"عاشت الفكرة" بهذا الخص مجمل نتيجة انتخابات مجلس بلدية رام الله، خصوصاً أنني كنت جزءاً من المنافسة ضمن إطار كتلة أبناء البلد، وحققنا فوزاً مريحاً نصابه ثمانية مقاعد من أصل خمسة عشر مقعداً، كنت أنا ثامنهم في الترتيب، الا أن الكوتا رجَّحت كفة مرشح آخر في قائمتنا.
منذ ظهور النتيجة الأولية مساء السبت 13/5/2017 وقرارنا في كتلة "أبناء البلد" عدم الاحتفاء وعدم تقبل التهنئة وعدم البهرجة انتصاراً للأسرى وترك الفضاء العام لهم ولنضالهم، تلقيت عديد المكالمات للتهنئة للكتلة، ومن ثم لي شخصياً على اعتبار انني الثامن ترتيباً، المهم في هذه المكالمات نوعيتها وليس كميتها، سعدت بها لأنها كانت تركز على أمرين الأول : انت انتصرت للفكرة عاشت الفكرة، وجوهر الفكرة أن نحافظ على ميزة رام الله انها مدينة منفتحة تقبل الآخر، فهي لابن رام الله ولسكانها وهي لابن جنين وقلقيلية وحلحول ودورا وطولكرم ورفح وخان يونس ونابلس، وتتميز رام الله ان فيها بلدية ممؤسسة مهنية، وبالتالي كانت الفكرة أساساً وجوهرها لدينا "الحفاظ على استقلالية البلدية" استقلالية من الواسطة والمحسوبية واستخدام النفوذ لتحقيق قرار بلدي غير محق وغير محصن قانونيا، تلك كانت فكرة "أبناء البلد".
وخلال العملية الانتخابية والحملة الدعائية كان النقاش خصباً في رام الله : انتم في كتلة أبناء البلد خضتم الانتخابات عام 2012 انتصاراً للصندوق ورفضاً للتعيين بطريقة او بأُخرى، اليوم ما الجديد لديكم؟ قلنا بوضوح: ان الجسم الذي لا يتجدد ينقرض، فآثرنا ان نتجدد في ضوء حجم الضغوط التي ستمارس ويجهز لممارستها على مؤسسة بلدية رام الله وانعكاسها السلبي على المدينة والوطن من خلال طرح تشكيلات وأجسام قد تبدو عصرية وتتوافق مع الحكم الرشيد، الا أن أهدافها حتماً ذاتية ولتحقيق مكاسب شخصية وإحلال غير المناسب مكان المناسب والمهني، ولدينا نماذج حاضرة في مدينة رام الله كيف تراجعت مؤسسات كان عنوان التوجه لها بذات هذا العنوان.
نقر أن الانتخابات البلدية مدرسة مفتوحة يتعلم فيها المرشحون والناخبون دروساً وعبراً، وتستطيع ان تصير طالباً نجيباً اذا أردت ذلك، فالمرشح يتعلم مجبراً حسن الإصغاء للناس وأخذ أكثر من بعد للقضايا المطروحة أمامه، وتتفاوت قدرات المرشحين، فتارةً تجد مرشحاً يسارع الى تبني الموقف الذي طرح أمامه من قبل الناخبين، فيعد انه سينفذ ما طلبوا فور جلوسه على طاولة المجلس دون التفكير لدقيقة : هل تستطيع البلدية تنفيذ هذا الأمر ؟!! . والناخب يسارع الى طرح قضايا خلال الانتخابات البلدية هي من صلاحيات ومسؤوليات الحكومة المركزية وليست ضمن صلاحيات البلدية ويصر عليها رغم علمه انها ليست من صلاحيات البلدية، صحيح أن البلدية تجمع ضريبة المعارف مثلاً وتبني مدارس، ولكنها لا تمتلك القرار بتحويل مدرسة ثانوية الى أساسية ولا قرار إضافة طابق في مدرسة ثانوية لضم صفوف أساسية فيها.
نعم الانتخابات مدرسة مفتوحة خلالها يتعلم المرشحون كيف ينتصرون للأسرى، ويتعلم المرشحون واقع الأحياء ومطالبها وأولوياتها، ومن خلال اللقاءات الانتخابية يرى المرشح بآم عينه ويسمع بأذنيه اللعبة الانتخابية خصوصاً عندما تزور حيا أُنشئ حديثاً بمعايير عصرية، وتسمع حديثاً وكأن الحي جزء من المدينة منذ العام 1880 وليس حديث العهد وغالبيته من خلفية مهنية واحدة.
