تكييف حمساوي: قراءة في الوثيقة الجديدة

حمادة فراعنة.jpg
حجم الخط

أزالت وثيقة المبادئ والسياسات العامة التي أقرتها حركة حماس عبر مؤسساتها الشورية والتنفيذية، واعتماداً على حوار داخلي، استمر لمدة سنتين، وكذلك مع أطراف عربية ودولية، ومرجعيات إسلامية، أعلنها رئيسها خالد مشعل في الدوحة يوم الأول من أيار 2017، أزالت هذه الوثيقة شكل الخلافات السياسية، بينها وبين حركة فتح من جهة، وبينها وبين باقي الفصائل من جهة ثانية، ووفرت لنفسها ولقيادتها الجديدة حرية عمل أرحب، وهامشاً أوسع من المناورة السياسية على خلفية المستجدات اللفظية التي أحدثتها والتحولات الموضوعية التي لا فكاك منها.
فالمنطلقات العامة والخطوط التي رسمتها لنفسها، وفق وثيقة المبادئ والسياسات حمالة أوجه، تحتمل التفسيرات المتعددة، ويمكن توظيفها بكل الاتجاهات، ومع كافة الأطراف، وبذلك يمكن وصفها على أنها حالة تكيف سياسي مع المعطيات القائمة التي تسود المشهد الفلسطيني وتأثره المباشر بالعوامل المحيطة به إسرائيلياً وعربياً ودولياً.
وبالتالي إن أبرز ما يمكن ملاحظته في الوثيقة وتسجيله هو أنها أزالت الخلافات بين الأطراف السياسية الفلسطينية، ولم يعد مبرراً وجود خلافات سياسية وتباينات اجتهادية تحول دون التوصل إلى تفاهمات واتفاقات تنظيمية جبهوية، تُنهي حالة الانقسام والتفرد والشرذمة بين «فتح» و»حماس» وبين الضفة الفلسطينية وقطاع غزة.
ومع ذلك لماذا الآن وبعد ثلاثين عاماً من ولادة حركة حماس في أعقاب انفجار الانتفاضة الأولى عام 1987، حيث كانت تسعى «حماس» لإبراز نفسها على أنها مميزة عن باقي الفصائل والتنظيمات الفلسطينية، وأن ولادتها السياسية والفكرية والحزبية والعقائدية من رحم حركة الإخوان المسلمين جاء ليشكل بديلاً لسياسات منظمة التحرير الفلسطينية وخياراتها وتحالفاتها.
فقد ناصبت حركة الإخوان المسلمين المرجعية الفكرية والسياسية والحزبية لحركة حماس العداء السياسي المعلن لمنظمة التحرير، ولم تعترف بشرعية تمثيلها للشعب الفلسطيني لأنها اعتبرت منظمة التحرير صنيعة عبد الناصر وهو الذي دعا إلى تشكيلها وهي أحد أدواته السياسية، إضافة إلى انضمام عدد من شباب الإخوان المسلمين للعمل الفلسطيني بعد خروجهم عن مرجعيتهم التنظيمية وانخراطهم في منظمة التحرير، وزادهم رفضاً لها انخراط الأحزاب القومية واليسارية: حركة القوميين العرب والبعثيين والشيوعيين لمنظمة التحرير نظراً لكون هذه الأحزاب بمثابة خصوم سياسيين وحزبيين وعقائديين لحركة الإخوان المسلمين.
وحصيلة هذا الموقف الإخواني عكس نفسه على موقف حركة حماس من منظمة التحرير، رغم كل المحاولات التي بذلها الرئيس الراحل ياسر عرفات للتعامل مع الشيخ أحمد ياسين ومع حركة حماس ومد اليد لهم، وخاصة بعد فشل مفاوضات كامب ديفيد 2000، وعزم أبو عمار توسيع دائرة الفعل الفلسطيني الجهادي والمقاوم لتغيير المعادلة السياسية وفرض وقائع جديدة تدفع بالأميركيين والإسرائيليين للتعاطي الإيجابي أكثر مع قضيتي القدس واللاجئين اللتين سببتا فشل مفاوضات كامب ديفيد.
مشاركة حركة حماس بانتخابات المجلس التشريعي الفلسطيني عام 2006، بعد أن رفضت المشاركة بها عام 1996، على أثر رفضها لاتفاق أوسلو الذي أنجب السلطة الفلسطينية ومؤسساتها التنفيذية والتشريعية، غيّر من المعادلة الفلسطينية بعد أن فازت حركة حماس بالأغلبية البرلمانية، وباتت تقود المجلس التشريعي برئاسة عبد العزيز الدويك، والحكومة برئاسة إسماعيل هنية.
