ) ويعرف من يناقش بهذا الأمر أنه غير مرتبط بمنهج علمي ( مع احترامي لاختلاف المنطلقات في النقاش ) فالانتخابات لا تتعارض مع إضراب الكرامة اذا لم تعززه، وانظر إلى موقف بلدية مثل بلدية رام الله مثلاً كيف استنهضت المدينة للالتحام مع الأسرى، وفي ذات الوقت استمرت بتقديم خدماتها الأساسية دون تناقض او طغيان جانب على آخر، نستطيع حتماً ان نوازن وننجز.
من الواضح تماماً أن إضراب الكرامة وجه المزاج الشعبي باتجاه إيجابي، وأعاد معايرته ليعلم انه يستطيع وانه يستطيع ان يصنع فرقاً وأن السلبية لا تفضي لشيء، وفقط الإيجابية والمشاركة والإبداع في النضال الوطني هو الذي سيفضي الى أشياء وأشياء وأشياء، نعم أُعيد الاعتبار للروح الوطنية وترتيب الأولويات ووأد الخلاف بلا معنى وبلا نتيجة، وحتماً سيقود هذا الواقع الناشئ عن إضراب الكرامة إلى إنهاء الانقسام وإعادة الوطن إلى وحدة واحدة، لأن ما يجمع أكثر بكثير مما يفرق.
وتستمر الحياة ولن ننفك إلا بانتصار الأسرى وخروج القائد مروان البرغوثي ببيان النصر ومعه كل أسرانا البواسل الصابرين الصامدين، نعم أسرانا الذين يوجد لكل أسير منهم حكاية، له حكاية مع حبيبة وابن وأُم وجار وصديق ورفيق درب، هؤلاء الذين لم يعودوا أرقاماً بل باتت حكايتهم تُعاد صياغتها، وهناك من يروي قصته مع هذا الأسير او ذاك، سواء على مقاعد الدراسة أو في مسيرة النضال أو التنشئة في قرية أو حي مشترك.
كُفّوا عنا جلد الذات ... كفوا عنا النقد لمجرد النقد ... كفوا عنا مساعي إرجاعنا للمربع السابق، مربع تراجع الهمم ...