ليس حشر الأنوف في حياة الآخرين الشخصية عادة لبنانية فحسب، وليس التركيز على تغطية قصص الحب والزواج والطلاق في حياة المشاهير خاصية الاعلام اللبناني بطبيعة الحال. فمواضيع مماثلة تحظى باهتمام ادارات التحرير والبرامج الهامة في كبرى وسائل الاعلام الغربية. لكن احدى قصص الزواج التي حظيت باهتمام الاعلام الاسبوع الماضي، كشفت ردود فعل المتلقين لها حجم الهوة المرضية الكامنة لدى فئات كبيرة في المجتمع.
لو كنّا في مجتمع صحي، لما كانت المفارقة التي وجُب التوقف عندها في قصة زواج الاعلامية الزميلة هلا المر والسيد مروان سمعان سوى اضطرارهما ككثيرين الى جعل قبرص وجهة لاتمام عقد زواجهما المدني، في ظل الاستحالة المستمرة للأمر في لبنان حيث تمعن السياسات في انتهاك حقوق الانسان كفرد يرغب في الخضوع الى قانون أحوال شخصية مدني.
اما النقطة الجمالية التي وجب تسليط الضوء عليها في هذا الزواج، فتكمن في كم الطاقة الايجابية الذي ينجح في بثها، حين تفوّق الحب على العقل وحسابات المجتمع ونظرات الآخرين، كما أفصحت العروس في برنامج "بلا طول سيرة" مع الزميل زافين قيومجيان.
مرَت هلا بظرف صحي صعب، وهو مستمر، اذ هي لا تقوى على النظر الا بنسبة خمسة في المئة، نتيجة مرض وراثي. "أنا أرى بعيني مروان"، تقولها السيدة التي لا يخفى على مستمعها تلمس جرح دفين داخلها مما تناهى اليها من انتقادات واساءات ومصطلحات تربط الحب والزواج بعمر وظرف وجنس ودين و... لا بل ان هذه البشاعات في لا وعي مطلقيها، تنضح بالكراهية تجاه المرأة تحديداً وتنتهك حقها بالسعادة والحب في عمر معيّن حتى لو كان في داخلها ما يشعرها انها "ابنة 17 عاماً"، كما تقول هلا. ولا نعرف عن حق ما الضرر الذي يسببه فرحها لأصحاب الألسن الطويلة!
تكبر رئيسة تحرير موقع "فن" عريسها بنحو خمسة عشر عاماً، لكن انسجاماً وصداقة ولدا بين الاثنين قبل ان يتحوّلا قصة حب توّجت بعد سنتين بالزواج. كان يقرأ لها ما لا تقوى على قراءته، ويضحكها حين استحالت الحياة كتل هموم وسوداية لا تنجح سوى الصلاة بثقبها.
في المجتمعات التي تحترم الفرد ولا تتدخل في تصميم حياة الآخرين وهندستها وفق ما هو مقبول ومرفوض، سيحترم من انتقد هلا خيارات الآخرين وحياتهم الشخصية، وكم هو شائع وعادي ان نرى ثنائياً مكوناً من امرأة تكبر الرجل بسنوات في تلك الأمكنة.
ما دفع الى كتابة هذه السطور هو الشعور بالاستفزاز بعد قراءة كم التعليقات المقيتة على خبر الزواج المذكور، من دون التنكر لحقيقة جميلة تكمن في احتضان عائلة هلا لقرارها ومباركة خالها النائب ميشال المر الزواج، كما تفصح.
وتبقى العبرة في حاجة المنتقدين الى التصالح مع فكرة الحياة بعمق، ذلك اننا لم نكن بحاجة الى دليل آخر على اننا مجتمع يحتاج الكثير من الحب.
مبروك هلا، كوني سعيدة دائماً.