لم تكن حرب "الايام الستة" هي الهزيمة الاولى للجيوش العربية، لكنها كانت الاصعب من بينها. فشلت الجيوش العربية في 1948 في منع اقامة دولة اسرائيل والقضاء عليها، لكن كان لذلك تفسير: كانت الجيوش نتاج الانظمة العربية القديمة والامبريالية الاوروبية. وغابت القدرات العسكرية والدافعية. وكل نظام عربي اهتم بنفسه.
في تشرين الاول 1956 هزم الجيش الاسرائيلي جيش مصر، واحتل شبه جزيرة سيناء خلال اسبوع. في حينه ايضا كان لمصر تفسير: بالتوازي مع العملية الاسرائيلية، اقتحمت القوات البريطانية والفرنسية شمال قناة السويس، واضطر الجيش المصري الى اخلاء سيناء من اجل الدفاع عن البيت في مواجهة القوات الاوروبية. ولكن في العام 1967 احتل الجيش الاسرائيلي سيناء خلال اربعة ايام. وبالتوازي مع ذلك احتل الضفة الغربية خلال يومين، وبعد ذلك الجولان. هذه المرة لم تكن هناك مبررات مصرية. وهي التي تسببت باندلاع الحرب. بنت جيشا جديدا، مسلحا بسلاح سوفييتي نوعي. ونظمت العالم العربي من اجل الحرب، وآمنت أنها ستنتصر بها. كان الفشل متعدد المجالات: عسكريا وسياسيا واقتصاديا.
أحدثت الحرب انقلابا في الموقف العربي بالنسبة للصراع مع اسرائيل. وفهم القادة العرب منذ ذلك الحين أن اسرائيل قوية عسكريا أكثر من أي دولة عربية. وأكثر من أي تحالف لدول عربية ستخرج الى الحرب ضدها. في نظر العرب اختلف هدف الحرب: حتى حرب "الايام الستة "كان الهدف هو القضاء على نتائج 1948 – أي القضاء على دولة اسرائيل. ومنذ ذلك الحين اصبح الهدف القضاء على نتائج 1967، أي اعادة "المناطق" التي احتلت من قبل اسرائيل في العام 1967 الى العرب. ولم يتم الحديث عن القضاء على اسرائيل. وكان الاختلاف في التنفيذ. ذهبت مصر في أعقاب اقوال عبد الناصر "ما أُخذ بالقوة لا يُسترد إلا بالقوة". إلا أن طريق الحرب لم تكن سهلة. لم يكن الجيش المصري قادرا على الخروج الى حرب شاملة. وحتى 1973 لم يكن قادرا على الخروج الى حرب محدودة، ولم يكن عبد الناصر قادرا على الذهاب في طريق السلام. وفرضت عليه حرب الاستنزاف، التي فيها ايضا كانت انجازاته محدودة، بعد أن فاجأت اسرائيل مصر بهجوم جوي في العمق المصري.
هزيمة 1967 دفعت السادات الى طريق مختلفة – طريق السلام، التي مرت عبر حرب "يوم الغفران". وقراره التوصل الى سلام مع اسرائيل نبع من تداخل العبر من حربين. حرب "الايام الستة" أقنعته أن لدى اسرائيل تفوقا استراتيجيا على الدول العربية. وعلمته حرب "يوم الغفران" أنه حين تخرج مصر وسورية الى الحرب، في افضل الظروف، في جبهتين وبشكل مفاجئ، كان النجاح المصري متداخلا، وهزمت سورية. ولكن حرب "يوم الغفران" مكنته من التوصل الى السلام، ليس من موقع الهزيمة والاهانة، بل برأس مرفوع.
فقد الاردن الضفة الغربية بشكل دائم. في كل اتفاق مستقبلي لن تعود الضفة الغربية الى الاردن. رفض الملك حسين في البداية التسليم بفقدان الضفة، وفحص امكانية التوصل الى اتفاق مع اسرائيل، إلا أن الفجوة بين الطرفين كانت كبيرة جدا. وفي الوقت الحالي قامت القيادة الفلسطينية بقيادة الصراع ضد اسرائيل. وفقد الملك حسين مواقعه في الضفة، الى أن تنازل عما تبقى في العام 1988 وأعطى الفلسطينيين بأثر رجعي أحقية الضفة الغربية. ومنذ 1970 توقفت الصراعات العسكرية مع اسرائيل. وأصبح توقيع اتفاق السلام بين الدولتين في 1994 مسألة وقت.
بقيت سورية في الخلف، بدون اتفاق سلام وبدون الجولان. وأدركت سورية مغزى التفاوض العسكري الاسرائيلي، لذلك بعد العام 1967 كانت حدود الجولان هي الاكثر هدوءاً، وبعد فشل استرجاع الجولان في العام 1973 بقيت الحدود هادئة. ولكن حافظ الاسد ارتدع عن الانضمام للسادات في توقيع السلام مع اسرائيل. وانفصل عن باقي العالم العربي، وفقد الدعم السوفييتي مع انهيار الاتحاد السوفييتي. واختفت فكرة التحالف العربي ضد اسرائيل. وفقط في التسعينيات حاول الاسد التوصل الى اتفاق سلام مع اسرائيل، وكان هذا متأخراً جداً.
عن "إسرائيل اليوم"
حالة إيران انتكاسة أم هزيمة "نظرة تحليلية"
23 ديسمبر 2024