ثمة استياء شعبي كبير من الطريقة التي تدير فيها حماس مفاوضات التهدئة، حيث بات واضحاً أكثر بالنسبة للكثيرين بأن غاية حماس ليست إنهاء الحرب بل ترتيبات اليوم التالي للحرب، اليوم الذي تظل فيه موجودة وتحكم غزة بطريقة أو بأخرى.
مضى الآن أكثر من 13 شهراً على التهدئة التي تمت في أواخر تشرين الثاني من العام 2023، ومنذ تلك اللحظة وحماس تفاوض على التهدئة دون أن تدرك بأن هذه المفاوضات تتم وكل يوم يستشهد العشرات وفي بعض الأيام المئات من أبناء شعبنا، وكل يوم يتم محو جزء من قطاع غزة عن الخريطة بشكل كامل. بالطبع لا أحد يدفع حماس للاستسلام حتى لا يُقال إنها فعلت ذلك لأننا طلبنا منها ذلك، ولكن ماذا يمكن أن نصف ما جرى في قطاع غزة، حيث دمرت إسرائيل كل شيء واحتلت كل شيء ولم تُبق على شيء. أتمنى أن لا ينظر أحد لما يجري على أنه انتصار أو حتى صمود. ثمة كارثة ومحرقة وثمة تراجع وهزيمة كبيرة، إلا إذا اعتبر أحد أن مواصلة احتجاز الأسرى الإسرائيليين في غزة هو انتصار، لأن جيش الاحتلال لم يصل لهم غير آبه بحقيقة أن عدم صد الاحتلال ومنعه من تدمير غزة، وقتله لأكثر من 45 ألفاً من أبناء شعبنا، وفقد قرابة 30 ألفاً آخر لا يمكن أن يضاهيه شيء، حتى كلمة هزيمة.
كتبت على هذه الصفحة أكثر من مرة إن مسؤولية التهدئة لا يجب أن تكون مسؤولية قيادة حماس وحدها، رغم أنها من يقرر حين يتعلق الأمر بالأسرى الإسرائيليين، ولكن أيضاً يجب أن يكون واضحاً أن ليس من حقهم أن يخطفوا الشعب ويغلقوا عليه الباب ويلقوا بالمفتاح في قاع بحر المجهول. هذا ليس شعبهم وحدهم، هذا شعب الجميع. وعليه فإن الجميع يتحمل مسؤولية كبيرة لانهاء الحرب، والأهم للوقوف في وجه حماس ليس من أجل دفعها للهزيمة (فهي تعتبر أنها منتصرة رغم كل شيء حدث) بل من أجل ردعها عن مواصلة خطف شعبنا ورميه في المجهول. وتحديداً فتح تتحمل مسؤولية كبيرة في ذلك لأنها الفصيل الأول ولأنها التنظيم الذي ينظر إليه الناس في غزة لإخراجهم من النفق. الناس في غزة تنتظر فتح أن تنقذها. وفتح التي حملت مسؤولية قيادة الشعب الفلسطيني وفوّضها تاريخها النضالي والكفاحي بذلك عليها أن تتحرك من أجل إنقاذ شعبنا. التاريخ لن يرحم فتح وعدم تحركها لن يتم التساهل معه في المستقبل. الناس تريد من فتح أن تأخذ المبادرة، وعلى فتح أن تصوغ هذه المبادرة الميدانية وتقوم بتنفيذها. حماس خطفت غزة في انقلابها عام 2007 وواصلت خطفه لسبعة عشر عاماً، وها هي لا تبقي شيئاً منه. صار حلم الناس وقف الحرب وفتح المعبر من أجل أن يهاجروا ويتركوا غزة. هذا مؤلم وجارح لكبريائنا الوطني. الناس الذين قاتلوا من أجل البقاء في الوطن لم تترك لهم الحرب وطريقة إدارة حماس للمعركة وطريقة تعاطيها الرخوة وغير المبالية مع التهدئة ومع معاناتهم شيئاً ليبقوا من أجله. فقط إذا شعروا أن ثمة أملاً يمكن لكل هذا أن يتغير. وفتح وحدها قادرة على بث هذا الأمل من اجل التحرك ومواجهة حماس بالحقيقة بشكل واضح. على فتح أن تنقذ غزة أو ما تبقّى منها.
ليس مطلوباً من منظمة التحرير أن تعلن ولايتها على قطاع غزة، فهذه الولاية لم تتوقف يوماً حتى بعد انقلاب حماس. فوجود انقلاب لا يعني أن الشرعية سقطت. وعليه فإن منظمة التحرير واصلت دائماً تمثيلها لشعبنا في قطاع غزة كما كان القطاع دائماً موجوداً في أعمال وهيئات المنظمة. من جهة قانونية فإن السلطة الوطنية مؤسسة من مؤسسات منظمة التحرير وقد وجدت بقرار من المجلس المركزي الفلسطيني في العام 1994، وعليه فإن القول بإعلان المسؤولية القانونية أو السياسية أو أي شيء يعني الاعتراف بأن مسؤولية حماس المفروضة سابقاً كانت قانونية ومقبولة. ببساطة على المنظمة أن تخاطب المنظمات الدولية حول توجهاتها المستقبلية حول قطاع غزة. ولكن يظل السؤال: هل ثمة مثل هذه التوجهات؟! فأطر المنظمة التمثيلية خاصة المجلسين الوطني والمركزي لم يجتمعا حتى اجتماعاً واحداً من أجل مناقشة الحرب على غزة.
عموماً المنظمة بحاجة لموقف واضح تطلب فيه من الحكومة الفلسطينية (ربما بعد اجتماع عاجل للمجلس المركزي) أن تقوم بتنفيذه يتكون من تشكيل أطر للحكومة في غزة. حماس لا يجب أن يكون لها رأي في ذلك، فهي أرادت أن تحول لجنة الإسناد إلى حكومة خاصة بغزة تتحكم بها بالشراكة مع فتح. بمعنى تستخدم اللجنة من أجل مواصلة حكمها ولكن هذه المرة بموافقة فتح والكل الوطني. لم تفهم حماس ولم تقدر مقاصد فتح الوطنية ورغبتها في التسامي على جراح الانقلاب والانقسام والنظر لمستقبل شعبنا وبقائه في غزة، فتمادت وصارت ترغب بتشكيل اللجنة وحدها حتى. حماس للأسف تتعامل أن لا شيء حدث بعد الساعة الثامنة من صباح السابع من أكتوبر. تعيش في ترف وخيالات الدويري. نحن لسنا بحاجة لتشكيل أي شيء او أي لجنة. فقط الحكومة تصوغ أجهزتها الإدارية وقوى الأمن تعيد ترتيب هيكلها في غزة، والإعلان بشكل واضح أن الحكومة الفلسطينية التي شكلها الرئيس بوصفه الشخص الوحيد المنتخب مباشرة من الشعب ستباشر عملها تحت كل الظروف في غزة، فهذا شعبنا ولا يمكن لنا تركه.
ومع ذلك فإن الأمر لا يتم دون نقاش واع مع الإقليم، خاصة مع مصر. مصر جزء أساس وشريك في أي توجهات مستقبلية بخصوص غزة. ومن الواضح بأن الحوارات الأخيرة مع حماس في مصر حول لجنة الإسناد لم تؤت ثمارها، ومصر طرف مركزي وحيوي وداعم دائماً لتوجهات المنظمة والشرعية الوطنية الفلسطينية.
لماذا سميت فلسطين بهذا الاسم؟
19 ديسمبر 2024