تناول بعض كتاب الرأي في إسرائيل زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للسعودية بسخرية وتعليقات مهينة، ووفقا لهم فإن ترامب عبر عن مواقفه الداعمة لإسرائيل، ولم يكن مهادنا للعرب بعد كرم السعودية الطائي بتوقيعها معه صفقة العصر بمئات مليارات الدولارات، وقولهم أن هذا كل ما يعني ترامب، وهو الحصول على المال السعودي فقط، ولا شيء آخر. وان ترامب إنتصر لإسرائيل أمام 55 من الملوك والرؤساء والزعماء العرب والمسلمين وأكد أمامهم على أن القدس عاصمة إسرائيل، وضرورة التعاون مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وحملهم المسؤولية عن محاربة الإرهاب.
ونجاحه في تفريغ الخزانة السعودية من مدخراتها من أجل إيجاد فرص عمل في الولايات المتحدة عبر صفقات السلاح الخيالية، وبعد ذلك تفرغ للحديث عن قضايا يعتبرها ثانوية، على رأسها الكلام عن تسوية الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.
ونشر كتاب أخرون حملوا مناصب سياسية هامة سابقة مثل مدير عام ديوان رئيس الحكومة الاسرائيلية السابق اسحاق رابين إيتان هابر، الذي وقال، ليس لدينا قصور مذهبة كما في السعودية، ولن نستطيع استقبالك بقوافل الجمال ولا نملك من الحسابات في البنك ما يجعلنا نملأ جيوب الأمريكيين كما تفعل السعودية، لكن في ساعة الاختبار نحن من يكون بإمكانه الوقوف إلى جانبكم وليس هم، ونحن نمثل بالنسبة للغرب نقطة مراقبة مهمة في قلب الشرق الأوسط، وهذا سر إسهامنا في الأمن الأمريكي، وذلك بعكس ما تقدمه السعودية من دعم لكم من خلال صفقات السلاح.
ترامب خاطب حلفاءه العرب المسلمين، بأن لا ينتظروا مساعدة من الولايات المتحدة لهزيمة الجماعات الإرهابية، خلال زيارته الثانية لجولته الخارجية الافتتاحية، وقال إنه ينبغي على البلاد أن تضمن عدم وجود ملاذٍ آمنٍ للإرهابيين، وإنها معركة بين الخير والشر، وقال: أخرجوهم من معابدكم ومجتمعاتكم ومن أراضيكم المقدسة ومن الأرض كذلك. ووصفتها السعودية بانها تاريخية وهي بالفعل تاريخية لما حملته من خطاب سياسي قدمه ترامب ووصفه المقاومة العربية والفلسطينية بالإرهابية، ووافقه الملوك والرؤساء العرب والمسلمين وهم يصفقون للفاتح بن ترامب.
ترامب جاء ليعقد الصفقات ويستكمل مشوار سياسة الولايات المتحدة الامريكية وإعادة العلاقات السعودية معها بعد ثمان سنوات من العلاقات الجافة مع الرئيس باراك أوباما، وتوقيعه الاتفاقية النووية مع إيران، وتعتقد السعودية ان السياسية الخارجية الامريكية تجاه المنطقة العربية ستتغير كثيرا في عهد ترامب، فلا خلافات جوهرية في المؤسسة الامريكية، والهدف عقد العديد من الصفقات بملايين الدولارات في قطاعات الدفاع والطاقة والبنى التحتية، وفي الطريق يتم التركيز على السياسة.
وكما بالغت السعودية بحفاوته ووثقتها الكبيرة به، بالغ أيضاً ترامب كثيرًا باعترافه بجهود الدول الإسلامية في مواجهة التطرف، ولعب على وتر ايران العدو اللدود للسعوديين، باعتبارها راعية للإرهاب من سورية وحتى في اليمن، ماليًا وعسكريًا.
خطاب ترامب كان يهدف إلى تخفيف القلق من سياساته ضد المسلمين، وعبر خلال حملته الانتخابية عن استعداده لفكرة فرض إجراءات تسجيل على المسلمين الذين يقطنون في الولايات المتحدة، وصرّح قائلاً: أعتقد أن الإسلام يكرهنا، كما هاجم الارهاب الاسلامي المتطرف، وفي الشهور الاولى من منصبه حاول فرض حظر مؤقت لدخول الولايات المتحدة على مجموعة من الدول ذات الأغلبية المسلمة.
