قراءة سياسية لوثيقة حركة حماس- "الحلقة الثانية"

حمادة فراعنة.jpg
حجم الخط

ما زالت وثيقة حماس تحظى بالاهتمام من قبل خصومها سعياً للتقليل من قيمتها او اتهامهم لها في الانقلاب على قناعاتها المبدئية او الاستخفاف مما فعلته، ومن قوى صديقة دافعت عنها باعتبارها ما زالت متمسكة بالثوابت العقائدية والمرجعيات السياسية، وتتطلع للتكيف مع السياسات الدولية والإقليمية دون ان تدفع ثمن ما يمكن ان تحصل عليه، وبصرف النظر عن مواقف خصومها او أصدقائها، فقد اعتمدت حركة حماس سياسة استذاكية تمر على هبلان الشوارع غير المسيسة، ذلك ان الصيغ التي أوردتها واستعملتها وهي تحمل تفسيرات متعددة، لا تمشي على احد وفي طليعتهم نتنياهو رئيس حكومة المشروع الاستعماري التوسعي الإسرائيلي، فهم مثل الرئيس الراحل ياسر عرفات حينما اقدم على تعديل بنود الميثاق الوطني الفلسطيني في جلسة للمجلس الوطني، كان يتطلب وفق النظام الداخلي، جلسة أُخرى لاقرار البنود المعدلة، الأمر الذي لم يحصل للآن، حيث طالب الأميركيون والأوروبيون من ابو عمار بناء على طلب الإسرائيليين إقرار التعديلات، ولكنه تهرب من هذا الاستحقاق الذي بقي معلقاً ليومنا هذا، ورحل دون تقديم هذا التنازل مجاناً.

تحديات تواجه "حماس"

حركة حماس تواجه تحديات جوهرية لا تنطلي على حركة فتح وعلى فصائل المقاومة، وعموم الشعب الفلسطيني المسيس كي تتهرب منها، يقف في طليعتها ما يلي :

أولاً: اعتماداً على البند رقم (28 ) من وثيقة المبادئ والسياسات العامة والذي ينص على "تؤمن حماس وتتمسك بإدارة علاقاتها الفلسطينية على قاعدة التعددية والخيار الديمقراطي والشراكة الوطنية وقبول الآخر واعتماد الحوار، بما يعزّز وحدة الصف والعمل المشترك، من اجل تحقيق الأهداف الوطنية وتطلّعات الشعب الفلسطيني" مطلوب من حركة حماس الإجابة عن سؤال جوهري لا تملك شجاعة الرد عليه للآن وهو: هل قطاع غزة مازال رازحاً تحت الاحتلال وذيوله وتبعاته؟ أم حصل على حريته بعد ان رحل الاسرائيليون بقرار من شارون عام 2005 تحت وابل من ضربات المقاومة الموجعة ؟؟ والسؤال حول ان غزة محتلة أم محررة يتبعه القرار والإجراء والتوجه والسياسات، فاذا كانت غزة محتلة فأين هي المقاومة الحمساوية لاستكمال تحريرها، بعد ان أزال شارون المستوطنات وفكك قواعد جيش الاحتلال، ويبدو ان الاحتلال لن يعود الى غزة، وحروب العدو الاسرائيلي الثلاث على غزة 2008، 2012، 2014، تدلل على ان عودة الإسرائيليين الى القطاع غير واردة في حساباتهم، وإسقاط حكم حماس ليس في توجهاتهم وقراراتهم سواء بسبب الكلفة المطلوب دفعها، او لرغبتهم في بقاء الانقسام والشرذمة وتمزق الشعب الفلسطيني وحركته السياسية، متواصلاً، فالانقسام هدية مجانية تقدمها "حماس" للعدو الاسرائيلي، ثمناً لبقاء تفردها في ادارة قطاع غزة منذ قرار حسمها العسكري في حزيران 2007 حتى يومنا هذا.
واذا حصل قطاع غزة على حريته بعد دحر الاحتلال فهذا يستوجب تقديم حركة حماس نموذجها الإسلامي في كيفية إدارة القطاع، وان توافر الأمن، والخدمات الضرورية الواجبة باعتبارها السلطة المسؤولة عن ادارة القطاع بدءاً من التعليم، والرعاية الصحية، والضمانات الاجتماعية، وفرص العمل، رغم الحصارات المتعددة المفروضة على القطاع بسببها، وها هي تدفع الثمن بعد عشر سنوات في تعديل برنامجها السياسي بما يتفق مع علاقاتها المصرية والتركية والقطرية، وتتخلى عن مرجعيتها الفكرية والحزبية والسياسية : حركة الاخوان المسلمين حتى يسهل قبولها وتسويقها كحركة سياسية فلسطينية، ولكن ذلك التعديل لم يقدم، ولن يقدم خطوة نوعية في انعكاساتها الإيجابية على حياة الفلسطينيين ابناء القطاع، حيث نسبة البطالة تتجاوز الخمسين في المائة، وحياة الفقر تتسع لتشمل قطاعات نوعية واسعة، وتم تدمير بيوتها بسبب حروب العدو الإسرائيلي الهمجية الثلاث، وانقطاع وسائل العيش الكريم، ومعاقبة رئيس حركة فتح واجراءاته لقطاع الموظفين المعتصمين عن العمل منذ الانقلاب قبل عشر سنوات حتى يومنا هذا، فالتغيير في حياة اهل القطاع يتطلب التغيير في شكل الحكم والسلطة المتنفذة في القطاع، بدلاً من ان تكون احادية منفردة يجب ان تتحول الى جماعية الشراكة مع الآخرين، وهذا يتطلب اول ما يتطلب الاقرار بالتعددية واحترام الآخر وقبول مبدأ تداول السلطة وتجديد الشرعية عبر الاحتكام مرة أُخرى الى صناديق الاقتراع، فقد فقدت "حماس" عنصري حضورها وقوتها وهما : 1- العمل الكفاحي المبادر واستحقاقاته النضالية، حيث تردع الآن كل محاولات العمل الكفاحي المسلح ضد قوات الاحتلال في قطاع غزة، و2- الشرعية التي نالتها عبر صناديق الاقتراع، فالانتخابات للمجلس التشريعي الذي نالت منها الأغلبية مضى عليها عشر سنوات، والمجلس المركزي الفلسطيني في دورته عام 2010 جدد ولاية الرئيس والمجلس التشريعي سوية، الأمر الذي يتطلب تجديد هذه الشرعية للطرفين، ولكن اذا تعذر اجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية بسبب الانقسام وعدم الاتفاق السياسي، فالاستحقاقات المطلوبة من حركة حماس اطلاق الحريات، واحترام التعددية، واجراء الانتخابات البلدية والنقابية ومجالس طلبة الجامعات أسوة بما جرى في الضفة الفلسطينية، حيث سمحت حركة فتح وسلطاتها وأجهزتها ورئيسها بإجراء الانتخابات ونالت حركة حماس فيها ومن خلالها مواقع متقدمة بما فيها الفوز على حركة فتح في جامعة بيرزيت.
ثانياً: اعتماداً على البند رقم ( 29 )، ونصه "منظمة التحرير الفلسطينية إطار وطني للشعب الفلسطيني في الداخل والخارج يجب المحافظة عليه، مع ضرورة العمل على تطويرها وإعادة بنائها على أسس ديمقراطية، تضمن مشاركة جميع مكونات وقوى الشعب الفلسطيني، وبما يحافظ على الحقوق الفلسطينية "يتطلب المبادرة من قبل حماس لتقديم رؤى وإجراءات التوصل لتسهيل مشاركتها في مؤسسات منظمة التحرير على قاعدة العمل من اجل :

