خارطة أولمرت ومسارات ترامب

132.png
حجم الخط

 

تقوم إستراتيجية التسوية التي يأتي بها ترامب إلى المنطقة على الصعيد الفلسطيني وفق ثلاثة مسارات رئيسية: سياسية واقتصادية وأمنية. وتتأهب المنطقة لمشهد جديد ترسمه الجولة الخارجية الأولى لزعيم البيت الأبيض في العالم( الرياض – القدس- الفاتيكان).

تفاصيل مشهد الزيارة التي أوجعت كل عربي ومسلم في شكلها، أرست في الأذهان العربية الموقف من الأنظمة العربية المهادنة للإدارات الأمريكية والمستجيبة لإملاءاتها بشكل واضح وصريح، وبعد أن تحدث ترامب في حملته الانتخابية عن جزية ستدفعها تلك الأنظمة وجدنا الكرم العربي يحضر أمام جبروت الهيمنة الأمريكية، ويختفي هذا الجود أمام غزة والقاهرة. مشهد الرياض ودلالاته تؤكد معاني تراجع الرسمية العربية، وتجاهلها لنبض الأمة وأوجاعها في مختلف الأقطار، وبدلا من أن يجتمع الزعماء العرب والمسلمون لإنقاذ الأقصى والأسرى في إضرابهم المستمر منذ أكثر من شهر يعني أن البوصلة قد ضاعت، وأن ضبط الأولويات تحكمه مصالح الأنظمة وكراسي الممالك والحكومات.

أصحاب السيادة يستقبلون ترامب، والألم يزداد ساعة إثر ساعة في السجون، وخيمة الاعتصام في بيت لحم تزعجهم، ومصير أصحاب مشروع التسوية على المحك، ومنافسو أبو مازن ينبرون ليقدموا إبداعاتهم لكسب ثقة الإسرائيلي وحليفه الأمريكي.

يأمل بعضهم أن تنفتح مسارات ترامب أمامهم بعد أن أصبحت معالم هذه المسارات واضحة وغير مترابطة ببعضها فهي تسير بمنطق متوازٍ، وفلسطينياً فإن المسار الاقتصادي القائم على مشاريع استثمارية فلسطينية إسرائيلية في المناطق(ج) بالضفة المحتلة هو الأقرب للانطلاق بما يعني الاندفاع نحو مشروع للتسوية مجدداً ودون سقف زمني. أما المسار السياسي فإن أكبر ما تطمح له السلطة حالياً ما نقله الرئيس عباس إلى ترامب في زيارته الأخيرة إلى واشنطن والتي جاءت في إطار خارطة أولمرت التي عرضها في العام2008 كحل نهائي للصراع وهي تستثني أجزاء كبيرة من أراضي الضفة وتعطي سيطرة على الحرم القدسي للجانب الفلسطيني.

أما المسار الأمني والذي تلتزم به السلطة الفلسطينية عبر بوابة التنسيق الأمني المقدس، فإنها ستصبح مطالبة كذلك بالتزامات أمنية من قبيل الحفاظ على السلامة الأمنية الأمريكية في المنطقة، وهو ما سربته بعض وسائل الإعلام عن جدول زيارات قادة أمنيين فلسطينيين إلى واشنطن خلال الفترة الماضية. الإرادة الأمريكية في إدارة الصراع في المنطقة تقوم الآن على الاستفادة الاقتصادية واستخدام الأدوات المحلية في معركة الولايات المتحدة ضد «الإرهاب»، وهذا يعني أن الطرف الفلسطيني الرسمي سيبحث عن موطئ قدم له ضمن هذه المعادلة المشوهة، والتي بالتأكيد ستكبل الشعب المحتل بقيود جديدة لتقف أمام الوصول إلى المصالحة الفلسطينية وإعادة بناء منظمة التحرير بما يسمح بمشاركة حركتي حماس والجهاد الإسلامي.

إن الرهان على تحقيق إنجاز بسيط لعملية التسوية في ظل توجهات إدارة البيت الأبيض الجديدة هو  الجنون بذاته، وحالة اليأس التي تصيب الشارع لا يمكن أن تكون عملة في سوق النخاسة الأمريكية، بل ستدفع بمحركات الثورة الفلسطينية لتصوب المسارات وترسم الحقيقة.

يخطئ من يعتقد أن الانفتاح على الولايات المتحدة سيقدم الجديد، وما قدمته الادارات المتعاقبة على البيت الأبيض منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر لم يخرج عن سقوط العواصم العربية ومع القلادة الأولى سقطت بغداد، وعند القلادة الثانية سقطت دمشق وصنعاء. أما قلادة اليوم «الثالثة» فأي البلاد ستُسقط؟ أخيراً.. رفض أبو مازن الانطلاق بمفاوضات السلام في ظل استمرار الاستيطان، واليوم نلمس سعياً حثيثاً من قبل فريقه لتدارك المسألة في ظل سياسة عالم البيزنس الأمريكي، وهذا يجعل من خيارات السلطة محدودة على الصعيد الوطني، وبالتالي المزيد من آلام ومعاناة الجماهير. أما على صعيد شكل العلاقة مع دولة الاحتلال فإن أقصى ما يمكن الوصول إليه" خطوات بناء ثقة" لا تنتهي  بل ستجر الجانب الفلسطيني إلى مزيد من الاستسلام.