السعودية بالغت بحفاوته وحياه الزعماء العرب كـ “أخٍ كبير” ورجل ذو “شخصية فريدة”، ولا تزال السعودية وقادة العرب يعولون على ترامب لمواجهة الإرهاب والتطرف أكثر من التعويل على نفسها وقدراتها ومواردها الاقتصادية المنهوبة بالاستبتداد والفساد وعقد الصفقات التاريخية والهوس من إيران.
يبدو أن الزعماء العرب فقدوا الذاكرة ونسو أن سبب التطرف والارهاب ليس داخليا عربيا اسلاميا فقط، انما هو صناعة إسرائيلية أمريكية وبمساعدة وتواطئ غربي جراء السياسات التوسعية والاطماع الغربية، وفي مقدمتها الولايات المتحدة الامريكية التي ساعدت ولا تزال تساعد وتدعم إسرائيل وتضخيم قدراتها العسكرية، لتكون قاعدة ونقطة مراقبة في قلب الشرق الاوسط كما ذكر هابر، فالزيارة تأتي في سياق الإستمرار في خطة الشرق الاوسط الجديد والفوضى الخلاقة التي بدأت ترجمتها على أرض الواقع بإحتلال العراق ومستمرة بها بطرق مختلفة.
ترامب لم يقدم في خطابه للعرب الا الوعود والخوف، فهو حمل الزعماء العرب المسؤولية عن محاربة التطرف والإرهاب والقضاء على مصادر تمويله ووصم المقاومة الفلسطينية بالإرهاب، ومن سخريات المشهد ان ترامب شارك في ثلاث قمم في السعودية منها إفتتاحه مع ملك السعودية المركز العالمي لمكافحة الفكر المتطرف ومنع انتشار الأفكار المتطرفة لتعزيز التسامح.
وركزت السعودية كل جهودها لتعظيم الخطر الايراني، وتعتقد هي وبعض الدول العربية بقدرة ترامب على التوصل لسلام فلسطيني إسرائيلي، السعوديون يعتبرون الزيارة حدث تاريخي لبحث الالتزام المشترك نحو الأمن العالمي والشراكات الاقتصادية والتعاون السياسي والثقافي، وان هذه المؤتمرات والقمم ستعزز العلاقات التاريخية من خلال الجهود المشتركة من التسامح والتعاون، والأسس التي وضعت لانطلاقة جديدة واعدة بمستقبل مشرق للجميع.
المتابع لزيارة ترامب، وما تم تقديمه خلال اليومين من زيارته يلاحظ، ان ترامب يؤكد على سياسة الولايات المتحدة برسم خريطة المنطقة العربية والسيطرة على الوطن العربي والتحكم بالتطورات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، والمناهج والكتب الدراسية وكتب للمراحل الابتدائية والثانوية والجامعية.
الصراع مستمر على السيطرة على الثروات العربية والإسلامية وهوية المنطقة وطابعها العربي الإسلامي والمخططات الأمريكية والصهيونية، هي حجر الزاوية في صياغة نظام إقليمي جديد بقيادة السعودية، ورؤية الشرق أوسطية التي بدأت الصهيونية التخطيط لها قبل نكبة فلسطين.
وهو ليس موضوعاً اقتصادياً بحتاً، إنما موضوع اقتصادي وسياسي وأمني وثقافي، وحدد هدفه الأساسي، وهو شطب العروبة والهوية والمشاعر العربية القومية وتفتيت المنطقة العربية إلى جزر إثنية، وكسر الإرادة العربية وتمزيق الدول العربية وابتزازها لفرض التسوية الإسرائيلية، وما يسمى السلام الإقتصادي القائم على رؤية نتنياهو خدمة لمصلحة إسرائيل الكامنة او العظمى، وإعادة صياغة المنطقة وتركيبها جغرافياً وبشرياً واقتصادياً وسياسياً وعسكرياً وفق المخططات والمصالح الأمريكية والصهيونية.