حركة حماس عبر وثيقتها الجديدة كما يرى العديد من المراقبين تتوسل تحقيق مجموعة من الأهداف يقف في طليعتها الإقرار بدورها السياسي ومكانتها القانونية عبر محاولة إزالة التحفظات العربية والدولية ضدها، عبر قبول نتائج الانتخابات 2006، والانقلاب 2007، والتعامل معها باعتبارها سلطة أمر واقع في قطاع غزة، تسعى نحو استكمال شرعية وجودها المفقود، كما تسعى نحو التكيف مع سياسات منظمة التحرير، لتكون جزءاً منها مدفوعة بمجموعة من العوامل هي :
1 - ضغوط قطرية تركية من طرف وضغوط مصرية من طرف آخر، فالتبني القطري التركي لحركة حماس يدفع باتجاه جعلها مقبولة دولياً، وإزالة العوائق البرنامجية والعقائدية والارتباطات التنظيمية التي تجعل من حماس أسيرة لمفاهيم وسياسات لا تتفق والعلاقات القطرية التركية مع الأوروبيين والأميركيين، الأمر الذي يتطلب دفع «حماس» كي تتكيف مع المستجدات القائمة، والعمل على تسويقها عبر امتلاكها الحد الأدنى من التكيف مع المعايير الدولية.
  ولم تكن الضغوط المصرية أقل تأثيراً، باتجاه دفع «حماس» نحو فك ارتباطها التنظيمي مع حركة الإخوان المسلمين المعارضة لنظام الرئيس السيسي.
2- فشل حركة الإخوان المسلمين في أكثر من موقع ومكان، في مصر كما في ليبيا وسورية كما في اليمن، إضافة إلى أن ارتباط «حماس» مع الإخوان المسلمين أفقدها مواقع سياسية جغرافية مساندة وخاصة في مصر وسورية، بسبب عدم تمكن «حماس» من ممارسة سياسة مستقلة عن الإخوان المسلمين، وموقعها المعارض لسياستي القاهرة ودمشق واصطدامها مع العاصمتين بسبب ارتباطها وانحيازها لحركة الإخوان المسلمين ونتائجها الفاشلة.
3- فشل «حماس» في أن تكون البديل عن منظمة التحرير رغم تفوقها في الانتخابات التشريعية عام 2006، وانقلابها الذي انفردت على أثره بإدارة قطاع غزة عام 2007، ومعها أكبر حركة سياسية عابرة للحدود في العالم العربي، ولكن ذلك لم يمنحها القدرة لأن تكون البديل عن منظمة التحرير، ولذلك حنت رأسها الآن كي تتماهى مع سياسات منظمة التحرير، لعلها عبر هذا التماهي تستطيع المشاركة في مؤسسات منظمة التحرير وتحقيق حلمها في أن تكون قائدة الشعب الفلسطيني بديلاً للائتلاف السياسي الذي يقود منظمة التحرير بقيادة «فتح».
ورغم هذا التكيف الذي تسعى له حركة حماس ثمة تحديات ومعيقات تواجهها يقف في طليعتها:
1 – رفضها لاتفاق أوسلو، رغم أنها شاركت في انتخابات السلطة التي ولدت من رحم اتفاق أوسلو، حيث يبرز التناقض في موقفها، وهي في مأزق تحتاج للخروج منه حول كيفية التعامل مع نتائج أوسلو طالما ترفضه أصلاً.
2- شاركت في إدارة السلطة وحينما تمكنت قامت بانقلاب عليها، وما زالت متمسكة بنتائج هذا الانقلاب وسلطته وتفردها في إدارة السلطة في قطاع غزة، ما يتطلب إنهاء الانقلاب وتداعياته والاحتكام مرة أخرى لصناديق الاقتراع.
3- تتحدث عن المقاومة وهي تلتزم باتفاق التهدئة مع العدو الإسرائيلي، ذلك الاتفاق الموقع يوم 21/11/2012، عبر الوساطة المصرية في عهد الرئيس محمد مرسي، وتم تجديده يوم 26/8/2014، في عهد الرئيس عبد الفتاح السيسي، وقد أعلن إسماعيل هنية نائب رئيس حركة حماس في خطبة الجمعة يوم 4/5/2016، عن مطالبته للأشقاء المصريين بإلزام الطرف الآخر باتفاق التهدئة طالما أن حركة حماس متمسكة بالاتفاق وتلتزم به.
في التدقيق لنصوص وثيقة المبادئ والسياسات العامة، لحركة حماس، يمكن ملاحظة ما يلي:
1 - «حركة حماس، حركة تحرر ومقاومة وطنية فلسطينية إسلامية، هدفها تحرير فلسطين ومواجهة المشروع الصهيوني، ومرجعيتها الإسلام».
 ولا جديد في ذلك !.
2 - «الشعب الفلسطيني شعب واحد، بكل أبنائه في الداخل والخارج، وبكل مكوناته الدينية والثقافية والسياسية».
ولا جديد أيضاً باستثناء طرح السؤال عن من هي مكونات الشعب الفلسطيني الدينية ؟؟ أليسوا مسلمين ومسيحيين ويهوداً ودروزاً ؟؟ وهذا ما يغيب عمداً عن تشخيص الواقع الاجتماعي الإنساني للفلسطينيين.
3- «تؤكد «حماس» أن الصراع مع المشروع الصهيوني ليس صراعاً مع اليهود بسبب ديانتهم، وتخوض صراعاً ضد الصهاينة المحتلين المعتدين».
