الرئيس الأسوأ في البيت الأبيض

a655d6784b87cfbddcec71d2f4ff3be5.jpg
حجم الخط

 

التردد الذي أبداه الرئيس الأميركي دونالد ترامب تجاه التأجيل التقليدي بتنفيذ قرار الكونغرس الخاص بنقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس، يظهر أن الرجل قد اتخذ القرار على مضض، وأنه متحمس وشغوف جدا بنقل السفارة فعلا، وأن الشعار الانتخابي لم يكن بقصد الحصول على أصوات الناخبين فقط، وأن قرار التمديد للتجميد يقتصر فقط على الوقت الحالي، لأنه من غير المناسب البدء بإجراءات نقل السفارة في الوقت الذي تتزايد فيه احتمالات انطلاق المفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين. 
أي أن اتخاذ القرار بوقف تنفيذ قرار الكونغرس المتخذ منذ العام 1995، مقابل انطلاق المفاوضات، التي يعني تعثرها – مثلا – فتح الباب لعدم قيام ترامب باتخاذ القرار المعطل لتنفيذ قرار الكونغرس، وهذا يعتبر بمثابة سيف يوضع على رقبة القيادة الفلسطينية، حتى تقبل بإجراء المفاوضات دون شروط.
ولأن مدة القرار الرئاسي هي ستة أشهر، فان ذلك يعني أن الرئيس الرابع – بعد بيل كلينتون وجورج بوش الابن وباراك أوباما - الذين اتخذوا القرارات المتتابعة منذ العام 95 حتى نهاية العام الماضي، بشكل تلقائي دون أن يرافق ذلك أي جدل أو اهتمام، لا يعني أن ترامب سيحذو حذوهم خلال فترة رئاسته التي تمتد أربعة أعوام - أي ثماني فترات توجب قرارات مشابهة بالخصوص - قد تمتد أربع سنوات أخرى، تتطلب ثماني قرارات تعطيل بتنفيذ قرار الكونغرس.
بعد ستة أشهر، ليس هناك أية ضمانة بأن ترامب سيعود لاتخاذ قرار يؤجل فيه نقل السفارة الأميركية من تل أبيب للقدس، حتى لو جرت المفاوضات بشكل حسن، وهنا علينا أن ننتبه إلى أن الكونغرس اتخذ قراره آنف الذكر العام 1995، أي بعد توقيع اتفاقات أوسلو وفي وقت إنشاء السلطة، وحين كانت المفاوضات جارية بمتابعة المراحل التالية من إعلان المبادئ، ما يعني أن سيف ترامب سيبقى مشرعا في وجه المفاوض الفلسطيني.
وفي الحقيقة فإن ترامب الذي يواجه أكثر من ملف صعب، في مقدمتها الملف الكوري، ثم الإيراني، فالملف السوري والعراقي، مع تشابك كل هذه الملفات، إلى جانب علاقة غير حسنة، آخذة بالتدهور مع الحليف التاريخي الأوروبي، ولعل ما حدث بين ترامب وإنجيلا ميركل، وحتى مع الرئيس الفرنسي، إشارة واضحة إلى أن الثنائي: ألمانيا - فرنسا، عاقد العزم على المضي قدما بالاتحاد الأوروبي، وأن الاختراق الأميركي في بريطانيا يمكن معالجته، فهناك انتخابات على الأبواب لو خسرها حزب المحافظين فإن وضع ترامب في أوروبا سيزداد سوءا، ولو نجح المحافظون، هناك اسكتلندا التي تتحفز للرد على التصويت بخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي بالعودة للاستفتاء على الخروج من المملكة المتحدة.
في الحقيقة إن زعامة أميركا للعالم في مرحلة تحدٍ صعبة جداً، لم تواجه مثيلاً لها منذ انتهاء الحرب الباردة، قبل نحو ثلاثة عقود، وليس هناك من يسلم قياده لواشنطن دون تحفظ وبكل سهولة غير العرب، أما إسرائيل فإنها دائما تقبض الثمن غالياً من واشنطن، وإسرائيل على درجة عالية من البراغماتية السياسية، فهي لو رأت بأن روسيا أو الصين باتت نداً أو أكثر تأثيراً في المنطقة والعالم من أميركا ستتحول فورا للتحالف معهما، تماما كما نقلت بعد الحرب العالمية الثانية تحالفها من لندن إلى واشنطن.
وكان يمكن أن يكون هناك توازن في العلاقة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي وحتى الصين إبان الحرب الباردة، لكن النظام الشيوعي كان هو الحائل، الذي يرى في إسرائيل دولة صنيعة الاستعمار، في الوقت الذي كان فيه حليفا لحركات التحرر في العالم ومنها حركة التحرر الفلسطينية.
بقدر ما كان عدم اتخاذ ترامب القرار بنقل السفارة - هنا القرار الموجب اتخاذه هو إصدار قرار رئاسي يقول صراحة بتأجيل تنفيذ قرار الكونغرس ستة أشهر، أما عدم اتخاذ القرار فيعني الشروع بتنفيذ قرار سلطة التشريع - يعني إغلاق الطريق على المفاوضات، ودفع المنطقة إلى حالة من الفوضى وتصعيب الأمور على أصدقاء واشنطن من العرب والمسلمين، فان اتخاذ القرار يزج بالقيادة الفلسطينية إلى مفاوضات صعبة وشاقة جداً.
رغم أن موعد انطلاق المفاوضات يقترب إلا أن واشنطن تتبع سياسة الحذر حول تفاصيلها، لكن المبعوث الأميركي الخاص جيسون جرينبلات الذي زار تل أبيب ورام الله بعد يومين من زيارة ترامب، استمع من الطرفين لما يريانه أسساً لبدء التفاوض وما هي توقعاتهما، لتشير التقديرات إلى أن واشنطن اقرب لصياغة إعلان مبادئ قابل للنقاش.
أما على الجانب الإسرائيلي فان الاستعدادات في كافة الاتجاهات بدأت، ومنها مواجهة مواقف الأحزاب المشكلة للائتلاف الحكومي وفي مقدمتها حزب البيت اليهودي واحتمال انسحابه من الحكومة، بعرض توسيع الائتلاف بضم المعسكر الصهيوني، خاصة أن تسيفي ليفني التي لها علاقة سابقة بهذا الملف، مع أولمرت ومع نتنياهو متحمسة جداً للفرصة، كذلك يبدو شريكها أسحق هيرتسوغ، ولكن لابد من تخطي هذا الشهر للوقوف على ما ستسفر عنه انتخابات حزب العمل الداخلية.
ولأن نتنياهو يدرك أنه في موقف مريح فقد بدأ إطلاق تصريحاته "التفاوضية" ليخلق لها أجواء تسهم في تحديد إطار لها يكون في صالحه، حيث طالب بإبقاء السيطرة الأمنية الإسرائيلية على الضفة الغربية - ليس على غور الأردن، كما اعتادت إسرائيل القول - وهكذا فإنه دون رد فلسطيني بإنهاء الانقسام مثلا وبتحريك الشارع في تظاهرات سلمية شعبية حاشدة، تكمل مسيرة الأسرى الناجحة، فان وجود رئيس كترامب في البيت الأبيض من السهل تحريضه إسرائيليا ضد الجانب الفلسطيني، كما حدث وتأثر بالفيلم المفبرك الذي عرض عليه في إسرائيل، فان مفاوضات صعبة جدا آتية، كما أن سنواتٍ أربعاً عجافاً قادمة مع رئيس هو الأسوأ من بين العديد من الرؤساء الأميركيين الذين جاؤوا بعد رونالد ريغان منذ ثلاثة عقود خلت.