كلّ منهما يعنيه الآخر قبل أيّ شيء آخر في كلّ كلمة أو خطاب أو خطوة، هذا ما يصف به أحد المعلّقين «الإسرائيليين» العلاقة بين الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله وقادة كيان الاحتلال، ولذلك يبقى الأهمّ كيف وقع خطاب السيد نصرالله على «الإسرائيليين»؟ وكيف قرأوا ما فيه؟ وما هو موقعه في قلب هذا الصراع التراكمي الذي تشترك في صناعة موازينه الأفكار، كما المعارك والأسلحة والاستعدادات التي لا تتوقف؟
-بداية توقف «الإسرائيليون» أمام إعلان نصرالله نهاية معارك الشمال الشرقي في لبنان، ونهاية مهمة حزب الله فيها. وهذه الجبهة التي لم يُخفِ «الإسرائيليون» يوماً أيديهم في فتحها ورسائلهم الجوية لحمايتها، وفرحهم بتورّط حزب الله ليسقط فيها، ورهانهم على تحوّلها حرب استنزاف تصرفه عن الاهتمام بحربها، وتدفع قوته وناسه إلى تآكل لا قعر له. هي الحرب التي يخرج منها نصرالله منتصراً وقد زاد حزبه خبرة وقوة وزادت شعبيته تماسكاً وثقة. ويتساءل «الإسرائيليون» هل ما قدّمه نصرالله من نموذج لمستقبل وجود مقاتلي حزب الله في سورية، سيشمل جنوب سورية، أم أنّ قواعد جنوب الشرق غير قواعد شماله، وهو المتصل بالجولان وجنوب لبنان وله حكايات وحكايات يجهل «الإسرائيليون» المخبّأ منها؟
-خسر «الإسرائيليون» رهانهم السوري في الحرب مع حزب الله بصورة لا مجال لإنكارها. هذه أول استنتاجات الخطاب، أما ثانيها فتوقف أمام معادلات وجمل صوتية مقطوعة تتحوّل شعارات رمزية من نوع «إسرائيل أوهن من بيت العنكبوت». لم يجد «الإسرائيليون» في مواجهتها إلا لعبة الصوت الخفي من وراء شبكات عنكبوتية لا تقدّم ولا تؤخر سوى كشف مدى الضيق من جهة والعجز من جهة أخرى. كما كشفت ركاكة أمن منظومة الاتصالات في لبنان، لكن معادلات السيد بقيت وتفاعلت ولم يقطع الطريق عليها ببث الرسائل المسجلة، وأهمّها معادلة الغد «سنكون حيث يجب أن نكون».
-«إسرائيل» تختبئ وراء الجدران وباتت مكشوفة، خلاصة رسمها خطابا السيد في حصيلة تقييم إجراءات الأمن «الإسرائيلية»، وهي استقراء لمسار انتقلت فيه «إسرائيل» من خسارة الرهان على قدرتها الاحتفاظ بكل أرض تحتلها، وقد سقطت في جنوب لبنان عام 2000 وتكرّس سقوطها في غزة عام 2005، وتلاها سقوط القدرة على إعادة الاحتلال في لبنان 2006 وفي غزة 2008 و2012 و2014، وبالتوازي سقوط قدرة الردع في هذه الحروب، لتصل «إسرائيل» بعد سنوات من رفع شعار ترميم قدرة الردع إلى الاستسلام لليأس من القدرة على تحقيق هذا الشعار ودخول مرحلة الجدران.
-معادلة «سنكون حيث يجب أن نكون»، تنطلق من هذا الاستسلام الفكري «الإسرائيلي»، كنتاج لكسر المقاومة لاستراتيجية كيّ الوعي التي اتبعها «الإسرائيليون» مع العرب، ثم نجاح المقاومة وعلى رأسها قائد هو السيد نصرالله بكيّ كيّ الوعي، والانتقال لكيّ معاكس للوعي. ومثلما كان مضمون كيّ الوعي، إسقاط فكرة المواجهة والمقاومة، يشكل مضمون الكيّ المعاكس إسقاط فكرة الردع، وإعادة الأمور إلى النزال البدائي للجيوش… رجل لرجل، وجيش لجيش والبرّ هو الميدان، حيث لا تنفع خنادق ولا جدران، ويصير نداء السيد بمعادلة «سنكون حيث يجب أن نكون»، «هل من منازل؟».
-أسباب القوة تتحوّل عبئاً على القوة نفسها، معادلة السيد الضمنية، التي تجسّدها سياسة الأسر والاعتقال وتنفجّر بوجهها قنبلة موقوتة مع الأمعاء الخاوية اليوم، كما تجسّدها المخزونات الهائلة للمقدّرات القاتلة من مواد كيميائية وسلاح نووي، باتت العبء الأكبر ومصادر خوف وذعر مع تهديد السيد نصرالله، بالقدرة على معرفة مكانها بدقة وإصابتها بدقة وتدميرها بقوة، ومثلها كلّ مصدر للقوة تتباهى به «إسرائيل»، من يهوديّتها التي ستحوّلها نظام أقلية يغرق في بحر الأكثريات، من فلسطين إلى الأبعد، إلى ديمقراطيتها التي تضعف قدرة الذهاب بعيداً في القرارات الصعبة سلماً وحرباً خشية تبدل مزاج الناخبين، وصولاً لعلاقتها المميّزة بالغرب، وعلى رأسه أميركا، وقد تحوّلت من سبب شعور بالثقة إلى مصدر خوف من التبعية والإلحاق والتعرّض للضغوط.
-يقول المعلقون والمحللون «الإسرائيليون» إنّ السيد نصرالله بات يعرف ناسها وقادتها وخبراءها أكثر مما يعرفون أنفسهم، وأنه يمتلك مفاتيح الضحك والبكاء والأمان والخوف التي تسكن نفوسهم ويجيد تحريكها، والتحكّم بها، من دون أن يتمكن أيّ منهم من إيقاف مسلسل الرعب الذي ينتظرهم حتى يترجم السيد يوماً معادلته «سنكون حيث يجب أن نكون»، بعدما قال بانسحابه من شرق لبنان، إنه فعل ما فعل في حرب سورية وخرج منتصراً وأشدّ قوة، لأسباب كثيرة، لكن ليرث من هذه الحرب شعار «سنكون حيث يجب أن نكون»، وليضيف «الإسرائيليون» والفلسطينيون معاً «مَن اجتاز الحدود لأجل سورية فسيجتازها لأجل فلسطين».
عن البناء اللبنانية