خطوات مطلوبة

1- صياغة برنامج سياسي مشترك بناء على وثيقة "حماس" المستجدة، ليزيل هذا البرنامج التفاوت والخلافات والرؤى المتعارضة، كي يكون برنامجاً مشتركاً لجميع مكونات وفعاليات الشعب العربي الفلسطيني داخل الوطن وخارجه .
2- الإقرار بمكانة منظمة التحرير باعتبارها الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني، والعمل على توحيد مؤسساتها وتنشيطها والمشاركة في عضويتها بما ينسجم مع البرنامج السياسي المشترك المُصاغ من قبل الجميع، وبما يتفق مع الشراكة السياسية التي فرضها الشعب الفلسطيني عبر صناديق الاقتراع بين "فتح" و"حماس" ولا شك ان تغيير سلوك حركة حماس في إدارة قطاع غزة بالانفتاح والتعددية والسماح بإجراء الانتخابات للبلديات والنقابات ومجالس طلبة الجامعات، سيسهل الطريق ويخلع العقبات ويُرسي عوامل الثقة المتبادلة على قاعدة التنافس الديمقراطي والتعددية كما هو حاصل في الضفة الفلسطينية، من حيث مشاركة "حماس" في الانتخابات البلدية والنقابية ومجالس طلبة الجامعات.

3- الاتفاق على استعمال الأدوات الكفاحية المناسبة التي لا تستنزف الشعب الفلسطيني، بل تجعل من الاحتلال مكلفاً اخلاقياً وسياسياً ومادياً امام المجتمع الدولي، فالصهيونية نجحت في مشروعها في استعمار فلسطين عبر وسيلتين الأولى مبادراتها التنظيمية والثانية مساندة المجتمع الدولي المتمكن لها، وعليه يجب ان تدرك قادة الحركة السياسية الفلسطينية أهمية المجتمع الدولي ومؤسساته وأهمية كسب تعاطفه وانحيازاته لعدالة القضية والحقوق الفلسطينية الثابتة غير القابلة للتبديد او الإنهاء او التلاشي.

