لعبة القط والفأر في الأزمة السورية

د. عبد المجيد سويلم.jpg
حجم الخط

في الحالة السورية هناك الكثير من الشواهد والأدلة على أنه كلما تم التوافق على اتجاهات سياسية جديدة لحل الأزمة السورية هناك من يجد الطريقة «المناسبة» لإعادة تفجير الوضع أو لتغيير مسار تلك الاتجاهات والتركيز على «بشار الأسد» ودور بشار الأسد وأوامر بشار الأسد.
فبعد خان شيخون لدينا اليوم صيدنايا ومن يدري ما الذي سيتم التركيز عليه في الأيام والأسابيع القادمة بل الذي سيتم فبركته كحدث إعلامي على الأقل.
هناك أطراف من معادلة الصراع القائمة على الأرض السورية «تخشى» من الحل السياسي، ولذلك فإن استراتيجيتها الحقيقية هي استمرار القتال لأن الكثير في سورية ما زال بحاجة إلى تدمير، وما زالت الكثير من مكامن القوة موجودة لدى مؤسسة الدولة السورية، وما زال حسب استراتيجية هؤلاء الكثير من التماسك الاجتماعي السوري، ولم يتم تحطيم هذا المجتمع بالرغم من كل ما تعرض له من تدمير وتشريد.
عندما نمعن في معادلة الصراع السورية لا نجد في الواقع من يكون أكثر حماسة لاستمرار هذا الصراع، واستمرار هذا التدمير أكثر من إسرائيل، ولا نجد في الواقع مصالح حيوية حقيقية أكثر وأكبر من المصالح الحيوية الإسرائيلية جراء استمرار الحرب في سورية وعليها.
وعندما بدت الأمور في غير المصالح الإسرائيلية، وبدأت المعارك العسكرية تسير باتجاه إعادة سيطرة الدولة السورية على أهم وأكبر المناطق السورية تم «اختلاق» معارك «إعلامية» كبيرة حول أحداث هي في الواقع جزء من واقع الصراع الميداني والعسكري لكي يتم تأجيج الصراع العسكري بالذات والذهاب باتجاه تحويل المعارك الإعلامية إلى معادل سياسي كبير يؤثر على المسار السياسي سواء المسار التمهيدي في استانا إلى المسار المباشر في جنيف.
إذن، هناك من لا يريد أي حل سياسي، وهناك من يريد إعاقة التوصل إلى أسس سياسية مستقرة للحل، وإدخال المفاوضات والمحادثات السياسية في مساحات ومناطق «قانونية» و»انتهاكات» مزعومة متبادلة وحرف كل مسار التقدم نحو بحث «الدستور» ومستقبل العلاقات الوطنية في سورية ووحدة أراضي الدولة السورية وإعادة بناء المجتمع السوري بعد كل هذا الدمار الذي لحق ببناه السياسية والاجتماعية والثقافية إضافةً طبعاً إلى البنى الاقتصادية التي طالها الكثير من الخراب والتخريب.
حتى الولايات المتحدة بعد مجيء ترامب تم سحبها وسحب موقفها إلى ساحة الحرب واستمرار الحرب بعد أن كان الرئيس السابق اوباما يفضل الابتعاد الكامل والتام عن ميدان العمليات، وبعد أن تبنّى ترامب نظرية مفادها ـ عدم أولوية الصدام ضد النظام وتركيز الاهتمام على محاربة الإرهاب.
هناك من عمل على ما يبدو على تصوير الأمور للرئيس الأميركي على هيئة ما، أو شاكلة ما، لكي تتحول الولايات المتحدة إلى عنصر فعال بصورة مباشرة في مسار الأحداث العسكرية والميدانية في سورية.
المشكلة الكبرى وربما الطامة الكبرى أن العرب لا «ينتبهون» إلى خطورة الانجرار وراء هذا المسار. المسألة ليست أبداً في الموقف من بشار الأسد، أو في مستقبل بشار الأسد بقدر ما أن الحديث عن الأسد بالذات ليس له علاقة بالرئيس السوري نفسه بقدر ما أن المسألة تتعلق بالطريقة أو الوسيلة التي يتم استخدامها لإدامة الحرب واستمرار التدمير وللقضاء على كل الآمال بأن يتم وقف هذا الجنون والذهاب باتجاه البحث عن حلول سياسية قد تنقذ آخر ما تبقى مما يمكن إنقاذه.
العرب بدلاً من أن يكونوا أكثر الناس وعياً لخطورة هذا الانجرار وراء استمرار البحث عن تدمير سورية يبدو هؤلاء العرب أكثر حماسة للاستمرار في هذا النهج من الأصحاب الحقيقيين لهذا المشروع وهم على الأغلب إسرائيل والولايات المتحدة وبعض البلدان المتشنجة في الغرب.
صحيح أن سلوكيات إيران في بعض الأحيان والمناطق تخلق الانطباع من أن ثمة عملا منظما يجري لاستباحة الواقع المشرقي إلاّ أن التعامل مع هذه السلوكيات والاستراتيجيات (إن شئتم) يتطلب فرز الموقف العربي عن المواقف الأخرى ويتطلب الأمر مساحة عربية خاصة مفصولة عن الميدان المباشر للفعل الغربي على الساحة السورية.
المهم أن العرب ينجرون ولا يجرّون، يأتون ويخرجون، يدافعون ويهاجمون، يصعدون وينزلون دون ما يكفي من الثبات الداخلي والاستقرار على استراتيجية قومية شاملة نابعة أولاً وأخيراً من المصالح القومية.
وبما أن المشروع العربي هو الغائب، وبما أن الرؤية العربية ليست مطروحة على جدول أعمال الإقليم فإن أكثر ما يمكن انتظاره من لقاء الرئيس الأميركي بقادة العالم الإسلامي هو المزيد من «الانخراط» العربي في المنظومة الغربية في تأكيد جديد على غياب الرؤية العربية المستقلة.
لو أدرك العرب أهمية أن يكون لهم رؤية مستقلة عن الغرب ولكنها ليست ضده، معه ولكنها ليست متماهية فيه، لو أدرك العرب أهمية ذلك لهم ولمستقبلهم لتوقفوا فوراً عن العمل تحت عباءة الآخرين.
ربما أن الوقت لم يحن بعد، لكن المؤكد أن الذوبان في مشروع الآخرين هو وصفة مؤكدة للهلاك والتوريط وقد تكون نتائجه كارثية على العالم العربي كله.