وتوضيح ذلك مفيد ولكن ليس جديداً.
4 - «يُعد منعدماً كل من تصريح بلفور، وصك الانتداب البريطاني على فلسطين، وقرار الأمم المتحدة بتقسيم فلسطين وكل ما ترتب عليها أو ماثلها من قرارات وإجراءات، باطل من أساسه».
يستوجب التفريق هنا بين تصريح بلفور الاستعماري ومعه صك الانتداب، وبين قرارات الأمم المتحدة، فالقرارات هذه مهما كانت مجحفة بحق الشعب الفلسطيني ولكنها سلاح سياسي في مواجهة المشروع الاستعماري التوسعي الإسرائيلي، الذي يرفض كافة قرارات الأمم المتحدة بما فيها قرار التقسيم 181، وقرار حق عودة اللاجئين واستعادة ممتلكاتهم 194، وقرار الانسحاب وعدم الضم 242، وحل الدولتين 1397، وخارطة الطريق 1515، وأخيراً قرار رفض الاستيطان 2334، ولذلك الخلط من ناحية سياسية وقانونية غير جائز ويوفر فرصة لقادة المشروع الاستعماري التوسعي الإسرائيلي للتهرب من الالتزامات المترتبة عليهم وفق القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية التي يجب التمسك بها باعتبارها مرجعية للاحتكام بها وإليها أمام المجتمع الدولي وتهرب تل أبيب من استحقاقاتها.
5- «إقامة دولة فلسطينية مستقلة كاملة السيادة، وعاصمتها القدس، على خطوط الرابع من حزيران 1967، مع عودة اللاجئين والنازحين إلى منازلهم التي أُخرجوا منها، هي صيغة توافقية وطنية مشتركة».
بذلك تعمل «حماس» على توظيف هذه الصيغة لتشكل لها غطاء لقبول التسوية والانخراط في دهاليزها والتكيف مع معطياتها نزولاً عند الصيغة التوافقية، والاختباء خلفها.  
6- «مقاومة الاحتلال بالوسائل والأساليب كافة حق مشروع، وفي القلب منها المقاومة المسلحة التي تُعد الخيار الإستراتيجي لحماية الثوابت واسترداد حقوق الشعب الفلسطيني».
كافة الفصائل الفلسطينية بما فيها فتح تؤكد هذا الكلام.
7- «إدارة المقاومة من حيث التصعيد أو التهدئة، أو من حيث تنوع الوسائل والأساليب، يندرج كله ضمن عملية إدارة الصراع».
غطاء للالتزام باتفاق التهدئة الساري المفعول بينها وبين العدو الإسرائيلي.
8- «تؤمن «حماس» وتتمسك بإدارة علاقاتها الفلسطينية على قاعدة التعددية والخيار الديمقراطي والشراكة الوطنية وقبول الآخر واعتماد الحوار، بما يعزّز وحدة الصف والعمل المشترك، من أجل تحقيق الأهداف الوطنية وتطلّعات الشعب الفلسطيني».
يتنافى هذا العرض مع سلوك حركة حماس بإدارتها المنفردة لقطاع غزة، منذ الانقلاب في حزيران 2007 وحتى يومنا هذا.
9- «منظمة التحرير الفلسطينية إطار وطني للشعب الفلسطيني في الداخل والخارج يجب المحافظة عليه».
  فشلت حركة حماس في أن تكون البديل عن منظمة التحرير منذ تشكيلها وولادتها، وهي لم تقر بعد أنها الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني.
10- «تؤكد حركة حماس على أن دور السلطة الفلسطينية يجب أن يكون في خدمة الشعب الفلسطيني وحماية أمنه وحقوقه ومشروعه الوطني».
يبدو أن «حماس» تتجاهل أنها شريك في هذه السلطة، فهي تقود المجلس التشريعي والحكومة، ونفذت انقلاباً وفر لها التفرد في إدارة قطاع غزة ولا تزال، وهي لا تختلف عن حركة فتح في إدارتها الانفرادية للهامش المتاح لها في الضفة الفلسطينية، فالحال من بعضه بين الضفة والقطاع، وبين «فتح» و»حماس».
ومع ذلك وجدت وثيقة «حماس» الترحيب من قبل أغلبية الفصائل والشخصيات الفلسطينية لأنها تجد فيها تطوراً يتجاوب مع المعطيات القائمة، ويوفر أرضية للتلاقي باتجاه تحقيق ثلاثة شروط يتطلع إليها الشعب الفلسطيني وهي:
1 – برنامج سياسي مشترك تتم صياغته من مجموعة الفصائل والاتجاهات الفلسطينية كافة.
2- مؤسسة تمثيلية موحدة وهي منظمة التحرير وأداتها على الأرض داخل فلسطين المحتلة السلطة الوطنية.
3- الاتفاق على الأدوات الكفاحية المناسبة لمواجهة المشروع الاستعماري التوسعي الإسرائيلي، والأدوات هي: انتفاضة شعبية ذات طابع مدني، الكفاح المسلح، المفاوضات، النشاطات الدبلوماسية والسياسية على المستوى الدولي.