يستطيع الرئيس الأميركي ترامب أن يعمل بمدى ما يملك من قوة في التأثير على مجرى تطور الأحداث السياسية، لأنه يقود أقوى وأغنى دولة في العالم، ويستطيع أن يدعم المشروع الاستعماري التوسعي الإسرائيلي، بكل ما يملك من سلطة ونفوذ استجابة لتأثير اللوبي اليهودي الإسرائيلي الصهيوني في مؤسسات صنع القرار الأميركية بدءاً من الكونغرس ورجال الأعمال والإعلام ومؤسسات البحث ونتائج أبحاثها التضليلية، بما يخدم التوجهات الأميركية نحو جعل وبقاء الدولة المحتلة لأرض فلسطين العربية الإسلامية المسيحية هي الأقوى والأكثر تفوقاً على البلدان العربية مجتمعة، وربما يملك ترامب أكثر من ذلك من قدرات غير معلنة حصيلة عمل التكنولوجيا والمخابرات والمؤسسة العسكرية الأميركية. يستطيع أن يفعل هذا وهذاك، ولكن لا يستطيع الرئيس ترامب تزوير التاريخ وقلب حقائق الحياة حتى ولو وجد في مؤتمرات الرياض الثلاثة: 1- القمة الأميركية السعودية، 2- القمة الأميركية الخليجية، 3- القمة الأميركية الإسلامية، ما يستطيع المباهاة بما أنجز وحقق وحصل كما وصف ذلك بقوله: "نتائج غير مسبوقة" من حشده 55 دولة إسلامية، وأكبر صفقة سلاح تحصل عليها الولايات المتحدة، وأرباح مذهلة وهدايا "بِطيّر العقل"، ومع ذلك لا يستطيع ترامب القفز عن الحقائق الثلاثة التالية:
أولاً: أن العربية السعودية وسائر الجزيرة العربية تحوي إرث المسلمين وأقدس مقدساتهم إلى جانب فلسطين والقدس التي تضم أولى القبلتين قبل مكة، ولديها المسجد الأقصى ثالث حرمي مكة والمدينة، ومسرى ومعراج رسول المسلمين ومن وإلى السماء، وهذا ما نؤمن به نحن المسلمون، وعددنا يفوق المليار ونصف المليار مسلم.
ثانياً: أن فلسطين هي مهد المسيحية، فالسيد المسيح رسول الله ولد في بيت لحم، وتربى وعاش بين بيت لحم والناصرة المدينة العربية الفلسطينية الأكبر في مناطق 48، وفي القدس، وأرض فلسطين تحوي أقدس كنائس المسيحيين في العالم: كنيسة المهد في بيت لحم، وكنيسة البشارة في الناصرة، وكنيسة القيامة في القدس، وبالتالي إن أصل المسيحية وتراثها ومقدساتها في فلسطين ومدنها، وعلى أرضها إلى جانب الأردن، وُلدت المسيحية وليس في الفاتيكان أو لندن أو موسكو أو إسطنبول.
ثالثاً: كان لليهود مكانة ومقدسات لا ننكرها كمسلمين ومسيحيين، وكعرب، ولكن فلسطين لم تكن في يوم من الأيام حاضنة لهم وحدهم، وقبل ولادة الحركة الصهيونية في حضن الاستعمار الأوروبي وبالتوافق معه وامتداد له، قبل ذلك كان اليهود مثلهم مثل المسيحيين والمسلمين جزءاً من العرب على امتداد خارطة الوطن العربي من الجزيرة العربية، إلى بلاد الشام، إلى مصر، وشمال إفريقيا العربي، فهم ديانة عابرة للحدود مثلها مثل الإسلام والمسيحية غير مقتصر وجودها أو لأتباعها على بقعة واحدة من الأرض، حتى تُسجل باسمهم ولهم، فالموجات الأجنبية من البشر التي تدفقت إلى فلسطين لم تكن دوافعها واحدة فمنهم من جاء هرباً من الاضطهاد الأوروبي وآثامه، ومنهم من جاء لتحسين مستوى حياته المعيشية، ومنهم من جاء مستعمراً لدوافع سياسية أيديولوجية، والذي ساعدهم على عدم الاندماج حالة الانغلاق عن المحيط العربي والقطيعة عنه ولو كانت الجسور والعلاقات مفتوحة مع العرب لما تمكنت الصهيونية ومؤسساتها وأدواتها الاستفراد بهم وغسل أدمغتهم وجعلهم أداة لخدمة مشروعها الاستعماري التوسعي على أرض العرب والمسلمين والمسيحيين في فلسطين.
حقائق لا يملك الرئيس الأميركي ترامب تغييرها ولا يستطيع استبدالها مهما توفرت له أسباب القوة والنفوذ والتعمية.
المنطقة في قلب الحرب العالمية الثالثة
21 أكتوبر 2024