صفقة ترامب: إطلاق المفاوضات مقابل الهبوط بسقف الحل !

رجب أبو سرية.jpg
حجم الخط

نقلت صحيفة "الحياة" اللندنية عن مسؤول أميركي وصفته بالرفيع أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب ما زال يدرس عناصر مبادرته للسلام، وذلك عقب زيارته للمنطقة، حيث أشارت إلى أن العناصر الأساسية لتلك المبادرة ترتكز على إطلاق مفاوضات لفترة محددة، تتناول قضايا الوضع النهائي منفصلة، حيث يريد ترامب تحقيق صفقات منفصلة في كل واحدة من قضايا الوضع النهائي، وصولا للصفقة الكبرى المتمثلة باتفاق السلام.
من الواضح أن ترامب خلال جولته الشرق أوسطية التي جرت الأسبوع الماضي، كان حذراً في كل مكان قام بزيارته، وتصرف _ ربما على عكس طبيعته _ لذا فقد قوبل بالحفاوة والترحاب إن كان في الرياض أو القدس الغربية أو بيت لحم، وكان واضحا أنه لم يقابل في إسرائيل من قبل كل أطياف اللون السياسي بنفس الحفاوة، كما أن الفلسطينيين لم يجمعوا على الشعور بالارتياح لما تضمنته أقواله وخطاباته إن كان في فلسطين أو في إسرائيل، لكن أحدا بالمقابل لم يطلق العنان لإعلان رفضه أو إدانته لمواقف أو أقوال ترامب، باستثناء طبعا ما جرى في غزة من تظاهرات ومواقف وصلت لدرجة رفع صور الرئيس الأميركي مقرونة بوصف "الإرهاب" وذلك تعقيبا على تضمينه حركة حماس إلى جانب حزب الله والقاعدة وداعش كحركات إرهابية في المنطقة، في سياق كلمته بالقمة العربية _ الإسلامية / الأميركية التي عقدت في الرياض من أجل إقامة شراكة بين الجانبين ضد عدوهما المشترك في المنطقة.
في الحقيقة أن ترامب يواجه في بداية ولايته الرئاسية ما واجهه سلفاه الرئيسان الجمهوري جورج بوش الابن والديمقراطي باراك أوباما، حيث بدأ كل واحد منهم عهده في ظل حالة من الركود أو التوقف في العملية السياسية بين الفلسطينيين والإسرائيليين، فحين دخل جورج بوش الابن البيت الأبيض أول مرة كانت المواجهة مستعرة في الشرق الأوسط بين الجانبين، فيما سمي بعملية السور الواقي التي أعقبت انتفاضة الأقصى، لذا تريث قليلا، إلى أن انخرط ضمن الرباعي الدولي في تبني ما طرح عام 2002 من " خارطة الطريق " التي حددت ثلاث مراحل للتوصل للحل النهائي، تنتهي عام 2005 بإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، الى ان قال شخصيا بحل الدولتين.
وحين بدأ اوباما عهده كان الفلسطينيون والإسرائيليون، قد تجاوزوا مواجهة العام 2000، واقتربوا من الاتفاق الثنائي، بين الرئيس محمود عباس ورئيس الحكومة الإسرائيلية أهود أولمرت، الذي كان آخر رئيس حكومة للوسط (كاديما) قبل أن تتدحرج الحكومة الإسرائيلية باتجاه اليمين _ اليمين المتطرف، وأطلق باراك اوباما عملية تفاوضية على أساس حل الدولتين، بعد أن تعهد شخصيا بإقامة الدولة الناقصة في الأمم المتحدة، دولة فلسطين، لكن آخر ما قام به وزير خارجيته جون كيري كان مفاوضات التسعة أشهر التي توقفت في نيسان عام 2014 .
وحيث مضى على توقف العملية التفاوضية ذاتها _ الآن _ ثلاثة أعوام كاملة، فان ترامب لا يدري من أين يبدأ ولا كيف يبدأ، فضلا عن إلى أين ينتهي، لذا فإنه اخذ وقته ليستمع للآخرين، وباستثناء حماسه وتأكيده على أن الحل ممكن، لم يقل شيئا ينم عن تصور خاص به لا لإطار أو لمسار المفاوضات ولا لنتيجتها.
المهم بالنسبة له، وهذا أمر شبه مؤكد، هو أن تنطلق العملية التفاوضية بين الجانبين، ولكن ماذا يكون مقابل ذلك، هو يقول بأنه لن يفرض حلا على الطرفين المعنيين، ما يعني بان تجري المفاوضات دون محددات، وأن تكون عملية أو حتى هدفا بحد ذاتها، ولكن رغم ذلك فإن إشارات البيت الأبيض التي يتم التقاطها على الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، لا تزعج هذا ولا ترضي ذاك !
وذلك يعود إلى انه حسب الصحيفة اللندنية فإن القول بتحديد سقف زمني للمفاوضات يرضي الجانب الفلسطيني، لكن عدم تحديد هذا السقف حتى الآن يرضي الجانب الإسرائيلي، وحيث أن الجانب الفلسطيني نفسه طالب ترامب بان تبدأ المفاوضات من حيث انتهت مع اولمرت، أي بالبحث في حجم تبادل الأراضي ما بين نسبتي 6،5 _ 2 % فان ذلك يعني أولا أن سقف التفاوض قد هبط، لأنه بالضرورة أن يقدم الجانب الفلسطيني أولا وقبل أن تبدأ المفاوضات وبناء على طلبه وما يقدمه، أن تكون النسبة أعلى من 2%، وثانيا انه يمكن للجانب الإسرائيلي المطالبة بان تبدأ المفاوضات من حيث توقفت في نيسان 2014، وليس قبل ذلك بست سنوات.
في كل الأحوال فان المفاوضات حين تنطلق، وهذا أمر بات مرجحا، فإنها ستكون بين الجانين الفلسطيني والإسرائيلي، أما الراعي الأميركي فسيظهر اكبر قدر يمكنه أن يظهره من الحيادية، بل وربما يطالب براع آخر أو شريك له في تلك المفاوضات، ليس الرباعي الدولي ولا روسيا بالطبع، بل حليفه المهم في المنطقة، السعودية وربما مصر، وبالطبع فإن دخول السعودية ربما يكون مقبولا أكثر، لأنه يغري إسرائيل، ببدء التطبيع مع العالم العربي/ الإسلامي، دون اشتراط بدئها في الانسحاب.
وحيث انه في المفاوضات سيكون الطرف الفلسطيني كمثل طالب في الامتحان حيث يكرم المرء أو يهان، أو انه سيكون _ تقريبا _ وحده في الميدان، حيث انه حتى لو وجد العرب  فلن يكونوا منحازين جدا للجانب الفلسطيني كما كان حالهم سابقا، لأنهم هذه المرة مشغولون بقضاياهم الداخلية وبملفات إقليمية ضاغطة _ لذا فان الجانب الفلسطيني لن يجد سوى الإسناد الشعبي والكفاح الميداني كورقة ضغط من اجل رفع سقف الحل، وإلا سيكون بين خيارين، لا ثالث لهما، كما حدث سابقا ودائما: إما القبول بالسقف الهابط للحل، أو بتعليقه وتأجيله وتوقف المفاوضات مجددا.