بينما ينشغل الفلسطينيون كل وفق حساباته، في موضوع المصالحة المتعطلة والإجراءات المبهمة التي يكرر الرئيس محمود عباس أنه سيتخذها، وأنها غير مسبوقة، وايضاً كل من موقعه يتعامل مع معركة الأمعاء الخاوية، ثمة معركة أخرى وطنية بامتياز تستحق من الكل الوطني إيلاءها كثيرا من الاهتمام.
تجاهل هذه المعركة، بما تستحق من اهتمام، يقدم مؤشراً آخر على مدى خطورة استمرار الانقسام، وتداعياته، التي جردت المواطن من وطنيته ومن اهتمامه بالحقوق الوطنية، وأشغلته في التفكير والتدبير في شؤون حياته الخاصة المهددة، وايضاً بسبب استمرار الانقسام.
هي حال من الاستنزاف المتواصل، للجهد الوطني، ولجملة القيم، الوطنية، لحساب استمرار انقسام، وحصار، يعلن الجميع أنه يخدم المصالح الإسرائيلية وينكر الجميع ما ينطوي عليه ذلك من مصالح لفئات وفصائل على حساب المصالح الوطنية العليا.
في إسرائيل جرى يوم أمس، المصادقة بالقراءة التمهيدية الأولى في الكنيست على مشروع «قانون القومية»، والذي تقدمت به اللجنة الوزارية للتشريع، الأمر الذي يعكس موقفاً رسمياً لحكومة اليمين المتطرفة، وليس لعضو كنيست أو كتلة حزبية.
«قانون القومية» ينص على أن دولة إسرائيل هي البيت القومي للشعب اليهودي وان حق تقرير المصير في دولة إسرائيل يقتصر على الشعب اليهودي». وفق صيغة القانون تصبح اللغة العبرية هي اللغة الرسمية، وتتغير مكانة اللغة العربية من لغة رسمية، إلى لغة لها مكانتها الخاصة في الدولة. يشكل مشروع القانون الجديد، تتويجاً لجملة سبقته من القوانين التي تعمق الطابع العنصري للدولة الإسرائيلية.
عملياً الإجراءات والسياسات العنصرية، كانت سبقت إقرار مثل هذا القانون حيث يخضع الفلسطينيون الذين يشكلون 20% من عدد السكان، لتمييز واضح وصارخ، منذ عقود طويلة الأمر الذي جعل الحركة الوطنية الفلسطينية في أراضي 1948، أن ترفع شعار دولة المساواة، وذلك من واقع الشعور بأن الدولة ومؤسساتها الرسمية وغير الرسمية تتعامل معهم، كأقلية مهمّشة. إذا كانت أراضي الفلسطينيين تخضع للمصادرة، ولا تحظى المدن والقرى الفلسطينية بالموازنات والخطط التطويرية أسوة بالمستوطنات والكيبوتسات، والمدن ذات الأغلبية اليهودية، فإن إقرار هذا القانون سيشكل علامة فارقة بين زمنين.
طبقاً للإجراءات المطبقة على الأرض منذ سنوات، فربما لا تختلف هذه الإجراءات عما سبق، لكن كل ما سبق من إجراءات، تعتبر محمية بقانون، وتعكس سياسة رسمية في تعريف الدولة لنفسها، بدون أي خجل أو خوف من أية انتقادات طالما أن الولايات المتحدة تقدم لتلك الدولة كل الدعم اللازم والحماية. على أن قادم السنين، قد يشهد تصعيداً في الإجراءات الرسمية، لكي تتخذ طابعاً سياسياً، ذا طابع عدواني أكثر.
المقصود بالبعد السياسي في ممارسة القانون ينطوي على عمليات تضييق وقمع للحركة الوطنية الفلسطينية، ويمكن أن تتصاعد نحو عمليات تهجير قسري للفلسطينيين من قراهم وبلداتهم ومدنهم.
تتطلع إسرائيل، لأن تصبح مكانة الفلسطيني في أرضه إلى مكانة مقيم كما هو حال سكان القدس الأصليين من الفلسطينيين، الذين يواجهون منذ عقود سياسة ممنهجة، لكسر الميزان الديمغرافي لمصلحة اليهود، ولأجل تهجيرهم، تتخذ السلطات الإسرائيلية عشرات القرارات والإجراءات. وعمليات هدم البيوت لكي ترغم الفلسطينيين على مغادرة بيوتهم وأراضيهم وممتلكاتهم. إسرائيل التي ترفض تعيين حدودها، ما يعكس أطماعها في الضفة الغربية والقدس، تستكمل بهذا القرار، تعريف نفسها كدولة يهودية عنصرية. ان النص على أن حق تقرير المصير في دولة إسرائيل يقتصر على الشعب اليهودي، يعني أنه لا حقوق للأقليات الأخرى بما في ذلك الأقلية الفلسطينية الكبيرة، التي تشكل قائمتها في الكنيست اليوم الكتلة الأكبر على مستوى المعارضة.
وانطلاقاً من النص ذاته، فقد تنطوي تفسيراته على أن حق تقرير المصير للشعب اليهودي، لا يمكن أن يكتمل ويتحقق إلاّ بالتخلص من وجود الأقليات الأخرى، والمقصود أولاً الفلسطينيين.
أكثر من مرة، ردد وزير الدفاع الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان، ان عملية تبادل الأراضي في حال تم التوصل إلى تسوية مع الفلسطينيين تعني بالنسبة له، تبادلاً جغرافياً وديمغرافياً. يقصد ليبرمان على نحو صريح، انه مقابل تخلي السلطة وموافقتها على ضم الكتل الاستيطانية لإسرائيل، بأن تحصل على مناطق في المثلث والجليل بسكانها البالغ عددهم نحو ثلاثمائة ألف فلسطيني.
الفلسطينيون في مناطق 1948، بدؤوا بخوض معركتهم ضد القانون، وهم يبدون شجاعة منقطعة النظير، ومستعدون لبذل التضحيات لإلحاق الهزيمة بهذه السياسة العنصرية الاقتلاعية، لكنهم يحتاجون إلى العون من قبل أهلهم في الأراضي المحتلة، بل ومن كل الشعب الفلسطيني حتى لا يصبح حق العودة، الذي تقول إسرائيل إنه للضفة الغربية والقدس، وكأنه يشمل الفلسطينيين في مناطق عام 1948.
إسرائيل تفتح على نفسها جبهة جديدة، ينبغي أن يتوحد الفلسطينيون وأن يتجندوا لخوضها، وعنوانها الرئيس مناهضة العنصرية، التي تتجه نحو أن تكون «جنوب افريقيا» ثانية قبل هزيمة العنصرية فيها.
على كل الأحوال، تصر السياسة الإسرائيلية على أن تذهب برجليها إلى الجحيم كما قالت تسيفي ليفني ذات يوم، ذلك أن دولة كهذه، تملك كل مقومات التدمير الذاتي، ذلك أن العالم إن كان اليوم قادراً على تحملها لن يستطيع مواصلة تحمل هذا العبء الثقيل.