ادوات كفاحية هزمت العدو

والادوات الكفاحية هي: الكفاح المسلح والانتفاضة الشعبية والمفاوضات والعمل الدبلوماسي وغيرها من النشاطات او الفعاليات او الادوات، والتعامل معها باعتبارها ادوات وليست مبادئ، فالحديث عن تحرير فلسطين بالكفاح المسلح او عدمه لا يُخل بالحقوق الفلسطينية، فقد حقق الشعب الفلسطيني انتصاراً كبيراً بامكانات انتفاضته المتواضعة عام 1987، على العدو الاسرائيلي المتفوق، واجبرت تلك الانتفاضة اسحق رابين على الاعتراف بالعناوين الثلاثة، الاعتراف بالشعب الفلسطيني وبمنظمة التحرير وبالحقوق السياسية المشروعة للشعب الفلسطيني، بينما الانتفاضة شبه المسلحة الثانية عام 2000، أرغمت شارون على ترك قطاع غزة ولكن كلفتها السياسية كانت عالية، ولذلك على قيادات الشعب الفلسطيني وكوادره في اطار برنامجها السياسي المشترك ومؤسساتها التمثيلية الموحدة منظمة التحرير ولجنتها التنفيذية ومجلسها المركزي وسلطتها الوطنية على الأرض في فلسطين، تحديد وسائل وأدوات النضال والالتزام بها لا ان ينفرد كل فصيل لوحده وبمفرده في استعمال اداة نضالية او اكثر بمعزل عن الاتفاق مع شركاء النضال والعمل، كأن تنفرد حركة فتح بالمفاوضات مثلاً، وتنفرد حركة الجهاد الاسلامي بالعمل المسلح، وتنفرد حماس في ادارة القطاع، بل يجب الاتفاق على نوعية الادوات المستعملة في النضال والالتزام بها وعدم الخروج عما هو متفق عليه صوناً للبرنامج السياسي المشترك، وصوناً للدماء الفلسطينية، وصوناً لجهد الشعب الفلسطيني كي يجني ثمار تضحياته، فها هو العمل الفردي الذي انفجر مع بداية شهر تشرين اول 2015، من قبل شباب وشابات يتسمون بالشجاعة المتناهية والذي اُصطلح على تسمية كفاحهم بـ "انتفاضة السكاكين" والتي اتسمت بالشجاعة غير المسبوقة والاستعداد الفردي العالي للتضحية، ولكن نتائجها لم تكن بمستوى تضحياتها، والحصيلة تُظهر إخفاق ثورة السكاكين من تحقيق اي من أهدافها، وذلك لافتقادها للحاضنة الشعبية والحزبية والسياسية التي تساندها وتدعمها كي تُواصل عملها.
وفي مبادرة من حركة حماس، تمت دعوتي للقاء خاص مع الأخوة علي بركة ممثل الحركة في لبنان والدكتور سامي ابو زهري الناطق بلسان الحركة والذي خرج من غزة نحو بيروت عن طريق القاهرة، والصديق الدكتور مصطفى اللدواي، تم على هامش المؤتمر الثالث "للعدالة من اجل فلسطين" الذي عقد في بيروت بدعوة من رئيسه معين بشور.
اقر الاخوة ان ثمة متغيرات فرضت نفسها على حركة حماس، وثمة نصائح تلقتها من اصدقائها الحلفاء، وثمة نقاش داخلي جرى داخل مؤسسات الحركة منذ سنوات، كانت تظهر في تصريحات الراحل المؤسس احمد ياسين، وعدد من قادة الحركة، لم تكن تلك التصريحات تتفق ونصوص ميثاق الحركة السابق الذي طغى عليه الصيغة واللغة المفردة العقائدية الدينية اكثر من اللغة السياسية ومتطلباتها واستحقاقات حركة غدت في المكانة التي تستوجب التعامل مع اطراف عديدة متعارضة، يحملون رؤى ومصالح مختلفة، ترتبط معهم وفيهم حركة حماس ايضاً بقواسم مشتركة، تفترض التعديل وليس التغيير، فالصفة اللازمة للحياة هي التطور وفق المعطيات السائدة.
لا املك شجاعة الاقدام على قول كل ما قيل في تللك الجلسة الحوارية التي امتدت لاكثر من ساعتين، سوى ان الرغبة في الحوار، والاستماع، ونقل مشاعر القلق لدى حركة تجد نفسها في خضم تطورات تفرض عليها أولاً ان تحفظ وتحافظ على ما حصلت عليه او حققته او ما وصلت اليه، وان تسعى ثانياً لتطويره كي يتم التعامل معها ليس بصفتها شراً لا بد منه، بدلاً من وصفها حالة سياسية تُعبر موضوعياً عن رؤى ومصالح قطاع من الشعب الفلسطيني، وتشكل امتداداً لأكبر واهم حركة سياسية عابرة للحدود في العالم العربي.