لا شيء يكسرنا

صادق
حجم الخط

لم تصدق نبوءة تلك الصهيونية الطارئة على ارض فلسطين والجاهلة بشعبها وتاريخه المجيد غولدا مائير حين قالت عن استمرار تمسك شعبنا بأرضه ووطنه «الكبار سيموتون والصغار سينسون» فالكبار الذين تحدثت عنهم لم يموتوا  قبل أن يستنسخوا حيواتهم في أبنائهم وأحفادهم ويورثوهم غريزة التمسك بحقهم في الأرض وحقهم بالعودة لها والى بيوتهم وأملاكهم.          وأما الصغار فانهم يبرهنون كل يوم على امتلاكهم ذاكرة لا تقل حديدية عن إرادتهم وعزيمتهم، تقوم على أساس الانتماء الى الوطن الفلسطيني بكليته والذي يزداد تجذراً كل يوم في أوساط الأجيال الجديدة بشكل يبعث الفرح والبشر بقدر ما ينعش الأمل. 
 ولا نجحت نصيحة جابوتنسكي منظر التطرف والإرهاب الصهيوني وإمامه  حين كتب «الفلسطينيون متخلفون عنا ثقافياً وروحياً 500 سنة..... ومع ذلك، فان كل شعب أصيل سوف يقاوم اي مستوطنين أغراب طالما يرى فسحة امل في انهاء الخطر القادم من الاستيطان الاجنبي. وهذا ما يفعله عرب فلسطين، وما سوف يواصلون فعله طالما بقي لهم اي بصيص امل في الحيلولة دون تحويل فلسطين الى «ارض إسرائيل».
«فليس ثمة طريق لهذا الاستعمار كي يتواصل ويتحقق الا بالقوة – بجدار حديدي لا يتمكن السكان المحليون من اختراقه».
للعلم، كان من اشهر تلاميذ جابوتنسكي رموز الإرهاب الصهيوني مناحيم بيغن واسحق شامير وارئيل شارون وغيرهم. أما سكرتيره الخاص فكان والد رئيس الوزراء الحالي نتنياهو. 
لم تفلح نصيحة جابوتنسكي، فما زال الأمل عامراً وعفياً في نفوس الشعب الفلسطيني وشبابه المتجدد، لم ييأس ولم يستسلم وما زال يناضل لاختراق الجدار الحديدي بلا كلل او يأس، وما زال متمتعاً بالعزيمة والإصرار ومتمسكا بثوابته ومناضلا بمثابرة وبكل الوسائل لاستعادة حقوقه. ولا يفتّ من هذه العزيمة والإصرار مرور الزمن ولا الاعتداءات المتكررة التي تستهدف الحياة كما تستهدف رغيف الخبز وأمن السكن وفرصة العمل، ولا تكالب القوى المعادية ومؤامراتها ولا الخيبات متعددة الأشكال ومتعددة المصادر، ولا الرهانات الخاسرة، ولا التبعثر على المنافي، ولا حتى اختلافات اخوة النضال وانقسامهم المؤذي بقدر ما هو مؤلم.
 اليوم وبعد 67  عاماً ما زلنا على انتمائنا الراسخ، ما زلنا على الجمر قابضين وبالأرض متشبثين وبالحقوق الثابتة متمسكين. وما زال الأمل عامراً في قلوبنا والثقة بالنصر متجذرة في نفوسنا.
اليوم نحيي الذكرى وما زال أولادنا يذهبون الى المدارس كل يوم يرفعون العلم وينشدون النشيد الوطني ويتلقون العلم ويتشربون الوطن.
 اليوم نحيي الذكرى وشعبنا في الجليل والمثلث والنقب ما زال صامداً على ارضه متمسكاً ببقائه فيها ومتصدياً لكل أشكال العنف والتفرقة والتمييز والاضطهاد التي تمارسها عليه دولة الاحتلال. 
اليوم نحيي الذكرى وما زال الأهل صامدين في عاصمتنا الأبدية قدس أقداسنا يمنعون بصدور عارية وعزيمة تستلهم كل الوطن ومقدسات الأديان كلها وكل التاريخ، يمنعون تهويدها ويحافظون على بهاء وجهها المقدس.
اليوم نحيي الذكرى ولاجئونا صابرون على قسوة العيش في مخيماتهم ومقاومون كل محاولات إخلائهم منها لإزالتها، وذلك حفاظاً على رمزيتها وكونها العنوان الأبرز لحق العودة المقدس.  
واليوم نحيي الذكرى، وقد حققنا منذ الذكرى السابقة إنجازات نراكمها فوق سابقاتها:            
- حققنا إنجاز الصمود في غزة ضد العدوان الوحشي الذي شنته قوات الاحتلال في الصيف الماضي ومنعناه من تحقيق أهدافه من العدوان، ولعبت وحدة كل الشعب في كل أماكن تواجده وعلى اختلاف ألوانه، إلى جانب بطولات المقاومين، العامل الحاسم في هذا الإنجاز.                    
-  حققنا إنجاز اختراقات دولية هامة تمثلت أساسا في اعتراف بعض الدول وعديد من البرلمانات بدولتنا الفلسطينية، وتوج هذه الاختراقات منذ ايام  قليلة اعترافُ دولة الفاتيكان، خصوصاً وان هذا الاعتراف ترافق مع لمحة قدسية مباركة تمثلت بترسيم البابا لقديستين فلسطينيتين.
- حققنا إنجاز الانضمام الى عدد كبير من المنظمات الدولية وأهمها الحصول على عضوية محكمة الجنايات الدولية.  وبدأنا برفع قضيتين الى المحكمة: جرائم العدوان الأخير على غزة والبناء الاستيطاني في الضفة الغربية.
اسرائيل التي قاومت انضمامنا للمحكمة وترتعب من مفاعيلها المتوقعة بدأت فعلا بصراع مفتوح مع المدعية العامة للمحكمة لمجرد بدئها بالإجراءات التمهيدية للنظر في الدعاوى.
- حققنا إنجازاً تمثل بالقرار الذي اتخذته هولندا بوقف المعونات التي تقدمها الى الناجين من الهولوكوست لكل من يسكن في المستوطنات منهم.
- ثم، ألا يحق لنا ان نعتبر المأزق الذي تعيشه دولة الاحتلال والمتمثل مؤخراً في تشكيل الحكومة الأخيرة، هو بنسبة ما، من نتائج صمودنا في وجه احتلاله ومقاومتنا له ولمشاريعه؟ 
 وأخيراً، هل يحق  لنا الأمل بأن يكون الإنجاز الأهم الذي نحققه في الأيام القادمة هو إنهاء انقسامنا واستعادة وحدتنا الوطنية كاملة وبشكل حقيقي وواقعي، وليكون ذلك مفتاح ترتيب بيتنا الفلسطيني وتفعيل مؤسساتنا التشريعية والتنفيذية على أساس إرادة الجماهير واختيارها الحر. 
في الذكرى 67  لا شيء يكسرنا، لا شيء يضعف انتماءنا الى وطننا، لا شيء يطفئ الأمل في نفوسنا، لا شيء يكسر إرادتنا، لا شيء يوهن عزيمتنا، لا شيء ينسينا ثوابتنا، لا شيء يوقف نضالنا لتحقيق أهدافنا الوطنية.