وثيقة "حماس": الخطوة متعددة الاتجاهات

أشرف العجرمي.jpg
حجم الخط

قامت حركة "حماس" بخطوة مهمة بتبني وثيقة جديدة تحمل تغييراً سياسياً وفكرياً نحو المزيد من الاعتدال في مواقف الحركة.
هذه الخطوة هي أقرب ما تكون إلى تبني منظمة التحرير للبرنامج المرحلي من حيث الصياغات ولكنها فعلياً تعتبر قريبة إلى حد بعيد لموقف منظمة التحرير الحالي مع اختلاف النصوص.
ومع أن خطوة "حماس" جاءت متأخرة جداً خاصة وأنها لم تأخذ بالاعتبار التطورات التي مرت على الحركة الوطنية الفلسطينية التي انتقلت من البرنامج الشعاراتي إلى مواقف واقعية فرضتها موازين القوى وسياق التحولات التي عصفت بالقضية الوطنية، إلا أنها تمثل تطوراً إيجابياً قد يخدم المشروع الوطني إذا كانت أهداف التغير هي الاقتراب من موقف الإجماع الوطني.
"حماس" كغيرها من حركات الإسلام السياسي لا تأخذ تجارب الآخرين بنظر الاعتبار عندما تصيغ برامجها وتحاول الاعتماد على تجربتها الخاصة، وهذا يجعلها في تأخر دائم بالمقارنة مع غيرها وغالباً لا تنجح في اشتقاق طريق خاص بها وتعود إلى نفس الطريق الذي سبقها الآخرون إليه.
وهذا بالضبط ما حصل، وربما كانت "حماس" كذلك بحاجة للوقت حتى تصبح عملية التغيير مقبولة على قواعدها ومؤيديها خاصة بعد اعتماد خطاب سياسي وأيديولوجي أقصوي لا يرى ما يجري محلياً وإقليمياً ودولياً.
وكان بإمكان "حماس" أن تختصر المسافات والزمن لو أنها درست التجربة الخاصة بالقوى الوطنية ومنظمة التحرير على مدى أكثر من أربعين عاماً.
لغة برنامج "حماس" الجديد يسمح لها أن تقول الشيء ونقيضه، فهي توافق على دولة في حدود العام 1967 وعاصمتها القدس وفي نفس الوقت تقول إنها تريد فلسطين الكاملة من النهر إلى البحر ومن رأس الناقورة إلى رفح.
وبالتأكيد ستستخدم اللغة المعتدلة مع الأطراف الخارجية لتثبت أنها تغيرت بصورة جوهرية، واللغة المتشددة مع قواعدها وجماعتها لتؤكد أنها لم تتخل عن مواقفها، ولكن من حيث الجوهر هناك تغيرات حقيقية في مواقف الحركة، فالقبول بدولة في حدود العام 1967 هو اعتراف ضمني بحل الدولتين حتى لوبقيت تتحدث عن عدم الاعتراف بإسرائيل وعن التمسك بكامل تراب الوطن.
وهذا يمكن أن يظهرها بصورة مرنة أمام بعض الأطراف، ولكن هل سيكون هذا الخطاب مقبولاً دولياً بعد تغير الخطاب الفلسطيني في مرحلة "أوسلو" والمرونة الكبيرة التي أبدتها قيادة منظمة التحرير والتي لا تخلو من تنازلات في بعض قضايا التسوية الدائمة؟ من الواضح أنها لن تكون كافية ولكنها ستكون دون شك مقدمة لمواقف أكثر قبولاً في المستقبل.
فعندما تستوعب قواعد "حماس" الخطاب السياسي الجديد ستجد الحركة نفسها تتقدم باتجاهات أكثر اعتدالاً.
والسؤال الذي يسأل بحق لماذا الآن وما هو الهدف من هذا التغيير؟ إجابات رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" خالد مشعل عن هذا السؤال لم تكن واضحة، فهو ذكر أنه بدأت دراسة التغيير في الدورة القيادية الجديدة قبل أربع سنوات، ولكنه لم يقل لماذا حصل ذلك ولماذا الآن بالذات تم الإعلان عن المواقف الجديدة.
ولو بحثنا في سياقات التحولات في المنطقة سنجد أن الثورات العربية التي تحولت إلى هيمنة الخطاب الإسلامي الأصولي المتشدد من الناحية الفكرية والعنيف جداً في محاولات التطبيق على الأرض قد أضرت كثيراً بمشروع الإسلام السياسي الذي تبنته حركة "الإخوان المسلمين" التي حاولت جاهدة أن تسوق خطاباً معتدل الشكل، قاد إلى نوع من التفاهم مع قوى غربية مهمة وعلى رأسها الولايات المتحدة، ولكن سرعان ما تهاوت هذه الاتفاقات مع الغرب بعد سقوط حكم "الإخوان" برئاسة محمد مرسي في مصر وخسارتهم الانتخابات العامة في تونس وبعد النجاحات التي حققها النظام السوري بدعم حلفائه ضد كل الجماعات الإسلامية في سورية.
وبالتالي خسرت هذه الحركات جزءاً كبيراً من شعبيتها لأنها لم تحقق نموذج البديل الديمقراطي المنشود للأنظمة الديكتاتورية التي ثارت الشعوب ضدها، بل على العكس وجد الناس فيها بديلاً أسوأ.
وساءت سمعة هذه الحركات بسبب فظاعة أفعال تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" في بلاد العراق والشام "داعش" والحركات المتشددة الأخرى، ولهذا أصبح من الضروري التميز وعدم الالتصاق بأي تنظيم دولي يمكن ألا يكون مقبولاً، وخاصة بعد تبدل موقف أميركا تجاه مصر مؤخراً ودعمها للرئيس السيسي.
وهذا سبب لمحاولة "حماس" النأي بنفسها عن الارتباط بحركة "الإخوان المسلمين" وأن تظهر نفسها بشكل أكثر وطنية واعتدالاً وتتماشى أكثر مع اتجاه الحركة الوطنية الفلسطينية.
اعتدال "حماس" يستهدف الحصول على القبول والاعتراف لكن بأي اتجاه؟! هل هو باتجاه التوافق الوطني والاندماج في الحركة الوطنية الفلسطينية كجزء من منظمة التحرير وجز من مشروعها الوطني الذي باتت "حماس" تقبله، أم باتجاه أن تحصل على اعتراف تمثيلي كبديل لمنظمة التحرير أو مواز لها وكقائدة لكيان غزة المستقل؟ في الواقع هذا سؤال جوهري لفهم إلي أين تتجه "حماس" وما هي دوافع التغيير في هذا التوقيت خصوصاً في ظل الحديث عن صفة سياسية تقوم بها إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب ومحاولاته إيجاد حل للصراع مع إسرائيل، ومدى التأييد الذي يحظى به الرئيس محمود عباس في سعيه لاستعادة غزة بالضغط على "حماس" من خلال وسائل مباشرة وغير مباشرة.