عمليا الانتخابات لبعض المرشحين ليست جديدة على بعض المرشحين، وبالتالي فإن مسرحها وكواليسها معروفة تماماً مع فوارق بسيطة بين انتخابات تجري في مكان محدد كانتخابات الجامعات او نقابة مهنية وبين انتخابات في مدينة شاسعة، وقد يكون عدد الناخبين المسجلين فيها اقل من عدد طلبة "جامعة النجاح الوطنية" مثلا، الا ان تعدد المواقع والخروج من المدينة للعمل في مدينة أُخرى يعقد اعتماد معيار واضح في الحملة الانتخابية، ويرافق هذه العملية وعود بالتصويت ليست مطلوبة أصلاً، الا انها تقدم طوعاً وتكون ليست محسومة لأن العائلة ليست تنظيماً مغلقاً، وذوو المهنة الواحدة ليسوا مغلقين، وجيران الحي كل على هواه، ومن هم ليسوا مسجلين يطلقون الوعود ايضا.
وجوهر القضية ان النظام الانتخابي الذي يحكم العملية برمتها والتي أطلقت الوعود لتحديثه بل تغييره باتجاه القائمة المفتوحة لم تنفذ، بالتالي خاض أناس الانتخابات على أساسه، واكثر من ثلثي المرشحين لا يعرفونه والمعرفة محصورة بشخص او شخصين يوزع المقاعد بناء على خبرات سابقة ومعرفة، وقد تصيب او تخيب اذا ما وقعت مفاجأة في آلية ترتيب القوائم المنافسة لمقاعدها خصوصاً المجالس التي تمتلك كوتا دينية إضافة للكوتا النسوية.
الدروس والعبر المستخلصة ... ان صوتك حق يجب ان تمارسه لتقول بعد أربعة أعوام ماذا فعلتم للمدينة.
لم يعد مقبولاً توجيه اتهامات بالجملة "مش نافعين" "بسووش" "فش ديمقراطية" فانت اما خضت الانتخابات سابقاً وبالتالي كنت تقول "لا يجوز تلك الاتهامات" اليوم انت جزء من تلك الأحكام التعسفية غير المبنية على قاعدة علمية رياضية، او قد يكون نصيبك ان تخوض الانتخابات بعد أربعة أعوام، وبالتالي ضع نفسك مكان الآخر وتوقع ان يقال لك "مش نافعين" "بسووش"، بالتالي اصبر ولا تتسرع لأن الانتخابات آتية كل اربعة أعوام.
الدرس المفيد ان إعادة الأمور إلى الوراء لم يعد لها مكان في ذهن الناس، وبات التحدي كيف ستقودنا الى الأمام نحو تطور ونهضة والاستجابة للأسئلة والتحديات، فالحديث عن الغاء قرارات المجلس البلدي السابق لم تلقَ صدى لدى الناخب، ولعل مدينة أُخرى غير رام الله بقيت تعتمد التجربة والخطأ في ميدانها الرئيسي وتتحدث عن خطط بهدف الغاء ما انجزه المجلس السابق منذ العام 2005 لغاية اليوم، لكن شيئاً لم ينجح لأن الإلغاء جوهر الأمر وليس التطوير!!!
تجاوزنا منذ زمن طويل قبول حالة الانفصام في الانتخابات ورد الناخب قوي على هذا الانفصام "ان تدعي ان المجلس السابق لم ينجز شيئاً وفي ذات الوقت جل برنامجك الانتخابي يتعاطى مع انجازات المجلس السابق".
العبرة والعظة والاستخلاص المهم أن صوت الناخب/ة يعاقِب وفي ذات الوقت يكافِئ، عليك ان لا تتوقع ان تحظى برضا الناخب وهو يعلم انه واحتياجاته ليست على اجندتك، والصوت ينتصر لمن كان بين الناس وانتصر لقضاياهم ولن يحجب عنك، بالتالي لا تستطيع ان تقول لماذا عزف الناس، فالجواب جاهز "لأنك ضمن المرشحين دون مجاملة"، وقد تسأل لماذا خرج فلان لينتخب وهو ليس مهتماً أو لماذا اجل سفره وجاء لينتخب الجواب "لأن فلان مرشح وآن أوان الانتصار له".
العبرة المستخلصة في الانتخابات (حسن الاختيار ثم حسن الاختيار ثم حسن الاختيار) وهذا لن يتحقق فقط بمسطرة مجموعة صغيرة لديها مقياس حسن الاختيار يتوافق مع سوء الاختيار وهم يظنون غير ذلك. والبسطاء لهم صوت اليوم ولهم القرار.
تقرير: إيران سترد على إسرائيل قبل الانتخابات الأميركية
31 أكتوبر 2024